«محمد جمعة عبد الواحد» شاب مصري عاد من رحلة الموت بفضل العناية الإلهية, فقرر الكشف لنا عن حيل وألاعيب عصابات الهجرة غير الشرعية, ويحكي لنا محمد أسرار الرحلة المشئومة.
السن 35 سنة, عامل معماري, عائد من الجحيم, مقيم بعزبة نجاتي التابعة لمركز طامية بمحافظة الفيوم, ضحية جديدة من الضحايا التي قذفتها الأمواج, ووصلت إلى البر من بين جثث نهشتها وشوهتها الأسماك في البحر الأبيض أو ناجين صارعوا الموت بعد أن خدعهم سماسرة النصب, الذين يتاجرون بأحلام الشباب الذين ضاقت بهم سبل الحياة الكريمة في بلدهم, فقرروا الهروب حتى ولو إلى الحياة الآخرة, ويقع هؤلاء الشباب فريسة سهلة في أيدي سماسرة الهجرة غير الشرعية؛ ليحصلوا منهم على مبالغ مالية ربما لا يعلمون أن الضحايا قد باعوا أثاث منازلهم أو وقعوا على إيصالات أمانة, وأصبحوا مهددين بالحبس من أجل البحث عن حياة كريمة لهم ولأسرهم.
تفاصيل الحكاية
«محمد» الذي وصل إلى قريته يقول: "تجار الموت حصلوا مني على 5000 جنيه, وكان الاتفاق على أن نلتقي بمرسى مطروح, وكلمة السر «الأمانة وصلت», وتعني أنني سددت المطلوب, واتفقنا على السفر عبر الطريق البري من مناطق أكدوا لي أنها آمنة وسهلة, وتؤدي للوصول إلى ليبيا بعيدا عن قطاع الطرق واللصوص, وأن حلم السفر كان يراودني منذ فترة طويلة بعد أن أقنعني أحد الأصدقاء, وهو وسيط بيني وبين أحد الأشخاص من البدو الذين يتولون تسفير الشباب, تقابلت معه وطلب مني تدبير المبلغ المالي المطلوب, وحدد ميعاد السفر.
واستطرد «محمد»: تزوجت منذ خمسة شهور فقط, وكانت أحلم بمسكن جديد يجمع شمل أسرتي من أجل أن أنتقل إليه وأترك لإخوتي وعددهم 9 من الرجال منزل العائلة مما دفعني إلى السفر, وبالفعل دبرت المبلغ المطلوب وسلمته إلى مندوب عصابة الهجرة غير الشرعية, والتقيت معه في الموعد المحدد, وفوجئت بمجموعة من الرجال يرحبون بي في البداية, ويطلبون مني الصعود للمركب، وعندما أخبرتهم أن الاتفاق على السفر عبر السيارات بالطريق البري نهروني, وقالوا لي: إن المركب أضمن وأفضل وهي الوسيلة المتاحة حاليا, والرحلة لن تتجاوز ثلاثة ساعات وبعدها سوف يصل الجميع إلى حلمهم المنشود.
لحظات الموت
وعندما شاهدت المركب شعرت بقلبي ينقبض, وأن الموت يرفرف بجناحيه عليها, وشعرت أنني هالك لا محالة, ولم يكن أمامي خيار آخر, ورميت حملي على الله, ونطقت الشهادتين قبل صعودي, وشجعني وجود العشرات على متن المركب, وانطلقت المركب في تمام العاشرة من مساء نفس اليوم.
وبعد وقت قصير من انطلاق المركب بنا, وكنا على متنها أكثر من 37 مصريا من محافظات مختلفة, وبعد ساعة من انطلاقها تحققت هواجسي ومخاوفي ولاحظت أن الأمواج تتلاعب بالمركب وتتقاذفه من كل اتجاه والمياه تدفقت إلى داخل المركب بشكل خطير بعد ساعتين من إبحارها, وبدأنا في الصراخ, ولم نشاهد سوى الظلام الدامس ونسمع تلاطم الأمواج بالمركب في عرض البحر, وشاهدت زملاء الرحلة يتساقطون وتبتلعهم مياه البحر واحدا بعد الآخر, وواجهت نفس المصير, وسقطت في المياه, وظللت أعوم 13 ساعة يسلمني موج للآخر, وتتقاذفني مياه البحر الأبيض, ولم أستسلم ودعوت الله النجاة لأعود لزوجتي وأسرتي, وكنت أسمع صراخ زملاء الرحلة وكل منهم يصرخ وينادي على الآخر, ووجدت نفسي أتحسس رمال الشاطئ وكم كانت مفاجأة لم أتوقعها, وظللت أبكي عندما شاهدت ضوءا من بعيد سرت ومشيت في اتجاهه حتى عجزت عن الحركة وسقطت من شدة العطش بعد أن شربت كمية كبيرة من المياه المالحة, التي زادتني عطشا, ومع طلوع النهار شاهدت من بعيد مبان اقتربت منها, وهناك عثر علي مجموعة من خفر السواحل الليبية, واصطحبوني إلى المستشفى, وبعد ذلك إلى طبرق ثم عدت إلى السلوم ومنها إلى منزلي.
عمل D.N.A للتعرف على أحد الضحايا
ومن جهة أخرى حصلت وزارة الصحة على عينات من شقيقي الضحية السابعة من ضحايا المركب المشئوم, وذلك للتعرف على جثة شقيقهم بمشرحة زينهم؛ لدفن الجثة بمقابر قرية نواره بمركز أطسا مسقط رأسه؛ حيث قامت الجهات المسئولة بتعليمات من وزارة العدل بالحصول على عينات من دماء محمد عبد التواب السيد وشقيقه رمضان, لعمل تحليل D.N.A للتعرف على الجثة, وحرص عدد من ممثلي اللجان الشعبية وحزبي النور والحرية والعدالة على التواجد مع أسرة الضحية في مشرحة «زينهم».