لا يمكن اعتبار التفريط المصري بجزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر إلا حلقة من مسلسل أكبر بكثير مما يُراد إظهاره. فالأمر، في الغالب، ليس مجرد “ترسيم حدود” بين السعودية ومصر، خصوصاً أن الجزيرتين، على الرغم من موقعهما الاستراتيجي، ليستا غاية بحد ذاتهما، وهما لن يزيدا السعودية مساحةً، ولن يعطيا الرياض سيطرة على المضيق المائي في خليج العقبة، الخاضع أساساً للشروط الدولية والمعاهدات، ومنها معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. فالتسريع في عملية نقل الجزيرتين من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية، والإصرار على ذلك في أقرب وقت، يفتح الباب أمام تكهناتٍ كثيرة، ويدفع إلى تخيل سيناريوهات ممكنة في القريب من الزمن، خصوصاً في ظل غموض ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الرياض الذي جمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع زعماء عشرات الدول العربية والإسلامية.
السيناريو الأساسي الذي يمكن إيراده هنا مرتبط مباشرة بمؤتمر الرياض، وما قيل إنه تمخض عنه من شبه اتفاقٍ على إنهاء القضية الفلسطينية وفتح باب التطبيع العربي الإسرائيلي، وهو ما نقله ترامب إلى المسؤولين الإسرائيليين الذين زارهم في رحلة مباشرة من الرياض إلى مطار اللد. يفترض السيناريو أن “تيران” و”صنافير” ليستا إلا محاولة جس نبض الشارع المصري لتنازلاتٍ قد تكون أكبر لاحقاً، فالجزيرتان قد تكونان مجرد بالون اختبار لتطبيق اقتراح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بإعطاء مساحة من سيناء إلى الفلسطينيين، في إطار محاولة الوصول إلى حل نهائي. الاقتراح الذي كشفت عنه الصحافة المصرية قبل أشهر، لم تنفه الرئاسة المصرية في حينه، إذ التزمت الصمت. ثم عاد إلى التداول بعد زيارة ترامب والحديث الواسع عن “تبادل للأراضي”، من دون الإفصاح عن الموقع الجغرافي للأراضي التي يجري الحديث في شأن تبادلها.
هذا السيناريو واقعي جداً بالنظر إلى كيفية إدارة ترامب أمور السياسة الخارجية، فالرجل يريد تدفيع الجميع، ويطلب من الجميع المساهمة في مشاريعه، والتي تأتي من ضمنها محاولة التوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية، سيكون على حساب القضية نفسها. حصة مصر من الثمن الذي يطلبه ترامب، وبما أن القاهرة عاجزةٌ عن الدفع النقدي على عكس غيرها، ستكون عينية، وتبرعاً جغرافياً يساهم في امتداد غزة جنوباً، خصوصاً أن الانفجار السكاني في القطاع هو باتجاه الجنوب وليس الشمال.
لا يبدو أن السيناريو ينتهي عند هذا الحد، فالحل النهائي الفلسطيني يتطلب تغييراً جذرياً في قيادة السلطة، وهو ما تحاول القاهرة، بالتعاون مع الإمارات والسعودية، فعله منذ سنوات، غير أنه يبدو الآن أنه وصل إلى مرحلة دقيقة، ودخل فعلياً في التطبيق، مع التسريبات حول اتفاق جرى بين القيادي المفصول من حركة فتح، والمدعوم من الإمارات، محمد دحلان، مع حركة حماس، بعد سلسلة من اللقاءات عقدت في القاهرة. الاتفاق المغلف بالطابع الإنساني، وتخفيف الحصار عن القطاع، يحمل في طياته ما هو أبعد من ذلك، ولا سيما أنه يأتي في إطار تسويق دحلان باعتباره الشخص المثالي لرئاسة السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، فالرجل الذي تربطه علاقات متينة مع القيادة الإسرائيلية، ويحظى بدعم سخي من الإمارات تحديداً، يتمدّد في الأراضي الفلسطينية سياسياً ومالياً. واتفاق غزة في حال إقراره، وجرى تطبيقه جدياً، سيعطي دحلان دفعاً شعبياً يسهل من مهمة ترويج توليه القيادة الفلسطينية.
يؤشر هذا السيناريو إلى أن كل ما يجري في المنطقة اليوم هو حلقات مترابطة جرت كتابة تفصيلها في غرف مغلقة، ويجري عرضها على الملأ بالتقسيط. الأمر أبعد من “تيران” و”صنافير”، وحتى قد يتخطى السيناريو الفلسطيني إلى سيناريوهات مرتبطة بكل دولة على حدة.