قال المحلل العسكري الأميركي دانيال ديباتريس إن الشعب العراقي لا زال يعاني من اضطهاد الأمن رغم أنه لم يمر وقت كبير منذ التخلص من وجود تنظيم الدولة في العراق.
وأضاف دانيال، في مقاله المنشور بصحيفة «ناشونال إنترست»، أنه بالرغم من الانتصار الأخير وروح الاحتفالات التي غلّفت الأجواء في بغداد؛ إلا أن الحكومة العراقية بدأت سريعًا في تحركات يمكن أن تُفقدها المصداقية في أعين المواطنين.
وبدلًا من اتخاذ خطوات هامة لإعادة بناء العراق، مثل المصالحة والاندماج والتقرب من الشعب، بدأت الحكومة في سياسة الانتقام الدموي؛ وهي السياسة التي ساعدت في ظهور تنظيم الدولة منذ البداية.
كما أوضح دانيال أن التقارير الصادرة للوضع بعد تحرير الموصل تؤكد ارتكاب قوات الأمن العراقية والمليشيات الموالية للحكومة انتهاكات حقوق إنسان وحبسًا غير قانوني لسكان الموصل، إضافة إلى القتل خارج إطار القانون للمسجونين التابعين لتنظيم الدولة.
وفي السياق نفسه، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش حالات اختيار عشوائي للمواطنين عبر نقاط التفتيش والاعتداء عليهم بالضرب واصطحابهم إلى زنازين يقتل بعضهم في داخلها، وفق روايات شهود عيان؛ ومن المؤكد تعذيب كثيرين أثناء الاستجواب، وفق ما قاله دانيال.
ويقول دانيال إن شهودًا وضحايا تحدثا عن اصطحاب عائلات أعضاء تنظيم الدولة إلى مراكز إعادة التأهيل للتأكد من أنهم لا يحملون أيديولوجية التنظيم، ورغم براءتهم؛ إلا أنهم ما زالوا محتجزين ضد رغبتهم من قوات الأمن بدلًا من حمايتهم.
يضيف المحلل أنه في حلقة جديدة من سلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها القوات العراقية ظهر فيديو هذا الشهر يوضح إلقاء اثنين من محتجزي تنظيم الدولة من منطقة عالية؛ ليضاف هذا إلى سجل الأمن العراقي المتهم بتعذيب المشتبه بهم للحصول على معلومات ثم قتلهم، وهو ما يوضح أن سحابة الكراهية والانتقام التي كانت تحلق فوق العراق ستستمر لفترة؛ إلا في حالة إظهار رئيس الوزراء حيدر العبادي قوة سياسية وتحملًا للأفعال.
يؤكد دانيال أن وقف الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن العراقية مهم لاحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، وأيضًا ضرورة استراتيجية إذا رغب العراق في الخروج من الطائفية التي عرّضت الدولة إلى عنف؛ لذا يجب التذكر دومًا أن هذا النوع من الانتهاكات هو ما سبّب ظهور جماعات جهادية وحشية في شمال العراق وغربه وألحق هزائم كبرى بالجيش العراقي.
لم تمر سوى ثلاث سنوات عندما دخل تنظيم الدولة إلى الموصل واستقبله المواطنون بالبهجة والتصفيق، ليس بسبب تأييدهم للتنظيم وأيديولوجيته؛ ولكن لهزيمة الجنود وطردهم من المنطقة، حينها رأى سكان الموصل وتكريت والفلوجة أن تنظيم الدولة حرّرهم من ظلم الحكومة؛ لكنهم الآن اعتبروا أن أعضاء التنظيم قتلة ومجرمون ومغتصبون.
يقول دانيال إن الحكومة العراقية إذا أرادت ألا تكرر السيناريو نفسه في المستقبل القريب يجب عليها حل مشاكلها سريعًا، بجانب ضرورة إصدار رئيس الوزراء حيدر العبادي سلسلة من الإصلاحات السياسية والدستورية تمنع قوات الأمن العراقية من استخدام الأساليب الوحشية تجاه المدنيين.
ويرى المحلل أن إعادة تشكيل الوزارات الأمنية، ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، وإقالة القادة والجنرالات الذين يشجعون الانتهاكات أو يفشلون في التحقيق في هذه التجاوزات، وكذلك محاكمة الوزراء الذين يوظفون من يكسر القانون لصالح أنفسهم بدلًا من الشعب العراقي، لن يكون سهلًا لحيدر العبادي؛ خاصة بسبب اعتماده على الأحزاب الطائفية من أجل ضمان مستقبله السياسي، ولكن الخيارات بدأت تنفد من بين يديه.
فور التخلص من تنظيم الدولة بدأ كثيرون يتساءلون عن إمكانية إعادة الموصل والعراق إلى الطريق مرة أخرى، رغم صعوبة الإجابة عن هذا التساؤل؛ إلا أن الشيء المؤكد أن الخطوة الأولى لتعافي العراق والموصل من تأثير تنظيم الدولة والبدء في طرق طويل وصعب من إعادة البناء الاجتماعية والسياسية والنفسية يجب أن تأتي من السياسيين العراقيين؛ حيث لا يملك أيّ طرف آخر، سواء كانت أميركا أو الاتحاد الأوروبي أو غيرهما، القيام بمهامهم.