تتزامن هذه الأيام مع بدء المصريين في إعداد «كعك العيد»، هذه العادة التي هربت من فرمانات القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي أثناء معركته للتخلص من العادات الفاطمية.
ولأن «كعك العيد» عادة وتقليد متأصل في جذور المصريين، نستعرض في التقرير قصته.
المصريون القدماء
يذكر المؤرخون أن مصر كان بها أكثر من 53 نوعًا من الحلويات في العصور الوسطى، ويقال إن المصريين القدماء هم أول من عرف الكعك؛ حيث كان الخبازون في البلاط الملكي يحسنون صنعه بأشكال مختلفة؛ مثل اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير.
كما كانوا يصنعونه بالعسل الأبيض، ووصلت أشكاله إلى المائة، نُقشت بأشكال متعددة على مقبرة الوزير «رخميرع» في الأسرة الثامنة عشرة بطيبة وكان يُسمى (القرص).
رمز العيد
وعلى مدى مئات السنين، ارتبط الاحتفال بعيد الفطر عند المصريين بإعداد «الكعك»، الذي يشهد طقوسًا معينة في عجنه وخبزه في الأسبوع الأخير من شهر رمضان.
وتعجُّ مناطق مصر، خصوصًا في الأرياف وأحياء القاهرة القديمة، بصاجات «الكعك» التي تستعد النساء والأطفال لإعدادها؛ ضمن أجواء احتفالية تستمر حتى ليلة العيد.
الأسرة الأكثر تمسّكا
وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية والأزمات المادية هذا العام، فإن الأسر البسيطة هي الأكثر تمسّكًا بصنع «الكعك المنزلي»؛ رغم أن مستلزماته من سمن ودقيق ومكسرات تستوجب إنفاق المئات من الجنيهات لإعداده.
لكن الواضح أن البهجة التي تُدخلها «صاجات الكعك» في قلب الأسر لا تُقدّر بالمال.
دار الفطرة
سبقت الدولةُ الإخشيديةُ الدولة الفاطمية في العناية بكعك العيد؛ حتى إن وزيرًا إخشيديًا أمر بعمل كعك حشاه بالدنانير الذهبية، وأطلق عليه اسم «افطن له» وحُرّف الاسم إلى «أنطونلة».
وتعد «أنطونلة» أشهر كعكة ظهرت في عهد الدولة الإخشيدية، وكانت تُقدّم في دار الفقراء على مائدة طولها مائتي متر وعرضها سبعة أمتار.
ديوان الكعك
وصل اهتمام الفاطميين بالكعك إلى الحد الذي جعلهم يخصّصون ديوانًا حكوميًا عُرف بـ«دار الفطرة»، كان يختص بتجهيز الكميات اللازمة من الكعك والحلوى وكعب الغزال. ويبدأ العمل في هذه الكميات من شهر رجب وحتى منتصف رمضان؛ استعدادًا للاحتفال الكبير الذي يحضره الخليفة.
وكانت تُرصد لهذه الكمية ميزانية ضخمة تصل إلى 16 ألف دينار ذهبي، ويبلغ طول مائدة الخليفة العزيز الفاطمي 1350 مترًا وتحمل 60 صنفًا من الكعك والغُريّبة، ويتفنن الخبازون في صناعة الكعك مستخدمين أطنانًا من الدقيق وقناطير من السكر واللوز والجوز والفستق والسيرج والسمسم والعسل وماء الورد والمسك والكافور.
ويُرصُّ إنتاج دار الفطرة من الكعك في هيئة جبل عظيم أمام شباك القصر الفاطمي؛ حيث يجلس الخليفة بعد صلاة العيد يشاهد ليرى الناس يأكلونه أو يبيعونه أو يتهادون به في أرجاء القاهرة.
صلاح الدين
ورغم أن صلاح الدين الأيوبي قضى على عادات وتقاليد ترتبط بالخلافة الفاطمية؛ إلا أنه لم يقضِ على «كعك العيد»، الذي لا يزال مظهرًا للعيد.
ويقال إن أمراء أيوبيين احتفظوا بأمهر الطباخات اللاتي تخصصن في عمل أصناف الكعك في القصور الفاطمية؛ وكانت أشهرهن «حافظة» التي عُرف إنتاجها باسم «كعك حافظة».
ولما جاء المماليك اهتموا بالكعك وتوزيعه على الفقراء والمتصوفة، واعتبروه من الصدقات، وكان سكان مصر المحروسة -ولا زالوا- يتهادون به.
سوق الحلاويين
ونظرًا لرواج الكعك في عيد الفطر، كانت سوق الحلاويين بالقاهرة (داخل باب زويلة بالقاهرة الفاطمية) تتيه فخرًا في العشر الأواخر من رمضان بما يعرض في متاجرها من أصناف الكعك التي تخرج عن كل حصر.
وانعكست الفنون الإسلامية على أشكال الكعك؛ فُصنعت له القوالب المنقوشة بشتى أنواع الزخارف الإسلامية، لا سيما الهندسية والنباتية منها، وكانت قوالب منها على هيئة أشكال الحيوانات والطيور.
وفي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة توجد قوالب الكعك وعليها عبارات: «كل هنيئًا واشكر» و«كل واشكر مولاك» وعبارات أخرى لها المعنى نفسه.
ورغم أن سعر الكيلو وصل هذا العام إلى 500 جنيه، تشتري أسر مصرية الآن «الكعك» الجاهز من محالّ الحلويات؛ لكونه يحتاج إلى طاقة ووقت لإعداده.
ويقول محمد زياد، عامل بمتجر شهير وسط المدينة، إن «المواطنين بدؤوا شراء كعك العيد منذ أسبوعين تقريبًا، وآخر أسبوع في شهر رمضان قد يدخل المحل يوميًا 600 زبون لشراء الكعك والبسكويت».