اختصت الدكتورة عائشة صديقة، وهي عالمة متخصصة في الأمور العسكرية وكاتبة سياسية، شبكة “رصد” الإخبارية بحوار خاص تحدثت خلاله عن أوجه التشابه بين الجيش المصري ونظيره الباكستاني، مع تفنيد أسباب الإطاحة بـ”مرسي”، إضافة إلى السيناريوهات المتوقعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أجابت عن السؤال الهام حول إقدام الجيش على إعدام مرسي.
* معظم قادة الانقلاب فاسدون أخلاقيًا ومضطربون
* الخطأ الرئيس لمرسي هو عجزه عن حماية نفسه من الأخطار غير المتوقعة
* من الممكن أن يستخدم الجنرالات “مرسي” كورقة مساومة
* أرى ظلال الجيش في السلطة لبعض الوقت
* ما زالت مصر مقسمة بين المكون الليبرالي والمحافظين
وتعد الدكتورة عائشة صديقة أول سيدة تعمل مديرة لوحدة الأبحاث في البحرية الباكستانية، وعملت أيضًا نائب مدير قسم المراجعة بالجيش الباكستاني، وحصلت على الدكتوراة من كلية “كينجز كولدج” في لندن في مجال العلوم العسكرية، كما لها عديد من المؤلفات عن الجيش الباكستاني؛ مثل “الاقتصاد العسكري الباكستاني من الداخل”، وتكتب في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، بما في ذلك “أوبن ديمكراسي” و”إكسبريس تريبون”. وإلى نص الحوار:
1- ما هي أوجه التشابة بين الجيشين الباكستاني والمصري؟
هناك بعض التشابه والاختلافات بين الجيشين؛ فكلاهما متشابهان من حيث القوة السياسية والاقتصادية وطموح وصول كادر الضباط إلى السلطة، خاصة الرتب العليا منهم، والتشابه الآخر هو تدريب الولايات المتحدة للجيشين.
أما الاختلافات ففي الهيكل والرؤية السياسية بعيدة المدى؛ فعلى خلاف الجيش المصري، تشكّل الجيش الباكستاني منذ نشأته في صورة هرمية من أعلى إلى أسفل، يمكن من خلالها منع تمرد عقداء الجيش، وهذا لا يعني أنه لم يحدث تمرد، لكنه لم ينجح.
إضافة إلى أن الجيش الباكستاني لديه وعي سياسي أكبر فيما يتعلق بشرعيته، ويعني ذلك أنه طور شراكة مع أصحاب النفوذ من المدنيين؛ مما أدى إلى عدم سيطرته على الحكم لفترة طويلة مثلما رأينا في مبارك مصر، لكنه سيغير الحارس كل عشر سنوات، وهو ما لن يسمح بوقوع أحداث جسام مثل “الربيع العربي”.
هذه الشراكات لها دور حيوي في استغلال الجيش الباكستاني لاقتصاد البلاد، وهو ما يعد أحد الأمور المشتركة لدى الجيشين؛ إذ إن الجيشين أحدا الفاعلين الاقتصاديين اللذين يستغلان الموارد الطبيعية للبلدين لمصالحهما الشخصية؛ وهذا يعني أنهما لن يتخليا عن السلطة السياسية الضرورية للاستغلال الاقتصادي.
2- كنتِ من أوائل المتوقعين لعديد من السيناريوهات المستقبلية مباشرة بعد الإطاحة بـ”مرسي”، بما في ذلك استيلاء الجيش على السلطة واستغلال الجيش للانقسام “العلماني الإسلامي”. كيف خلصتِ إلى هذه التوقعات الصحيحة؟
الأمر فقط حسابات بسيطة، الانقلاب كان ضد مبارك، وعندما أدت الاضطرابات الداخلية إلى جعل الإبقاء عليه غير ممكن ومكلفًا بالنسبة إلى الجيش، فالجيوش المسيسة معروفة بالتخلي عن قادتها إذا ما كان الإبقاء عليها باهظ التكلفة، ومن أجل الإبقاء على سلطتها كان يجب عليها التخلي عن مبارك؛ وهذا لا يعني انسحابها من السلطة، وقد لاحظتم أن الجيش عاد بقوة كبيرة.
قد تستغل هذه الجيوش الانقسام في المجتمع. وحقيقة، فإن إصلاحات مرسي السريعة أغضبت أصحاب النفوذ الآخرين، وكان من الممكن أن يسير مرسي على نهج أردوغان؛ لكنه لم يفعل، إضافة إلى أنه لم يتبن الخطاب القومي والوطني مثل أردوغان.
في مصر، وباكستان أيضًا، نجح الجيش في الاستحواذ على الخطاب الوطني والبناء على خوف بعض القطاعات في المجتمع.
3- في رأيك، ما هي الأسباب التي أدت إلى إطاحة الجيش بـ”مرسي”؟
في البلدان ذات التقاليد السياسية الديكتاتورية يجب السير نحو طريق الديمقراطية بحرص. الحصول على أصوات الأغلبية “عديمُ القيمة” طالما أنك لم تتحكم في الخطاب الوطني.
الخطأ الرئيس لمرسي هو عجزه عن السير بتأنٍّ وحماية نفسه من الأخطار غير المتوقعة. كما قسّم مرسي المجتمع ولم يفكر في الجيش، الأكثر استعدادًا لرد الصفعة (للانتقام) من أجل الحفاظ على مصالحه.
ولا يمكن أن ننسى أن الجيش المصري مثله مثل الباكستاني مدرب من قبل الولايات المتحدة؛ وبالتالي يحظى برعاية دولية.
4- يؤكد بعض الخبراء أن سيطرة الجيش في باكستان هي السبب الرئيس في الفجوة الاقتصادية والديمقراطية بينها وبين جارتها الهند. كيف ترون هذه المزاعم؟
تاريخيًا، الطبقة السياسية في باكستان كانت ضعيفة غير متطورة، وحزب الرابطة الإسلامي الذي أسس باكستان كان نخبويًا للغاية؛ وهذا يعني أن لديه القليل من القوة السياسية. على الجانب الآخر، كانت البيروقراطية المدنية والعسكرية أكثر طموحًا، وكان لديها الشعور الدائم بالتفوق والحق في حكم الدولة؛ وبدأ الجيش في الحصول على مزيد من القوة خلال أعوام منذ ميلاد الدولة.
بالنسبة إلى الهند، كان الأمر مختلفًا للغاية؛ إذ إن الطبقة السياسية كانت واعية لمصالحها. منذ الانقلاب الأول عام 1958 استحوذ الجيش الباكستاني على مزيد من السلطة السياسية وأضعف كل المؤسسات، بما في ذلك الأحزاب السياسية والبيروقراطية المدنية والقضاء، وحتى الإعلام، والآن ليست هناك قوة مدنية قادرة على الوقوف وتحدي سيطرة الجيش؛ لكن الأهم من ذلك أنه اكتسب القوة من اللعب بفزاعة تهديد الهند للسيطرة على مخيلة الشعب.
5- بوصفك خبيرة في الأنظمة العسكرية، ما هي السمات النفسية المشتركة لقادة الانقلابات المختلفة في الدول النامية؟
إذا نظرت إلى معظم قادة الانقلاب، الرتب العليا منهم، ستجد أنهم من أصحاب الطموحات الشخصية الكبيرة؛ إنهم فاسدون أخلاقيًا ومضطربون، وهم ليسوا بالضرورة جنرالات من ذوي الكفاءة، هم لديهم القدرة على تجاوز نظام المؤسسة للإبقاء على نفوذهم، وهم أيضًا سيتجاوزن أي شخص وأي شيء في سبيل الوصول إلى القمة وتحقيق أهدافهم.
أنا أقل دراية بالسيسي، لكني أستطيع الحديث عن جنرالات أمثال مشرف وأيوب خان ويحي خان وضياء الحق الباكستانيين، وإيدي أمين الأوغندي والجنرال إرشاد من بنجلاديش، وفي حال إذا ما كان هناك نظام عمل سليمًا، فإن هؤلاء الجنرالات من المفترض فصلهم منذ فترة طويلة؛ ولأنهم مخادعون فإنهم نجحوا في تأمين أنفسهم.
الأمة هي التي تدفع الثمن لاحقًا. ونظرًا لطبيعتهم الطموحة؛ فإن هؤلاء الرجال لا يأمنون على سلطتهم، ولن يمنحوا الثقة لأي أحد، وسيستخدمون كل القوة للبقاء في السلطة. لن تستطيع رؤية مغادرتهم السلطة حتى تطيح بهم قوى من داخل المؤسسة نفسها.
6- يراهن بعض السياسيين على انتخابات 2018 كفرصة للإطاحة بالسيسي عبر الانتخابات. كيف ترين هذه الفرضية من خلال خبرتك بالأنظمة العسكرية؟
هناك احتمالان قد يحدثان في الحالة المصرية: الأول أن تؤكد الأحزاب السياسبة قوتها من خلال الانتخابات مرة أخرى أثناء الانتخابات، ويمكن إعاقة ذلك؛ بسبب استخدام القوة والتلاعب اللذين ستقومان بهما القوات المسلحة.
أنا لا أرى السيسي يجلس صامتًا لا حول له ولا قوة ولا يعزز من قوته هو أيضًا للتأكد من عدم عودة مرسي وحزبه مرة أخرى. حتى لو عاد مرسي وجماعته مرة أخرى ستكون هناك بعض الترتيبات من خلف الكواليس، ستتم إعادة التفاوض من خلالها للحفاظ على مصالح الجيش والإبقاء على لعب الجيش الدور الرقابي. شخصيًا، أرى ظلال الجيش في السلطة لبعض الوقت.
7- هل يلجأ الجيش في مصر إلى الديمقراطية التي يتحكم فيها الجيش؟ وما هي خطورة هذا النمط من الحكم العسكري؟
المشكلة مع هذا النمط من الحكم أنه لا يمكنك أبدًا إزاحة الجيش من السلطة. سيتأكد الجيش من عدم وجود أي من العوامل تهدد مصالحه. الخطر الأكبر هو أنه يجعل من المجتمع فريسة وسيضعف في النهاية كل المؤسسات.
8-كيف يقبل قادة الجيش في الدول المحكومة عسكريًا بالرقابة المدنية؟ ومتى؟ وما هي السبل الممكنة لإرساء الديمقراطية؟
تغيير نظام العمل في المجتمعات التي يهيمن عليها الجيش يتطلب سفك الدماء والتضحية وضغطًا خارجيًا. وفي الحالة المصرية لا أرى الولايات المتحدة تبذل هذا الجهد.
بالنسبة إلى واشنطن، الجيش المصري هو وكيل (عميل) جيد. تخوّف الولايات المتحدة هو أن تغير الأحزاب السياسية -مثل الإخوان المسلمين- الاتفاقية مع إسرائيل. وداخليًا، ما زالت مصر مقسّمة بين المكون الليبرالي والمحافظين؛ وإذا لم تكن هناك طريقة للتوافق بين الجانبين فإن الجيش لن يُهزم.
الاحتمال الآخر، أن يتورط الجيش في مثل هذه الفظائع التي قد توحد الناس. وأنا لا أرى أيًّا من الاحتمالين في المستقبل القريب.
9- لماذا يجب علينا القلق حيال تدخل الجيش في الاقتصاد؟
الجيش منظمة مدربة للانخراط في العنف. عندما تبدأ هذه المنظمة في تجاوز حدودها في الداخل تحت مسمى الرفاهية أو أمن قومي أوسع، فإن الدولة تتحول إلى أسير لاحتياجات الجيش، وبمجرد حدوث ذلك يصبح من الأهمية بمكان الإبقاء على سلتطهم السياسية.
أريد أن أؤكد أن العلاقة بين القوة السياسية والاقتصادية تبادلية ومتكررة. القوة السياسية هي ما توسع وتزيد من النفوذ الاقتصادي للجيش؛ ولتحسين هذا النفوذ يتطلب الأمر مزيدًا من القوة السياسية. يبدأ الجيش بتبرير مصالحه الاقتصادية بوصفها وسيلة لتحفيز الضباط والجنود، لكن لاحقًا يتحول هذا التدخل إلى وسيلة الجنرالات للافتراس.
10- من خلال خبرتك بالأنظمة العسكرية، هل تتوقعين إعدام الجيش لمرسي؟
أتخيل عدم إعدام الجيش لمرسي؛ لاستخدامه تهديدًا لليبراليين في المجتمع، وكذلك لداعمي الجيش الأميركي.
في كلتي الحالتين، من الممكن أن يستخدم الجنرالات مرسي كورقة مساومة؛ ولذلك فإن الإبقاء عليه حيًا ستكون له فوائد أكبر.