لم يكن غريبًا أن تكشف تقارير صحفية دولية وعربية عن تورط الإمارات في تعذيب داخلها وخارجها، لم لا وهي التي زجت بمعارضيها في سجون سرية يخضع فيها المعتقلون إلى صنوف مختلفة من التعذيب.
وتفاقمت الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان في الإمارات وحرياته الأساسية وازدادت الملاحقات والمحاكمات للناشطين بعد الربيع العربي، واعتقلت معارضين ونشطاء حقوقيين بعد توقيعهم عريضة الثالث من مارس 2011، وفق المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف.
تعذيب وسحب جنسية
بعدها، تعرّض موقعون، من بينهم محامون ومثقفون ونساء، إلى الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والمحاكمات الظالمة، ومنعت عنهم الضمانات الضرورية للدفاع عن أنفسهم، وجُرّد كثيرون منهم من الجنسية الإماراتية.
كما تعرضوا إلى التعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة والإهانة، وأخّرت سلطات أبو ظبي عن قصد تقديمهم إلى المحاكمة؛ ما مثّل انتهاكًا لحق كل شخص.
انتهاكات بحق عائلة المعارضين
كما واجهت عائلاتهم انتهاكات طالت حقهم في السفر وفي زيارة أبنائهم المعتقلين وحقهم في الوظيفة، وفيهم من جرد من جنسيته ليصبح من دون أية جنسية، ما يعرف بـ«البدون»، وحرم من حقه في التظلم إداريا وقضائيا ضد قرار سحب الجنسية.
تهمة ملفقة
وتعمّدت الإمارات محاكمة المعارضين والناشطين الحقوقيين بتهم ملفقة وبجرائم مفتوحة ومبهمة وبموجب قوانين فضفاضة تنقصها الدقة المفروضة في القوانين، خاصة الزجرية منها، كما رفضت الانضمام إلى البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب؛ حتى لا تجد نفسها ملزمة باستقبال اللجنة الفرعية لمنع التعذيب للتحقيق في شكاوى التعذيب وإساءة المعاملة.
هذا بجانب تضييقها على تعريف جريمة التعذيب؛ إذ خلا التعريف الإماراتي من الإشارة إلى مبدأ مسؤولية القيادة، وهو ما من شأنه أن يساهم في إفلات المعذّبين والمشاركين والمحرضين لهم من المحاسبة والمعاقبة.
جرائم التعذيب موثقة
وبلغ المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان معلومات متضافرة ومتواترة وذات مصداقية من داخل دولة الإمارات ومن خارجها تفيد بتعرض معتقلي الرأي إلى التعذيب على أيدي جهاز أمن الدولة والقائمين على السجون.
وعذبت أبو ظبي المعتقلين وأساءت المعاملة، وغير ذلك من الانتهاكات التي نالت من حقوقهم الأساسية ضمن قضيتي «الإماراتيين الخمسة» و«94» وغيرهما.
أيضًا، حتى بعد الحكم عليهم بالبراءة عقب مدد احتجاز طويلة قضوها في السجون، لم يحصل معتقلو رأي على أي تعويض مادي أو معنوي؛ وتؤكد القوانين أنّ الإمارات لا تتيح ذلك.
اعتقال ثلاثة أشقاء بسبب «تويتر»
وفي 19 نوفمبر 2015، اعتقلت المواطنة الإماراتية موزة العبدولي وشقيقتها أمينة وأخوهما مصعب من إمارة الفجيرة، واتهمت بـ«الإساءة إلى دولة الإمارات وقادتها والمؤسسات الرسمية والسياسية، ونشر معلومات مغلوطة قد تسبب ضررًا بسمعة الإمارات»، في تغريدات نشرتها على حسابها على تويتر.
وقضت دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا الإماراتية ببراءة أصغر معتقلة في السجون الإماراتية موزة محمد العبدولي في جلسة 30 من مايو 2016، بعد فشل النيابة في إثبات أي من التهم الموجهة ضدها. وعلى الرغم من الحكم ببراءتها؛ لم تُعرض عائلتها حتى الآن على المحاكمة، ولا تزال معتقلة.
سليم العرادي
اعتقل سليم العرادي في غسطس 2014 رفقة رجلي أعمال ليبيين يحملان الجنسية الأميركية، واحتجزوا في سجن سري، ولم تعترف سلطات أمن الدولة بداية الأمر بأنها احتجزتهم؛ لتوجه للثلاثة بعد تهمًا متصلة بالإرهاب.
وقال المعتقل الليبي السابق في سجون الإمارات محمد شقيق سليم العرادي، في مقال له بصحيفة الجارديان البريطانية في 25 مايو 2016: «بعد 16 شهرًا، لفّقت النيابة العامة الإمارتية أول الاتهامات لشقيقي؛ زاعمة بأن له صلات بمؤسستين منخرطتين في أحداث الثورة الليبية، اعتمادًا على اعترافات اُنتزعت تحت وطأة التعذيب، تراجعت المحكمة عن التهم الموجهة إلى سليم، ووجهت اتهامات أخرى جديدة أقل خطورة بكثير؛ لكنها لا تزال مضرّة على نحو كبير؛ إذ اتهمته بتنفيذ أعمال عدائية ضد ليبيا، دون الحصول على إذن من الحكومة الإماراتية، ولم يجرِ دعم هذا الاتهام أمام المحكمة بأي أدلة تؤيده».
معاوية الرواحي
قُبض على المدون العماني معاوية الرواحي على الحدود بين الإمارات وسلطنة عمان في 24 فبراير 2015، ولم يسمح له بالعودة لبلاده؛ لكنه تمكن من إجراء اتصال مع زميل يعمل مدافعًا عن حقوق الإنسان ليخبره أنهم أوقفوه.
وقضت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات الاثنين 14 مارس 2016 ببراءة معاوية من تهم الإساءة إلى رموز الدولة وبث أخبار كاذبة، بعد مثوله أمام المحكمة خمس مرات وبعد أن قضى 14 شهرًا خلف القضبان.
خالد العجمي
اختفى الإعلامي الكويتي المعروف خالد العجمي عن الأنظار لفترة دامت أكثر من ستين يومًا في الإمارات، ولم يستطع ذووه وحتى السفير الكويتي في أبوظبي معرفة مكانه؛ ليتبين فيما بعد أنه معتقل من السلطات الأمنية الإماراتية.
وادّعت الإمارات أنه سعى إلى قلب هيئة النظام وتهديد أمن الدولة وسلامتها، بل وفيهم من اعتقلته أبوظبي من أجل تغريدات على حسابه على «تويتر».
أساليب التعذيب
من أساليب التعذيب التي تنتهجها الإمارات الصعق بالكهرباء والضرب بالعصي والتعليق من الأيدي والأرجل، وقلع الأظافر ونتف الشعر ورميهم بالحشرات والإيهام بالغرق، ووضع المعتقلين داخل توابيت الموت لساعات طويلة، والحبس الانفرادي، إلى جانب التهديد باستعمال الكرسي الكهربائي، والحرمان من النوم والتعرية والتجريد من الملابس تمامًا، والشتم والسب والإهانة، ومنع المعتقلين من الصيام والعبادات التطوعية الأخرى.
ولم ينجُ المقيمون أيضًا من التعذيب الوحشي، مثل رجال الأعمال الليبيين والمصريين والفلسطينيين والبريطانيين والباكستانيين والبنغاليين.
سجون تعذيب في اليمن
وكشف تحقيق استقصائي لوكالة «أسوشييتد برس» أنّ الإمارات العربية المتحدة وقوات يمنية متحالفة معها أنشؤوا سجونًا سرية في مناطق مختلفة من جنوب اليمن، وأخفي فيها مئات الأشخاص وعذبوا؛ منهم من أوقف أثناء محاولات تعقب مسلحي تنظيم القاعدة.
وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن الإمارات احتجزت تعسفًا وأخفت قسرًا عشرات الأشخاص في أنشطة أمنية، لافتة إلى أنها تمول هذه القوات التي تحارب في الظاهر الفروع اليمنية لتنظيم القاعدة أو تنظيم «الدولة» وتسلحهم وتدربهم.
وقالت المنظمة إنّ الإمارات تدير مركزَي احتجازٍ غير رسميين على الأقل، ويبدو أن مسؤوليها أمروا بالاستمرار في احتجاز الأشخاص بالرغم من إصدار أوامر بإطلاق سراحهم، وأخفوا أشخاصًا قسرًا، وأفادت تقارير بأنهم نقلوا محتجزين مهمين خارج البلاد.