نشر موقع شبكة الجزيرة الإنجليزية، تحليلا مطولا عن الأزمة الخليجية الراهنة، ومقاطعة دول مجلس التعاون لقطر وحصارها، وتأثيرها على المجريات الاقتصادية بتلك الدول.
وأوضح الموقع من خلال تحليله أن الظروف الراهنة من المحتمل – بشكل كبير – أن تعيد ترتيب خريطة المنطقة الاقتصادية، كما سلط الضوء على الأخطاء الاقتصادية الكبيرة التي ترنكبتها دول التعاون الخليجي من أجل فرض النفوذ السياسي، وأشار إلى تغيرات مستقبلية ستطرأ على اقتصاديات المنطقة، لكن كيف؟
الخليج ونظرية فريدمان
أشار التحليل إلى أنه في حقبة التسعينيات قدم الكاتب الأمريكي «توماس فريدمان»، نظرية اقتصادية مفادها أنه لا يوجد دولتان بهما ماكدونالدز تحاربان بعضهما البعض، حيث اقترحت النظرية التي أُطلق عليها نظرية الأقواس الذهبية، أن الدول ذات الاقتصادات القوية والمستقرة بما فيه الكفاية لدعم الاستثمارات الخاصة للشركات متعددة الجنسية، لن تفتعل صراعات مدمرة بحق بعضها البعض.
لكن النظرية على الرغم من ذلك انتقدت بأمثلة متعددة كالحروب بين الهند وباكستان وإسرائيل ولبنان والتدخلات العسكرية الروسية في البلدان المجاورة لها.
وفيما يتعلق بالأوضاع في الخليج أوضح التحليل أن الأزمة الحالية بين دول مجلس التعاون، أعادت تقديم السؤال، هل تشارك دول غنية ذات اقتصادات قوية في نزاعات مدمرة مع بعضها البعض؟ إذا أعدنا تنشيط نظرية فريدمان فالجواب لا، مشيرا إلى أن الأزمة الخليجية الأخيرة، أكدت أن هناك دولا تتمتع بثروات اقتصادية كبيرة يمكنها تحمل وتكبد خسائر لا توصف لتحقيق أهداف أيدولوجية وسياسية، فما غاب عن فريدمان هو أن التوسع الاقتصادي النيوليبرالي لم يسفر عن السلام الرأسمالي الذي وعد به.
من الذي يستخدم نفوذه؟
أشار التحليل إلى أنه على الرغم من الحديث حول استغلال قطر لاقتصادها رغم صغر مساحتها، في التأثير على السياسة الإقليمية، فإن الدول الأخرى أطراف الأزمة، اعتمدت نفس الأسلوب حيث استخدمت اقتصادها لفرض سيطرتها الإقليمية.
على سبيل المثال ساندت السعودية الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 والذي أطاح برئاسة محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، حيث عرضت الحكومات السعودية والإماراتية والكويتية 23 مليار دولار مساعدات لمصر، من أجل الإبقاء على نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي واقفا خلال الأشهر الـ 18 الأولى من الاضطراب.
فيما تتعاظم تلك المساندات مقارنة بالمساعدات الأمريكية السنوية لمصر والتي تبلغ 1.7 مليار دولار، وتستخدم للتأثير على حكامها، وأضاف التحليل أن هذا هو سبب انضمام مصر لمقاطعة قطر.
كما أشار أيضا إلى أن الحرب في اليمن تكلفت في عامها الأول 5.3 مليار دولار، وهو ما ساهم في عجز بالموازنة السعودية منذ عام 2015، ناهيك عن الدمار الذي لا يوصف والذي أصاب مواطني إحدى أفقر البلدان في العالم.
وفي تونس أيضا كرس السياسيون السعوديون والإماراتيون مليارات الدولارات للتأثير على نتائج التحول السياسي هناك، إضافة إلى دعم القوات المحلية في الصراعات الأهلية المدمرة بليبيا وسوريا.
خسائر اقتصادية مقابل نفوذ سياسي
أوضح التحليل، أنه عندما سحبت تلك الدول سفرائها من قطر وخفضت العلاقات الاقتصادية معها الشهر الماضي، في محاولة لكبح جماح السياسة الخارجية لها، لم يكن من المتوقع أن تسمح السعودية والإمارات والبحرين، بأن تؤثر الأزمة على علاقات تجارية مع قطر تقدر بـ 9.5 مليار دولار.
كما أكد على أنها لم تكن المرة الأولى التي تضع فيها حكومات هذه الدول جدول أعمالها السياسي فوق مصالحها الاقتصادية، حيث رفضت السعودية من قبل خفض مستويات انتاجها من النفط بعدما انخفضت أسعاره عام 2014، وهو ما يعني انخفاض إيراداتها منه.
أضاف أن ما فعلته السعودية استهدف النفوذ الإيراني الإقليمي المتزايد والمنافس لها وتقويض عائدات النفط فيها، بدلا من مواجهة النفط الصخري الأميركي الذي يهدد بهبوط أسعر النفط في العالم والذي من شأنه أن يضر بدخل السعودية.
فمنذ عام 2015 قدرت الخسائر الجماعية لعائدات النفط الخليجية بـ890 مليار دولار، وهو ما دفع السعودية وبعض الدول الأخرى إلى خفض الدعم المقدم لمواطنيها وفرض الضرائب والسعي للحصول على قروض دولية للمرة الأولى في تاريخها الحديث.
في الوقت نفسه، ارتفع الإنفاق الدفاعي بشكل حاد في السنوات الأخيرة، حتى قبل احتساب الصفقة الضخمة التي بلغت قيمتها 110 مليارات دولار والتي أقامها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع النظام السعودي خلال زيارته للرياض في مايو الماضي.
أوضح التحليل أن هذه الأنظمة تنظر ببساطة إلى سياساتها الحالية كضرورة لفرض رؤية مستقبلية فريدة للمنطقة العربية، أو ربما تكون جزءً من استراتيجية استثمار طويلة الأجل تتوقع أن تجني ثمارها عندما تدخل الدول المجاورة حظيرة هيمنتها، موضحا أنه في كلتا الحالتين كلما طال أمد هذه الأزمة، قل احتمال استعادة الترتيبات الاقتصادية طويلة الأمد والتي أبرمت داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
من جانبها، قامت قطر بالفعل بإعادة توجيه تجارتها نحو تركيا وإيران، التي بدأت من خلالها استيراد السلع التي كانت تأتي من خلال المملكة العربية السعودية.
حرب إقليمية باردة
أشار التحليل الاقتصادي، إلى أنه في أعقاب المحاولة الفاشلة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لفك الحصار على قطر، فمن المتوقع أن يستمر إلى أجل غير مسمى، مما يؤدي إلى شيء أشبه بالحرب الإقليمية الباردة، فبعد أن استخدمت دول الحصار لمعظم أسلحتها الاقتصادية الموجودة تحت تصرفها، فإنه لم يتبقى سوى طرد قطر من دول مجلس التعاون الخليجي، والذي تم تأسيسه في الأصل لتوطيد تحالف إقليمي معادي لإيران بقيادة السعودية.
وأضاف أنه منذ منتصف التسعينيات، أثبتت قطر نفسها كعضو معارض في مجلس التعاون، حيث عززت الأصوات المناهضة للمنطقة في المحيط الإقليمي واتخذت موقفا أقل صرامة تجاه إيران، التي تشترك معها في واحدة من أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، والذي استأنفت تطويره ابريل الماضي بعد تجميد استمر 12 عاما، وهى خطوة كان ينظر إليها بشك من قبل جيرانها.
وأوضح، أن التحول التدريجي في الطلب العالمي على الطاقة، من النفط إلى الغاز الطبيعي، والسياسات الخارجية المتباينة من شأنه أن يخلق حالة من التنافس بين قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، لكن أفعال السعودية وحلفائها حولت هذا الصدع إلى هوة في وقت قصير للغاية.
وأشار التحليل المطول إلى أن الدول المقاطعة لقطر لم تمهد لهذا التصعيد المفاجئ ولم تزرع أجواء العداء التي تسبق عادة هذا النوع من التصعيد، كما أنها لم تقنع مواطنيها بشأن وضع قطر كعدو أولي، وبالنظر إلى الإجراءات العقابية القاسية التي وضعتها لمن يبدي تعاطفا مع قطر من شعوبها يشير بشكل كبير إلى اعتقاد حكومات تلك الدول ان مواطنيهم لا يدعمون أفعالهم.
ويرجع ذلك إلى أن المطالب المطروحة كشرط مسبق لإنهاء الجمود، من قمع جماعات المعارضة وإغلاق منظمات إعلامية، تهدف في النهاية إلى تدعيم الظروف السياسية القمعية لحكومات تلك الدول، حيث أظهرت التكلفة المرتفعة للتصعيدات الأخيرة أنها مستعدة لرهن مستقبل مواطنيها من أجل القيام بذلك.