قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية إن القوات الأميركية بدأت في إطلاق النار على ثلاث جماعات سورية موالية لإيران في ثلاث مناسبات هذا الشهر، ومن الممكن تحوّل الوضع إلى صراع غير مخطط، وفق ما لاحظه مسؤولون سابقون ومحللون.
جاء هذا على خلفية ثلاث هجمات وقعت في منطقة الوليد الصحراوية النائية بالقرب من النقطة التي تلتقي فيها الحدودان العراقية والأردنية، وهناك 150 جنديًا من القوات الأميركية يساعدون في تدريب المقاتلين المحليين لمواجهة تنظيم الدولة، اقتربت منهم المليشيات التي توالي نظام بشار الممزوجة بالسوريين والعراقيين، ربما مصحوبين بأفراد من الحرس الثوري الإيراني، قبل أن تهاجمهم القوات الأميركية.
تضيف الصحيفة أن الحرس الثوري أصبح غير مهتم بإخفاء وجوده، خاصة بعد ظهور قائد «قوات القدس» قاسم سليماني مع المليشيات السورية في صور، وتبيّن أن المروحية التي أسقطتها القوات الأميركية إيرانية الصنع. توضّح هذه الأحداث تحوّل الصحراء السورية الشرقية إلى منطقة مواجهات بين أميركا وإيران، بجانب الحرب في اليمن، التي دعمت فيها طهران وواشنطن جوانب مختلفة.
استمرّت إيران في استفزازها لأميركا بعد اقترابها الأربعاء الماضي بـ800 ياردة من أسطول أميركي مسافر عبر مضيق هرمز، بجانب توجيه الليزر نحو السفن الأميركية؛ ما اعتبره المسؤولون في الجيش الأميركي أفعالًا غير مهنية وخطيرة.
تلفت الصحيفة إلى أن هذه المواجهات في مضيق هرمز ليست جديدة، ولكن هذا السياق يعتبر جديدًا؛ خاصة في ظل وجود إدارة جديدة متخبطة في واشنطن، ولكنها اجتمعت على ضرورة مواجهة الهيمنة الإيرانية في المنطقة، وتختلف الآراء الداخلية بشكل رئيس على درجة المواجهة وقوتها وخطورتها.
فور وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منصبه الرئاسي تأكّد الجميع من انتهاء العلاقة الجيدة بين أميركا وإيران، التي تحسّنت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. استمرّ ترامب في نهجه العدائي ضد طهران، ظهر هذا في زيارته الأولى إلى السعودية والانحياز إلى موقفها، ورأى أن الهيمنة الإيرانية تهديدٌ دوليٌّ مساوٍ لتهديد تنظيمي الدولة والقاعدة؛ وعندما تعرّضت طهران إلى هجمات إرهابية ألمح الرئيس الأميركي إلى ضرورة لوم الحكومة الإيرانية.
في كتابه المنشور الشهر الماضي، اعتبر رئيس المجلس الأميركي الإيراني الوطني «تريتا فارسي» أن خطاب ترامب في السعودية الذي أكّد فيه عزل الجميع لإيران لم يغلق احتمالات إجراء حوار معها فقط؛ ولكنه يمكن أن يتسبّب في حرب محتملة مع طهران.
رغم تهديداته؛ إلا أن الرئيس الأميركي لم ينفّذ وعده حتى الآن بإنهاء الصفقة النووية مع إيران، التي وافق عليها أوباما وخمس دول عظمى في يوليو 2015؛ ولكنَّ ضغطَ أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس لفرض عقوبات على إيران يمكن أن يعرّض الصفقة إلى خطر.
قال عضو الفريق الرئاسي لأوباما «روبرت مايلي» إن الإيرانيين يريدون تهدئة الأجواء ولا يبالغون في ردود أفعالهم على ما تفعله أميركا بشأن الصفقة النووية؛ ليُظهروا للعالم أنهم الطرف الذي احترم الاتفاقية، ولكن يمكن أن يقرروا في مرحلة ما التحرك ضد واشنطن.
أكّدت إدارة الرئيس الأميركي أنها لا زالت تراجع سياسات إيران، لكن وزير الخارجية جيمس ماتيس قال لأعضاء الكونجرس الأسبوع الماضي إن أميركا ستعمل لدعم أفراد داخليين في إيران للمساعدة في نقل سلميٍّ للسلطة.
اعتبر الإيرانيون أن هذه اللهجة تعني محاولة تغيير نظامهم، وجاء ردّ وزير الخارجية الإيراني على تصريحات نظيره الأميركي بأنه يجب على المسؤولين الأميركيين محاولة إنقاذ نظامهم قبل محاولة تغيير نظام إيران الذي اختاره 75%، وذلك في تنويه إلى التحقيقات الأميركية في التورط الروسي بفوز ترامب.
هناك قلق متزايد بين حلفاء أميركا في أوروبا بأن إدارة الرئيس الأميركي الحالي تعادي إيران قبل أن تقرر الاستراتيجية التي ستتبعها لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، ويمكن أن تتصاعد وتيرة هذا التوتر مع وجود تحقيقات عن تورط حملة ترامب مع روسيا.
من الضروري القول بأن التوتر المتزايد بين واشنطن وطهران ليس كله من صنع ترامب. ساهمت المعارك في سوريا والعراق في وضع الدولتين في تصادم؛ ومن المتوقع أن ينتهي التفاهم المتبادل بألا يعتدي بعضهما على بعض أثناء قتالهما عدوهما المشترك «تنظيم الدولة» بمجرد سقوطه في الموصل والرقة.
في هذا الشأن، قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع «إيلان جولدنبرج» إن التسامح الذي أظهرته الجماعات الشيعية الموالية لإيران والجماعات الموالية لأميركا يمكن أن ينتهي بمجرد اختفاء تنظيم الدولة من الخريطة.
بينما قالت المُحلّلة جينيفر كافاريلا إن إيران تجهّز نفسها للمرحلة التالية، وبدأت في اتخاذ خطوات لتفوز في المرحلة المقبلة؛ ولا زالت أميركا تركّز على تنظيم الدولة وكأنه الأولوية الاستراتيجية الوحيدة في المنطقة.
تلفت الصحيفة إلى أن قرار أميركا بفتح جبهة جديدة لمواجهة تنظيم الدولة في جنوب شرق الصحراء السورية، وإنشاء بؤرة لها في منطقة الوليد؛ يعتبر تحديًا لطموح إيران للسيطرة على الممر من طهران لدمشق ولبنان عبر منطقة الوليد.
في هذا السياق، قال الخبير في شؤون المنطقة «نيكولاس هيراس»: يبدو أن الإيرانيين وبشار والمليشيات العراقية عزموا على إيقاف حصول أميركا على مزيد من الأراضي في الصحراء السورية.
حتى الآن، استطاعت أميركا تعزيز موقفها في المنطقة؛ عبر نشر أنظمة صاروخية. ولكن، لا يمكن لأيّ شخص التكهن بما ستفعله تاليًا للحفاظ على سيطرتها. وعلى الرغم من مهاجمة وزير الدفاع للقوات الموالية لإيران في العراق؛ فإنه قرّر وضع تنظيم الدولة أولوية بجانب تهديد كوريا الشمالية.
مع وضع القرار بالهجوم في أيدي وزارة الدفاع، وفي ظل غياب الاستراتيجية الشاملة من البيت الأبيض؛ هناك مخاوف من القرارات التكتيكية وإمكانية تسببها في صراعات أوسع.