نشرت نيويورك تايمز، مقالًا لمدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، جوست هلترمان، يقول فيه إنه بالرغم من الصخب الذي أحاط بالخلاف بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، فإن حربا جديدة في الشرق الأوسط المشحون بالصراعات ليست واردة، مشيرًا إلى أن الخلاف بين الفريقين قديم، ولم يتغير حتى اليوم.
وأضاف «هلترمان» قائلًا: «لكن ما تغير هو الفرصة للسعوديين والإماراتيين مع صديق جديد لهم في البيت الأبيض؛ لإزالة عقبة أمامهم في التعامل مع عدوين آخرين، هما إيران والإخوان المسلمون، وقد ينتج عن تهديداتهم وتخويفهم شيء من التغيير في تصرفات قطر، لكن ضعف البلدين والاختلاف بينهما سيحولان بينهما وبين التصعيد».
ويشير الكاتب في مقاله -ترجمته عربي21- إلى مقاطعة البلدين لقطر، ويتساءل: «ماذا فعلت قطر لتثير هذا الغضب؟، ويجيب على سؤاله قائلًا: إن قطر سعت في استثمار قوتها المالية المستمدة من حجم مخزونها من الغاز الطبيعي؛ لتحصل على مكانة دبلوماسية أكبر من حجمها».
وتابع: «حجم وزارة الخارجية صغير، لكنها جازمة، كما اكتشف خلال زياراته، مشيرا إلى الوساطات التي قامت بها قطر بين حركتي فتح وحماس عام 2006، وبين الحكومات اليمنية والحوثيين في الفترة ما بين عامي 2003 و2009، وفي حروب السودان الداخلية، التي لا تنتهي».
ويلفت الكاتب إلى أنه لا يكاد يمر أسبوع إلا وكان هناك خصوم يجتمعون في أحد فنادق الدوحة، من فلسطين أو أفغانستان أو لبنان، يستمتعون بفرصة الراحة من الحرب، وفي الوقت ذاته يتفاوضون، مشيرا إلى أن قطر كانت تقوم بدور أكبر من حجمها، لكن لأنها لم تشكل تهديدا لأحد، تحملتها الدول الأخرى، بما في ذلك جارتها السعودية، التي لها سياستها الخارجية الخاصة، التي تستخدم فيها الدولارات النفطية أيضا، وكانت العلاقة بين البلدين متقلبة مع محاولتي انقلاب في الدوحة، ومناوشات حدودية أحيانا، وتبقى قطر بالنسبة للسعودية مصدر إزعاج، وحليفا مشاكسا، ومراهقا مزعجا، يجب تأديبه وليس جلده.
وأوضح: «ذلك كله تغير مع حلول الربيع العربي، عندما تهاوى المستبدون كأحجار الدومينو، حيث أدركت العائلة المالكة السعودية والملكيات الأخرى في العالم العربي بأن الدور قد يصلها، ولذلك تم تدبير فكرة الثورة المضادة في الرياض، وكان هدفها الأول والرئيسي هو الحكومة المنتخبة للرئيس محمد مرسي في مصر، وكان مرسي قياديا في الإخوان المسلمين، وهي حركة أثبتت أنها القوة السياسية الوحيدة المتماسكة والمنظمة والمنضبطة والقادرة على الحلول مكان الأنظمة العربية المتهاوية».
وينوه الكاتب إلى أن الرابح الآخر من فشل الربيع العربي هو إيران، حيث وجدت موطئ قدم لها في العراق بعد سقوط صدام حسين عام 2003، وتمددت إلى سوريا، عندما انزلقت الأخيرة إلى الفوضى عام 2011، وراقبت السعودية الصعود الإيراني بقلق متزايد، واتهمت طهران بوجود طموحات للهيمنة أبقتها مكبوتة حتى رفعت عنها العقوبات عام 2015، بعد التوصل إلى الصفقة النووية، ويعتقد السعوديون الآن أن إيران تستغل موقعها دوليا، وانفتاحها على التجارة، والاستثمار لتعزيز تدخلها العسكري في كل من سوريا والعراق واليمن.
ويرى هلترمان أن «وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتعيينه لمسؤولين كبار يعارضون هم وعدد من أعضاء الكونجرس الصفقة النووية مع إيران، ويفضلون العداوة المستمرة معها، منحا السعودية فرضة لمواجهة إيران بالوكالة، والوكيل هو الجيش الأميركي».
ويفيد الكاتب بأن قطر لم تعارض السياسة السعودية حول إيران، وتقف بجانبها في كل من سوريا واليمن، إلا أنها حريصة على علاقات جيدة مع إيران، خاصة أن البلدين يشتركان بحقل غاز بحري كبير، وحتى لو تنمرت الرياض في وجه قطر فلا بد لقطر من التحمل، وأحيانا العمل على إرضائها، فهي تفضل السعوديين على إيران.
ويقول هلترمان: «ليس على أمير قطر أن يقلق كثيرا؛ لأن حلفاءه الخليجيين، الذين تحولوا إلى أعداء، لديهم أهداف مختلفة في سعيهم لإخضاع بلاده لإملاءاتهم، فعلى عكس السعودية، لم تعرف الإمارات بعداوتها لإيران، مقارنة مع عداوتها للإخوان المسلمين، الذين تراهم منافسا محليا، وقد سجنت المنتسبين للإخوان في الإمارات، وحاربتهم خارجها، وبالذات في ليبيا واليمن، حيث تعارض الإمارات حزب الإصلاح اليمني علنا، مع أنه في التحالف ذاته ضد الحوثيين، وفي تونس يحاول الإماراتيون إسقاط حكومة الوحدة الهشة؛ لأنها تتضمن حزب النهضة الإسلامي المعتدل».
ويؤكد الكاتب أن الإمارات قد تمنع القطريين من دخول أراضيها، لكن الإيرانيين مرحب بهم وباستثماراتهم، أما السعوديون فهم قلقون أكثر من الدور المتنامي لإيران في المنطقة، خاصة في اليمن، وعلى عكس الإمارات، فإن لديهم استعدادا للتعاون مع حركة الإصلاح لهزيمة الحوثيين ودحر إيران.
ويبين «هلترمان» أن لدى السعوديين والإماراتيين أسبابهم لمحاولة الضغط على قطر لتلتزم بخطهم، لكن أولوياتهم وتحالفاتهم المختلفة، بالإضافة إلى عدم استطاعتهم استخدام جيوشهم في حرب أخرى، تقلل من أثر تهديداتهم.
ويذهب الكاتب إلى أن الأمر يعود الآن لدول الخليج الأصغر، مثل الكويت وعٌمان، لأداء دور الوسيط، ومساعدة الطرفين على التوصل إلى معادلة تحفظ ماء الوجه للطرفين، فيمكن أن يخفف السعوديون والإماراتيون الضغط على قطر، مقابل أن تخفف قطر من دعمها العلني للإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن إدارة ترامب، بالرغم من حيرتها، وتناقض ردود الأفعال فيها تجاه الأزمة، قد تساعد في نزع فتيل الأزمة.
ويختم «هلترمان» مقاله بالقول: آمل أن يكون هذا الخلاف ليس أكثر من عاصفة في إبريق شاي، لكن إبريق الشاي هو الخليج، وهي منطقة يثير فيها حتى الاسم العربي أو الفارسي خلافا كبيرا، حيث أن أي تحرك خاطئ أو سوء فهم قد يؤدي إلى تداعيات ستضر بالسعودية والإمارات أكثر من أي شيء يمكن لقطر أن تفعله.
وفي 5 يونيو الجاري، قطعت السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر علاقاتها مع قطر، وفرضت الثلاث الأولى عليها حصارًا بريًا وجويًا، لاتهامها بـ«دعم الإرهاب»، وهو ما نفته الأخيرة، وقامت اليمن وموريتانيا وجزر القمر لاحقاً بقطع علاقاتها أيضا مع قطر.
وشدّدت الدوحة على أنها تواجه حملة «افتراءات»، و«أكاذيب» تهدف إلى فرض «الوصاية» على قرارها الوطني.