كتبت هذا المقال فى صيف 2010، وبعد تصاعد اصوات التعصب والإقصائية ومحاولة تعديل الهوية .. اجد انه من المفيد ان اعيد نشر هذا المقال بحذافيره اليوم، لعرض وجهة نظرى فى اهمية وجودنا فى شكل "السَلَطة" التى تربينا عليها كلنا:
– اطلع خذ لك ساندوتش يا مايكل و بعدين انزل عوم تانى
– ما تروحيش بعيد يا ماريان
– روح هات كرسى لطنط انجيل يا Beter
– اجرى إندهى بتاع الفريسكا يا كريستين
ده ملخص أغلب الحوارات اللى كان ممكن تسمعها بدءاً من 11 أغسطس 2010 على أى شاطىء من شواطىء قرى الساحل … و طبعاً الأسباب معروفه، فالأقباط المسلمين فى المحروسه كلهم قاطعوا المصيف لأسباب رمضانية صياميه بحته.
و نتيجة لذلك وجدت نفسى محاطاً بكم من الأقباط المسيحيين أكتر من اللى ممكن أشوفهم فى اى كنيسة … فكل اللى حواليا كانوا ولاد معمودية واحده، من كيرلس إلى صمويل و بالتأكيد تيريز و ناردين … لدرجة إنى إتكسفت انده عيالى بـ "يا شريف" او "يا ليلى" بصوت عالى، و بقى الواد ابنى فى اغسطس اسمه بشوى و بنتى على الملأ بندهها ماريا..
و ساعتها قلت لمراتى هبه، اللى إسمها الحركى ماتيلدا : ده لو ندهنا عيالنا بأساميهم ممكن يفتكرونا من حركة "التكفير و الرمْله" و جايين نسمّ البيتش او نرمى فيه كام جيلى فيش لاسعه، أو داهيه ما يعتبرونا منشقين و يرجمونا رمياً بالفليب فلوب و سندوتشات التونة (على اساس إن أغلب اغسطس كان صيام العدرا).
بس للحق و بدون زعل، اول ايام انشكحت قوى من الفراغ اللى حواليا … الدنيا كانت فاضية و رايقة و هاديه، صحيح كلنا فى الدوشه و اللـَبـَط "قـَبـَط"، دى جينات يا اخواننا و سلوكيات شرقية عريقه لا تعترف بديانه، بس برضه العدد القليل بيفرق فى درجة القلق و الدوشه، لأنهم ببتوزعوا على مساحه كبيره فاضية.
لكن بعد كام يوم من الأجازة حسيت ان فيه حاجه ناقصه … هى ايه يا ترى ؟؟؟
الأول قلت إن اللى ناقص جو خروجات المصيف، نتيجة لأن اغلب الأماكن يا إما قافله يا إما بـتـّنـش و فاضية … و محلات الأكل الصيفى، زى بتوع الفطير و السمك مثلاً، بقى نصهم بيغنى ظلموه، و النص التانى تبص ع المحل من بره و تقول وحدوووه.
و لكن برضه التفسير ده ماكانش مقنع … فقلت يمكن علشان اغلب اصحابى الأنتيخ مأنتخين فى حر القاهره، مش مقتنعين بإن الساحل مع الصيام ممكن، مع إن الطبيعى بتاعهم إنهم فى الأجازة بيصحوا قرب المغرب بشوية …
و كمان صلاة التراويح و التهجد بالتاكيد أكثر سهوله فى جامع ساحلى من الجوامع اللى فى كل قرية، جامع يكون هواه عليل و الزحمه قليل فبالتالى التركيز كثير … و كمان مافيش مشاكل ركنه و الجامع توصل له بكام خطوه.
و قلت يمكن زهق عيالى من عدم وجود اصحابهم أو لأن اماكن الفسح بقت قليله و ممله و فاضيه آثر عليا و بينقص كتير من المتعه، ما هو برضه الزهق معدى و ربنا ما يحكم على حد بعيال زهقانه
و لكن بعد تفكير عميق امام مشهد رائع للغروب الساحلى، بدون ان يعكر الصورة منظر اى شماسى، عرفت إيه اللى ناقص … اللى ناقص هو إحساسى بمشاعر "التعدد و الإختلاف" …
ايوه ما تستغربوش ..
فنحن مجتمع متعدد الثقافات و الأديان منذ القدم، و نتيجه لتاريخنا الطويل مع بعض بقينا بـنـتسند ببعض. و بالتالى أنا شخصياً اعتدت على وجود اغلبية محتضنه لثقافتى و قناعاتى، و التى لا تختلف كثيراً عن جوهر ثقافة الأغلبية و قناعاتها … فالبيئه واحده و التربية واحده و العوامل السياسية و الإجتماعيه واحده، و عجلة النمو ماشيه بينا كلنا واحده واحده. إحساس غريب لما تحس فجأه إنك فى مجتمع وحيد الثقافة … بتحس و كأنك فقدت عضله من العضلات الأساسية فى جسمك، أو أحد اطراف جسمك منمّل، موجود و شايفه بس خامل و غير فعال.
فكروا فيها كده حتلاقوا إن فى مشوار حياتكم بالتأكيد تأثرتم أو على الأقل إعتدتم على وجود ثقافة مختلفة طوال الليل و النهار بجانبكم … ثقافة التعدد العقائدى و الثقافى دى خلتنا بدون ان نشعر اكثر نضجاً من شعوب أخرى شاء حظها ان تتشكل من حضاره واحده بعقيده واحده … لذلك نجد تركيبة ثقافتهم كلها بلون واحد، و اصبحوا لا يتفهمون تركيبتنا الملونه المبهره … فبالتالى صاروا يرفضونها و يحاولون ضربها وش "نظافه"، من وجهة نظرهم، أحادية اللون و الفرشه.
ساعتها عرفت إن اللى ناقص هو باقى الشعب … مما ذكرنى بفيلم طباخ الريس لما خالد زكى قال: "وديتوا الشعب فين يا حازم، 75 مليون ما شفش منهم نفر واحد ؟؟؟" … فهذه الأغلبية الباقيه هى التى ترسم شكل لوجودنا كلنا، و بتدى طعم مميز لمصيفنا .. ممكن يبقى الطعم حراق شوية، او مر احياناً … و لكنه طعم كلنا ندمنه حتى و إن انكرنا .. فالسر وراء طعامة بلدنا هو طبق السلطة الشعبيه بتاعها …
و مافيش طبق سلطه بيبقى مكون فقط من الخيار او القوطه … و حتى صفار البيضه بيتحمى فى بياضها، و الإتنين بتحميهم حدود إسمها القشره … و ماحدش يقدر ينكر إننا فى مجملنا ببلدنا و حالنا و أحوالنا بقينا شبه البيضه الكبيره.
الخلاصة اللى عايز اقولها إن الساحل من غير ناس ما ينداس ..
و انا اعرف إن زمان لما كان رمضان صيفى برضه، كانت المصايف بتاخد وقتها لون رمضانى و بتكمل عادى ..
إنما الفراغ الرهيب ووقف حال محلات المصايف ده، فماكانش عمره نظامنا.
أنا فاكر زمان فى مرسى مطروح موائد الإفطار اللى فارشها كل مطعم قدامه … و تلاقى عائلات كثيرة لسه بلبس البحر و طالعين من الشاطىء و بياكلوا عادى مع المدفع.
و فاكر مصيفنا السنوى الدائم هناك مع عائلة القبطان عباس (قبطان حقيقى مش كابتن هادوك يعنى) و عائلة الدكتور محمود و عائلة الحاجه عنايات … فضلنا ييجى 15 سنه، منهم 5 رمضان، بنصيف فى اغسطس بإنتظام. و من امتع المصايف كانت اللى منها رمضانية ..
السحور على البحر كان حكايه، السما الصافية فوقينا و كأن الملايكه شايفانا و إحنا بنستعد، كلنا، لصيام يوم جديد … كنا كل يوم نفطر و نتسحر مع البسمه و الضحكه، مافيش تفاصيل خنقانا او فروقات بتبعدنا … الصبح كان اللى عايز ياخد غطس فى الميه بياخد … كل واحد و مقدرته و قناعته و اللى يريحه ..
بس كنا بنتمتع بأحلى بحر فعلاً وقت الغروب … نكسر صيامنا إحنا العيال بشرب قمر الدين و كام لقمه تدفسهم امهاتنا فى بقنا بالعافيه .. ثم نقفز فى احلى و ادفا ميّه … دفيانه بزئططتنا و انبهارنا بهذه الأجواء الجديده ..
ثم يأتى بعدها بفتره قصيره كل الكبار ليشاركونا … ما تعرف ساعتها الدنيا نور ولا ضلمه … بس البحر كان بيحضنّا كلنا ..
كنا بنعوم على اضواء كشافات قريبه كاشفه الميه، الصغار بيعوموا زى البساريه مش عارفين يميزوا اهاليهم من الأهالى التانيه … ضحك و لعب و فرحه من الفلب، و نكات واحده عن تأثير الميّه المالحه على الكروش العمرانه … و إذا كان ينفع نعوّم على وش الميّه صينية بسبوسه ولا كنافه.
كانت الأيام بسيطة و الأفراح فيها كبيره … و الشعائر تقام من القلب لتصفية العقل، مش بالعافيه و خوفاً من التهلكه.
اللمه كانت حلوه و السهره الرمضانية كانت تنفع فى أى حته .. وشمسية الصيف واسعه و تساع م الحبايب 100 .. و الصوم و الصلاه كانوا مقبولين فى اى حته … المهم فقط النيّه .. ياريت ايام زى دى ترجع تانى لينا. بس برضه النهارده ممكن يبقى احلى، فالأمور لسه فى ايدينا .. طول ما عقلنا لسه فى راسنا .. كل سنة و إحنا طيبين كلنا .. و ياريت رمضان اللى جاى نبقى مصيفين مع بعضنا ..
المصدر: رصد