تمر علينا في هذه الأيام الذكرى السنوية التاسعة لاستشهاد القائد المهندس إسماعيل أبوشنب ، وهي نفس ذكرى إحراق المسجد الأقصى في ارتباط وثيق بينهما في ظل الأوضاع التي يعاني منها الشعب الفلسطيني من انقسام وغياب العمل المشترك وتقبل الآخر بين الفلسطينيين ، وتهديد جديد يعيشه المسجد الأقصى ومدينة القدس في ظل استمرار الحملة الصهيونية ضدها من تهويد وبناء استيطاني غير مسبوق وتهجير أهلها ، وتصريحات صهيونية متعنتة تجاه القدس وعدم التنازل عنها ، وكان أبرزها تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن القدس قلب إسرائيل ولن نقبل بتقسيم قلبنا .
حالة التشتت الفلسطيني والانقسام وغياب مفهوم الوحدة في ظل هذه الظروف يجعلنا أكثر من نتذكر المهندس القائد الوحدوي إسماعيل أبوشنب والذي كان مدرسة في حمل هم الوطن ، وكانت فلسطين أكبر من كل التنظيمات في رؤيته ، وأن الاختلاف لا يعني الصراع أو الاختلاف على مصلحة فلسطين ، هذه المدرسة فقدها الشعب الفلسطيني منذ تسعة أعوام ومازلنا نبحث عمن يعوضها ، كيف لا وهو القائد الوحيد في الساحة الفلسطينية الذي أجمع عليه الجميع وهو على قيد الحياة ، وهو القائد الوحيد الذي اعتبرته القوى الوطنية والإسلامية ابنها ونعته باسمها.
نعم لقد كان علامة فارقة في الوحدة الوطنية وفي كافة المجالات ، فعندما أسس وزملاءه المهندسين نقابة المهندسين في نهاية السبعينيات من القرن الماضي كان الإسلامي الوحيد بينهم ، ورغم ذلك ماهي إلا فترة وجيزة حتى وضع المهندسين الثقة فيه نقيباً لهم ، لما وجدوا من روح العمل الوطني لديه والانتماء للوطن ولمسوا معنى العمل المشترك في حياة إسماعيل أبوشنب .
" العمل المشترك مع الجميع ضد الاحتلال " كان شعاراً رفعه أبو شنب منذ دخل المعتقل عام 1989 م عندما أسس لشراكة في السجن مع الجميع بعد أن كان الإسلاميون منفصلين وغير متواصلين مع الآخرين ، ولكن حكمته وهمّ فلسطين جعلاه يوحد الأسرى على كلمة سواء ، وتشهد فترة اعتقاله قمة العطاء الوطني المشترك عندما قاد وكافة الأسرى إضراب السجون 1992م و إضراب 1995م ، وهي فترة مثمرة شهد له بها كل من عاش معه في المعتقل .
عصر يوم الأربعاء 20 أغسطس من العام 2003م كانت الساحة الفلسطينية تعيش توتراً غير مسبوق ورسائل من الشَّحن المتبادل بين حماس والسلطة ، فلم يمنعه هذا التوتر من استغلال فرصة جاءت بمحض الصدفة وفي استيديو أحد القنوات الفضائية إلا أن يعقد حواراً مع وزير في الحكومة الفلسطينية برئاسة أبو مازن في ذاك الوقت ، في محاولة لنزع فتيل التوتر، استثمر هذه الفرصة لأنه كان يعلم بأن التوتر والاحتقان والاقتتال لن يوصلنا إلى نتيجة .
وفي يوم 21 أغسطس كان موعده مع حقن الدم الفلسطيني فكان في الطريق إلى لقاء مع السلطة الفلسطينية من أجل تخفيف الاحتقان وزيادة اللحمة ، وكان إصراره على أن يكون هو الحاضر لهذا اللقاء رغم طلب الشيخ ياسين منه أن لا يكون هو نتيجة الظروف التصعيدية من الاحتلال ، وكان موعده مع الشهادة حيث حقنت دمائه دماء الشعب الفلسطيني وتحول التوتر إلى غضب ضد الاحتلال ، في دلالة على صدق توجهاته ورسالته إلى الجميع أن فلسطين أكبر من الجميع والعدو هو الاحتلال الذي كان يهدف إلى إشعال الفتنة باغتياله ولكنه أصيب بخيبة .
تسعة أعوام مضت والحال غير الحال فما زالنا نبحث عن المدرسة الغائبة ولم نجد ضالتنا ومازالت هذه المدرسة مفقودة .
ما ذكرته هو جزء يسير وسريع من مدرسة لا يكفيها مقال أو كتاب للحديث عنها ، ورغم ذلك تمر كل عام ذكراه دون أن يتحدث أحد عنه ، في حالة ترسم المشهد الفلسطيني البائس ، حتى إعلام الفصيل الذي كان قائداً فيه لا يذكره حتى ولو بصورة خجولة .
كم نحن اليوم بحاجة إلى أمثال إسماعيل أبو شنب يُجمِع عليه الجميع بل ويختاره الجميع ليكون ممثلاً عنه في كافة القضايا ، فعندما نسمع الإعلام يتذكر هذا القائد سنستبشر بأن المدرسة مازالت حية ولكنها غائبة والطلبة مفقودين ، ولعل جيل الشباب يحمل شيئاً منه .