في الأزمات الإقليمية، تقول دراسات إنه يمكن تفسيرها من منظور الحفاظ على الأمن العام أو النظام في الدول أطراف الأزمة. لكنّ الأزمة الخليجية الأخيرة كشفت أنه يمكن رؤيتها أيضًا من الصراعات على الخلافة أو الحكم؛ خاصة تلك التي في أروقة قصور السعودية والإمارات بين أفراد العائلات الحاكمة وتناولتها صحيفة «واشنطن بوست».
قالت الصحيفة إنّ خلافات ظهرت مؤخرًا بسبب الصعود السريع لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتعطلت الطريقة النمطية والتقليدية المتّبعة لتغيير القيادات في السعودية، التي وصفتها الصحيفة بـ«المعتمة»؛ إذ تغيّرت عندما تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز (81 عامًا) الحكم بعد وفاة شقيقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 2015، ومنذ ذلك الحين أنهى الملك سلمان خطط أخيه للخلافة؛ بإزالة شقيقه الأصغر «مقرن بن عبدالعزيز» 71 عامًا، وابن شقيق سلمان الأكبر «محمد بن نايف» 57 عامًا، من خط الخلافة.
وبهذه الطريقة الغامضة، رُقيّ ابن الملك سلمان البالغ من العمر 31 عامًا إلى وزير دفاع ثم إلى ولي العهد، وأجبر محمد بن نايف على التنازل عن منصبه؛ بفرض الإقامة الجبرية، حسبما أفادت تقارير؛ ما يكشف عن التوتر الكامن وراء آلية تغيير القيادات.
وبما أن صحة الملك سلمان مشكوك فيها، فقد لا يطول الأمر حتى يتولى نجله الحكم، الذي وصفته «واشنطن بوست» بأنه المهندس المعماري للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، ويبدو أن الحظر الذي تفرضه المملكة العربية السعودية على قطر مبادرة من جانبه. وتهدف هذه السياسات الخارجية، مصحوبة بالخطط الاقتصادية الكبرى في الرؤية السعودية 2030، إلى صعود السياسات السعودية وصدارة أجندة ولي العهد.
الأمير الديناميكي في الإمارات
قالت الصحيفة إنّ حصار قطر حظي أيضًا بدعم قوي من دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي حين يحكم خليفة بن زايد آل نهيان، البالغ من العمر 68 عامًا، اسميًا فقط؛ تنازل عن معظم مهام القيادة لشقيقه البالغ من العمر 56 عامًا: ولي العهد الشيخ محمد بن زايد.
ونجح ولي العهد في الدفع بأبو ظبي نحو ديناميات التطور، ووضع محمد بن راشد على الهامش بعدما نجحت إمارة أبوظبي في إنقاذ دبي من الانهيار المالي في 2008، بحسب «الواشنطن بوست».
تحالف «الشيوخ الشباب» والصراع على السلطة الجيوسياسية
قالت الصحيفة إنّ الشيخين الشابين «سلمان وزايد» وجدا قضية مشتركة ضد نظيرهما البالغ من العمر 37 عامًا في قطر، الأمير تميم بن حمد آل ثاني.
وقالت إنّ النزاع السعودي والإماراتي مع قطر له جذور في التوازن الجيوسياسي والإقليمي، لكن توقيتها أكثر ديناميكية؛ إذ أدى تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الخليج منذ إدارة أوباما وحتى الآن إلى مسارعة القوى الإقليمية لملء الفراغ.
ونجح ملوك الخليج في النجاة من موجات «الربيع العربي» منذ عام 2011، مستخدمين مقدّراتهم الاقتصادية. لكن، على الجانب الآخر، كان رد فعلهم تجاهها مختلفًا، وكذلك تجاه زيادة القوة الإيرانية.
فبينما دعمت قطر بنشاط ظهور أصوات جديدة، كـ«شبكة تليفزيون الجزيرة» في الدوحة وجماعة الإخوان الفاعلة سياسيًا في مصر، سارعت السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى الحفاظ على الأنظمة الاستبدادية، وكانت دول مثل مصر والبحرين وليبيا وسوريا مسرحًا للتنافس بين دول مجلس التعاون الخليجي.
اتفاقيات ومقاطعات
في عام 2013، توصلت قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتفاقيات رامية إلى تصحيح التوترات فيما بينهم، ويبدو أنّ هذه الاتفاقات مرتبطة بتنازل الأمير حمد عن الحكم لصالح ابنه تميم بعدها بأشهر، وهناك تصور مستمر أن الأزمة الراهنة نتاج لذلك.
وقالت إنّ هذه السياسات الخارجية تخدم غرضًا محليًا آخر في ديناميكيات الخلافة؛ فقد تكون معارضة «محمد بن نايف» لحظر قطر القشة النهائية التي أدت إلى إزالته من منصبه وليًا للعهد السعودي. وفي الوقت نفسه، خرج تميم من ظل والده بفضل موجة من الدعم الشعبي.
ولفتت إلى أن مقاطعة قطر أيضًا رسالة إلى قادة الكويت وعمان، وهما عضوان ضمن دول مجلس التعاون الخليجي لا تقاطعان الدوحة، مرجّحة انتقال القيادة قريبًا فيهما مع مرض الأمير الكويتي ومرض السلطان العماني.
وختمت الصحيفة بأنّ الموجات المتعاقبة من أزمات الحكم في الشرق الأوسط أدت إلى اضطراب المنطقة؛ بعد انقلابات القصر في فترتي الستينيات والسبعينيات وأدت إلى تغيير ملوك، وأزالت الانقلابات العسكرية نظراءهم المصريين والليبيين والعراقيين، لافتة إلى أن تداعيات التحولات القيادية حاليًا أكبر من محلية؛ فهناك دول وحكومات وشعوب تحتاج إلى تطمينات على مصالحها.