فى عهد مبارك كان كثير من النخبة والمثقفين يرون المناصب حلما بعيد المنال. فمعايير الاختيار في نظام مبارك كانت تقوم على الولاء للنظام أكثر من الكفاءة، ومن ثم لم يكن أحد يفكر في المناصب ولا يشغل نفسه بها . يختار النظام من يشاء ويعزل من يشاء.. ولذلك وجدنا أشخاصا في حكومات مبارك ومحافظيه لا يستحقون مناصبهم .. ولو كان للاختيار معايير منطقية
وحقيقية ما وصل هؤلاء إلى مناصبهم..
وبعد ثورة يناير تغير كل شىء وصارت المناصب في متناول الجميع، وأصبح الكل يحلم بالمناصب، ولقد رأينا عددا هائلا قام بسحب أوراق الترشح لرئاسة الجمهورية.. والعدد الذى ترشح لمنصب الرئيس من وجهة نظري يعتبر كبيرا حيث تنافس على الرئاسة 13 مرشحا، حصل منهم 8 أشخاص على أقل من 0.5% من أصوات الناخبين، وهذا مؤشر دقيق على عدم أهلية هؤلاء فى الترشح لمنصب الرئيس ولكنه الحلم بمنصب الرئيس الذى صار في متناول الجميع.
وأعتقد أن نجاح الدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة لم يهضمه كثير من النخبة لسبب بسيط أنهم حتى هذه اللحظة لم يتصوروا أن مصر تغيرت ومن الممكن أن يرأسها رجل بسيط من عامة الشعب.. ولقد تابعت إعلامية مشهورة تصر عندما تذكر اسم الدكتور مرسي أن تقول: محمد مرسي الرئيس.. والأدب يقتضي أن تقول: الرئيس محمد مرسي.. وعندما رجعت إلى تسجيلات سابقة لها وجدت أنها لم تكن تذكر اسم مبارك إلا قائلة: السيد الرئيس.
وعندما اختار الرئيس مرسي الدكتور هشام قنديل لمنصب رئيس الوزراء صدم الكثيرون وبعض أهل النخبة سخر من هذا الاختيار وهاجمه بشراسة .. وبتحليل خطاب هذه الشخصيات وجدت أن المشكلة ليست في شخص رئيس الوزراء أو غيره من الوزراء الذين سيقع عليهم الاختيار إنما المشكلة أن هؤلاء كانوا يمنون أنفسهم بمناصب رفيعة فى البلاد هذا ما يهمهم وما يشغلهم.. لا يهمهم مصلحة مصر.. ولا يهمهم أن ينجح الرئيس ويستطيع تحقيق برنامجه .. إنما هم كل واحد منه هو ما نصيبه من الكعكة؟!.. إنها مصلحة شخصية محدودة.. ولذلك لا نعجب فى الفترة القادمة عندما تؤدى الوزارة الجديدة اليمين أمام الرئيس وبعدها تعلن حركة المحافظين الجدد ..لا نعجب بعد ذلك عندما نرى حالة من السعار الشديد التى ستنتاب البعض إذا لم يجد له نصيبا في أي منصب..
وهى نفس حالة السعار التى انتابت بعض الصحفيين عندما أعلن عن اختيار رؤساء تحرير الصف وفق معايير معينة، فالذين كانوا يطمعون في هذه المناصب وهم يعلمون أنهم لا يستحقونها وفق المعايير المقررة لا يملكون إلا الهجوم الشرس على هذه المعايير..
إن المناصب في مصر لم تعد مغنما كما كانت فلقد أفاق الشعب من غفلته وسيحاسب كل مسئول مهما كان على مسئوليته.. والأمانة تقتضي أن يتحول كل واحد منا إلى مسئول في حدود مسئولياته ويرعى الله فيما بين يديه والرسول الكريم يقول: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في بيت سيده ومسئول عن رعيته.. وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته..
ولا عزاء لعاشقي المناصب .. وموتوا بغيظكم وإن كنتم حقا ترجون مصلحة الوطن فقدموا شيئا لهذا الوطن وكفاكم نقدا وهدما لكل شىء.. فالإنسان الصادق يبني ولا يهدم يعمل ولا يتكلم..فبضاعتكم من الكلام صارت بضاعة مزجاة.. أتمنى أن أراكم تصنعون شيئا لبناء مجد هذا الوطن.. فهذا زمن البناء والتجرد لخدمة الوطن.
المصدر: رصد