يبدو أن فوضى العالم ازدادت حتى عمّا كُنّا نظن أن عالمنا العربي بلغه، وإلا فإنه ما من حاكم عربي تجرأ حتى اليوم على إجلاس ابنته مكانه في مناسبة عالمية، بل إن ما تبقى من شعور مُزيف بالحياء والخجل كان يجعل حكامنا الأحياء والأموات، وما يزال، يطرحون رداء حلم الزعامة والرئاسة المُدعى على أبنائهم من الذكور، سواء أتحقق أملهم فيهم أم خاب، وإن لم يكن ..الحكام أو أبنائهم .. يُعدون من الرجولة بمكان، فالرجولة صفة لغوية عربية، كما هو معروف تقبل القسمة على الذكور والإناث، ولكن لا يتحلى بها إلا مَنْ كان يملك من النخوة والكرامة والعزة والإباء ما يكفي..!
لكن من ضمن “معجزات” هذه الأيام، وهي معجزات مُذهلة تقلب الأمور للأسف، أن تجلس “إيفانكا ترامب” في مكان أبيها الرئيس الأمريكي في قمة العشرين في هامبورغ في ألمانيا، على طاولة الرؤساء إلى جانب الرئيس الصيني “تش جين بينج”، ورئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي”، يوم السبت الماضي، أما الجمعة، فإن أباها اضطر إلى مغادرة القاعة، وعدم البقاء بها إلا لدقائق قد تصل إلى ربع الساعة أو إلى ثلثها على أفضل تقدير.
وبحسب وكالات الأنباء العالمية، أيضًا قيل إن “ترامب” لم يهتم بالقمة في يومها الأخير، السبت الماضي؛ وبموضوعها الخاص بالهجرة وإفريقيا من الأساس، وقالت “سفيتلانا لوكاش”، كبيرة مستشاري الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، إن “ترامب” غادر القاعة مع ابنته “إيفانكا”، ثم عادت للقول بعد ثلث الساعة، في تغريدة أخرى على “تويتر” إن “إيفانكا” جلست على مقعد الرئيس الأمريكي عوضًا عن أبيها.
والنجمة “إيفانكا” هي المُحتفى بها في السعودية على نحو غير مسبوق لابنة رئيس أمريكي على نحو رسمي وجانب شعبي، حتى لتتلقى طلبًا مُصورًا للزواج يوسط صاحبه فيه الملك “سلمان”، وهي المتزوجة، فضلًا عن تسمية رضيعة باسمها جُلّ ذنبها أنها أتت للدنيا في مثل هذه الفترة المُلغزة من تاريخ الأمة العربية الإسلامية، فيما يبنى أحدهم مسجدًا باسم أمها السيدة “ميلانيا”.. وفي الحقيقة فإن “إيفانكا” وزوجها “جيرد كوشنر” يضطلعان بدور رسمي في البيت الأبيض؛ ثم هاهو أبوها بعد مغادرته السعودية بنحو شهر يُصرح في تجمع لمناصريه في “سيدار رابيدز” في ولاية أيوا أنه أتفق على أخذ المليارات من أموال السعوديين، وإنه اتفق معهم، أيضًا، على محاربة، ما أسماه بالإرهاب، ثم غادرهم تاركًا إياهم بالفعل ليأخذوا إجراءات ضد دولة معروفة بدعمها للإرهاب وتمويله، وهما يتصارعون الآن معها، وأنه مؤمن أن للأمريكيين أثر وتأثير ضخم في هذا الأمر، بحسب قوله.
وأضاف “أبو إيفانكا”، ليتحفنا كعرب بالقول: “لا يمكننا أن نترك تلك الدول البالغة الثراء في استمرار تمويل الإسلام الراديكالي الإرهابي، لا يمكننا السماح بذلك”.
وفي نفس اليوم الذي كان “ترامب” يُطلق الكلمات السابقة فيه، كان الملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز”، وبعد حين قليل من الأربعاء 21 من يونيو/حزيران كان الملك “سلمان” يهب ولاية عهد السعودية إلى ابنه “محمد” من بعده .. مُعفيًا نجل أخيه منها ومن جميع المناصب، ووافق ذلك اليوم ليلة 27 من رمضان ..!
فهل ياترى كانت المليارات السعودية المُتدفقة على “ترامب” من أجل (الإرهاب) المُدعى فحسب .. أم من أجل القبول بحاكم للمملكة لا يتعدى الثلاثين من العمر بكثير وليست له خبرة في أي مجال من مجالات الحياة؟
ثم هاهي كبيرة مستشاري الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تقول إن “إيفانكا ترامب” نابت عن أبيها رئيس الولايات المتحدة في مناسبتين على الأقل، لكنها لم تلق كلمة، فيما يُصر البيت الأبيض على أن منصب السيدة “إيفانكا” ليس سياسيًا بالدرجة الأولى .. فماذا لو كان سياسيًا؟!
وفي وسط هذا “العك السياسي” بامتياز بين شرقي وغربي يخرج الرئيس الأمريكي، المُذهل، ليقول في نفس يوم جلوس ابنته على كرسيه مرتين على الأقل في قمة العشرين، وقبل ساعات من فعلها إنه يفخر بابنته الكبرى مع إقراره واعترافه بأنه جعل حياتها “أكثر تعقيدًا”.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن “ترامب” قوله: “لو لم تكن ابنتي لكانت الأمور بالنسبة لها أبسط بكثير”.
وللحقيقة فإنه لا أحد على ظهر هذا الكوكب يعرف تفسيرًا للجملة الأخيرة، فابنة “ترامب” الكبرى ترفل في نعيم الحياة الدنيا، فيما يُساعدُ أبوها الأنظمة الفاشية الظالمة على إذاقة الضعفاء في العالم ألوان، وفي مقدمتهم النساء، الشقاء من اليمن حتى سوريا حتى العراق حتى مصر، ومن قبل فلسطين .. وأماكن أخرى في العالم يصعب حصرها، ثم هاهو يقول إن ابنته تعاني من عُقد الحياة بسببه .. وهي تجلس على كرسيه في قمة خارج البلاد تجمع عددًا لا بأس به من زعماء العالم .. فماذا عن سيدة استشهدت في اليمن فيما تحمي بيديها طفلها، رحمها الله، في عملية إنزال لـ”المارينز” الأمريكي في قرية “قيفة” القبلية، إحدى ضواحي مدينة “رداع”، في محافظة البيضاء، وسط اليمن؟ وذلك بعد تولي “ترامب” الحكم بـ9 أيام فحسب، وفق تقرير لجريدة “الإندبندنت” البريطانية الأسبوع الماضي، وقد حرصت الأم على تلقي الرصاص عن صغيرها حتى الموت ليستمر على قيد الحياة، فيما تلقى الله شاكية من عالم يحكم فيه أمثال “ترامب”.