يستبعد الخبراء الإسرائيلين ان تتمكن مصرمن تطبيق اجراءات ناجعة في مجال تنظيم الاسرة والحد من التكاثر الطبيعي والنمو السكانى. في ظل الظروف السياسية الراهنة, ولا سيما بعد فوز العناصر الاسلامية باغلبية مقاعد البرلمان حيث يعتبروا النمو السكانى عائقا رئيسيا بوجه تقدم مصر ونموها اقتصاديا واجتماعيا "هكذا تنظر إسرائيل الى مصر".
كتب البروفيسور "عامي ايالون" من جامعة تل ابيب في مقال له حول الإنفجار السكانى فى مصر, ان تعذر الحكومات المصرية عن تحقيق نتائج ملموسة في مجال تنظيم الأسره وتحديد النسل, يعود الى عدة عوامل منها تحسن الاوضاع الصحية في مصر وانخفاض عدد الوفيات, إضافة الى كون المجتمع المصري محافظا ومتدينا, ومعتقدات الإسلامين أن استعمال وسائل تنظيم الاسرة امرا يتناقض مع الشريعه الإسلاميه.
كذلك يشير البروفيسور (ايالون) في مقاله أن نسبة الامية العالية في مصر, ولا سيما في صفوف النساء, معلل ان معظم الفلاحين في مصر ما زالوا يعتبرون تعدد الاطفال امرا ضروريا اقتصاديا واجتماعيا. الى جانب عقم الحملات الاعلامية في تغيير المعتقدات والتقاليد التي يتمسك بها العديد من افراد المجتمع المصري.
وذكر الكاتب الإسرائيلى فى مقاله أنه وفقا لمعطيات الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء, بلغ عدد سكان مصر, في بداية العام الراهن أكثر من واحد وثمانين مليون نسمة تقريبا.
حيث بلغ تعداد مصر في بداية القرن العشرين عشرة ملايين نسمة. وبحلول عام 1950 تضاعف هذا العدد وبلغ عشرين مليونا. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم, أي بعد ستة عقود, تضاعف هذا العدد ست مرات. ويتوقع أن يصبح في غضون خمسة وعشرين عاما, مائة وثلاثة وعشرين مليونا.
وبما أن نسبة التكاثر السكاني في مصر تفوق بكثير مواردها وقدراتها الاقتصادية, فان الخبراء الإسرائيليون يعتبرونها عائقا رئيسيا بوجه تقدم مصر ونموها اقتصاديا واجتماعيا.
ويقول أيضا "ايالون " فى مقاله اذا نظرنا مثلا الى أراضي مصر القابلة للزراعة, نجد أن نسبة هذه الأراضي من مجمل مساحة الدولة لم تتغير, وهي أربعة بالمائة فقط. كما أن مصادر المياه في مصر لم تتغير هي الأخرى, بل قد تنخفض في المستقبل, إذا قامت دول حوض النيل الاخرى بانشاء المزيد من المشاريع المائية, علما بان مصر هي اخر الدول العشر التي يمر فيها نهر النيل.
وفيما كانت مصادر مصر من المياه والأراضي كافية لسد حاجياتها الغذائية, حتى أواسط القرن العشرين, إلا انه بعد مرور ستة عقود, ومع التزايد السكاني الكبير, أصبحت مساحة الأراضي ومصادر المياه غير كافية, مما يضطر مصر الى استيراد اكثر من نصف حاجياتها من الموارد الغذائية.
وهذا هو الامر بالنسبة للبنية التحتية في مجالات المواصلات, والسكن, والخدمات الاجتماعية, والصحية, والتعليمية, التي لم يتسع نطاقها ليتلاءم مع نسبة التزايد السكاني العالية.
ويشير ايضا الكاتب الإسرائيلى الى فى مقاله ان الانعكاسات السلبية الاخرى التي تنطوي عليه نسبة التزايد السكاني العالية وافتقار مصر الى الاراضي الزراعية, انتقال الملايين من الفلاحين الى المدن الكبيرة. وبما أن البنية الاساسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة لاستيعابهم غير متوفرة, فانهم ينضمون بدورهم الى الدائرة المتسعة من الفقراء والعاطلين عن العمل. ويشار بهذا الصدد الى ان عدد سكان القاهرة بلغ في بداية العام الراهن حوالي تسعة ملايين نسمة, او ما يوازي حوالى احد عشر بالمائة من اجمالي سكان مصر, فيما بلغ عدد سكان محافظة الجيزة حوالى سبعة ملايين نسمة, وعدد سكان الاسكندرية اربعة ملايين ونصف المليون نسمة.
كما أشار "ايالون" ان النظام الملكي المصري لم يول اهمية لموضوع التكاثر السكاني, بل شجعه لاعتبارات اجتماعية واقتصادية. ولكن قادة الضباط الأحرار الذين استولوا على الحكم عام 1952, اعتبروه اخطر مشكلة تهدد مستقبل الجمهورية المصرية. وكان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يعبر في خطاباته عن قلقه العميق من المخاطر الكامنة في نسبة النمو السكاني العالية التي وصفها بالانفجار السكاني. وقد عمد نظامه الى اتخاذ اجراءات عملية لاحتواء هذه المشكلة, منذ اواسط الستينات, حيث اقيمت مراكز لتنظيم الاسرة, واطلقت حملات اعلامية لتوعية الجمهور وتشجيعه على استعمال وسائل منع الحمل.
غير ان نظام الرئيس المصري الراحل انور السادات الذي خلف عبد الناصر عام 1970, لم يواصل المساعي لتقليص نسبة التزايد السكاني. فقد ارتأى السادات ان تطور مصر اقتصاديا واجتماعيا, سيؤدي الى خفض هذه النسبة .
الا ان هذا لم يحدث. فعند توالي الرئيس المصري السابق حسني مبارك الحكم في مصر عام 1981 , بلغ تعداد مصر اربعة واربعين مليونا, مما حدا به الى وضع مسالة التكاثر العالي في مقدمة سلم الاولويات القومية.
وفي اطار المساعي التي بذلها في هذا الموضوع, اقام مبارك عام 1985 المجلس القومي للسكان, وخصص موارد مالية تذكر, لتكثيف نشاطات تنظيم الاسرة وتوسيع الحملات الاعلامية لتوعية الجمهور المصري على وجوب تحديد النسل, واقناعه بالفوائد الكامنة في ذلك.
كما تطرق الكاتب الإسرائيلى الى توجه مبارك الى رجال الدين وعلماء الازهر للنظر في الابعاد الدينية التي تنطوي عليها مسالة تحديد النسل. وبالفعل عمد عدد من رجال الدين المصريين على مر السنين الى اصدار فتاوى اباحت استعمال وسائل منع الحمل, وجزمت بصورة قاطعة, ان تنظيم الاسرة يتماشى مع احكام الشريعة الاسلامية.
ومع ان المساعي التي بذلها نظام الرئيس مبارك حققت بعض النتائج, الا انها لم تؤد الى انخفاض يذكر في نسبة التكاثر السكاني.
ويرجع الكاتب السبب فى ذلك مزاعم العناصر الاسلامية, ان سياسة مبارك في موضوع تنظيم الاسرة هي بدعة تعتمد على الفكرة العلمانية الغربية, حسب قولها. ومن الناحية الثانية رأت العناصر السياسية العلمانية المعارضة لنظام مبارك, ان المساعي لتحديد النسل في مصر هي مؤامرة امبريالية تستهدف اضعاف مصر.
ومن ناحية اخرى اتخذت المعارضة لنظام مبارك المساعي المبذولة للحد من نسبة النسل ذريعة لتوجيه انتقادات لاذعة اليه.