كشف مقال سابق للكاتب الصحفي الأميركي “جلين جرينوالد” نُشر بموقع “ذي إنترسيب” بتاريخ 25 سبتمبر 2014، عن تورط مسؤولين سابقين في الخزانة الأميركية مع الإمارات العربية المتحدة لبثّ أخبار معادية لقطر عبر الصحفيين الأميركيين.
ولفت الكاتب في مقاله إلى أن قطر باتت هدفًا للإمارات و”إسرائيل”؛ بسبب دعم حركة المقاومة “حماس”، ودعم جماعة الإخوان المسلمين”.
وإليكم نص المقال:
باتت دولة قطر، الإمارة الخليجية الثرية، هدفًا معاديًا لدولتين تتمتعان بنفوذ كبير داخل الولايات المتحدة الأميركية، هما “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة. أما “إسرائيل” فتشتاط غضبًا بسبب دعم قطر الفلسطينيين بشكل عام، ولحركة حماس (كما يدّعون) بشكل خاص. وأما الإمارات فيزعجها أن قطر تدعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر (بينما تدعم هي قادة الانقلاب العسكري) وأنها تموّل الثوار الإسلاميين في ليبيا (بينما تدعم الإمارات القوات المتحالفة مع القذافي).
نجمت عن هذه العداوة حملة جديدة في الغرب هدفها شيطنة القطريين؛ باعتبار أنهم أهم داعمي الإرهاب! اختار الإسرائيليون الأسلوب المباشر باتهام أعدائهم في الدوحة علانية بأنهم يدعمون الإرهاب، بينما اختارت الإمارات استراتيجية أكثر تسترًا؛ تتمثل في دفع ملايين الدولارات لمؤسسة لوبي أميركية (تتكون من أشخاص احتلوا من قبل مناصب رفيعة داخل وزارة المالية الأميركية من الحزبين) لبثّ أخبار معادية لقطر عبر الصحفيين الأميركيين.
حقّق الأسلوب الأكثر حنكة (الذي لجأت إليه الإمارات) نجاحًا باهرًا؛ ولعله يسلط الضوء على السهولة التي يمكن بها عبر المال نشر ما يرغب فيه المرء من قصص وأخبار في وسائل الإعلام الأميركية.
نُوّه إلى هذه الحملة المشبوهة ضد قطر لأول مرة عبر مقال نشره “دافيد كيركباتريك” من أسبوعين في صحيفة “نيويورك تايمز”، ذكر فيه أن “تحالف مصالح غير معتاد بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل” يسعى إلى تصوير الدوحة كما لو كانت “عراب الإرهابيين في كل مكان”، وهو اتهام نفته قطر بشدة. وجاء عرضًا ذكر جزئية مهمة في هذه الحملة على النحو التالي:
“وتعاقدت دولة الإمارات العربية المتحدة مع مؤسسة استشارات اسمها مجموعة كامستول Camstoll Group، يعمل فيها مسؤولون سابقون بوزارة الخزانة الأميركية”.
تُظهر الأوراق التي تكشف فيها المؤسسة بموجب القانون عن نشاطاتها، وقُدّمت إلى الجهات المعنية باعتبارها وكيلة لجهة أجنبية مسجلة، عن نمط من المحادثات مع صحفيين قاموا بعد ذلك بمحادثات مباشرة بكتابة مقالات تنتقد دولة قطر لدورها في جمع الأموال التي تستخدم في دعم الإرهاب.
الطريقة المستخدمة مذهلة للغاية، ويستدل من فعاليتها كيف يمكن بسهولة التلاعب بما يتشكّل لدى الجمهور الأميركي من انطباعات وبما ينشر في وسائل الإعلام من تقارير.
تأسّست مجموعة كامستول في السادس والعشرين من نوفمبر 2012، ويتشكل طاقم العاملين فيها من أشخاص شغلوا من قبل مناصب رفيعة في وزارة الخزانة الأميركية، سواء في إدارة بوش أو في إدارة أوباما؛ وشملت المهام المنوطة بهم آنذاك إدارة علاقات الحكومة الأميركية بأنظمة الخليج الفارسي وبـ”إسرائيل”، إضافة إلى إدارة السياسات المتعلقة بتمويل الجماعات المصنفة على أنها “إرهابية”. معظم هؤلاء لهم خلفيات تربطهم بتيار المحافظين الجدد، ويُذكر أن اثنين من الشخصيات الرئيسة في “كامستول” عملا قبل الالتحاق بوزارة الخزانة الأميركية مع ستيف إميرسون، أحد أكثر المتطرفين المعادين لكل ما هو إسلامي في تيار المحافظين الجدد.
مؤسس كامستول ومديرها التنفيذي ومالكها الوحيد “ماثيو إبستين” عمل مسؤولًا في وزارة الخزانة من 2003 إلى 2010. وضمن هذه الفترة، شغل منصب الملحق المالي للوزارة لدى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وتُظهر برقيات دبلوماسية تعود إلى عام 2007، سرّبتها تشيلسي مانينغ ونشرها موقع ويكيليكس، تفاصيل اجتماعات عقدها ماثيو مع مسؤولين رفيعي المستوى يمثّلون إمارة أبو ظبي بهدف التخطيط لوقف جميع التعاملات المالية والمصرفية لإيران.
وتكشف هذه البرقيات عن اجتماعات متعددة على مستوى رفيع عقدها “ماثيو” بصفته مسؤولًا في وزارة الخزانة الأميركية مع مسؤولين رفيعي المستوى في دولة الإمارات، وهم المسؤولون أنفسهم الذين يدفعون الآن ملايين الدولارات إلى شركته حتى تعمل وكيلًا بالنيابة عن الإمارات داخل الولايات المتحدة الأميركية.
قبل تعيينه من إدارة بوش في وزارة الخزانة الأميركية، كان ماثيو من نشطاء المحافظين الجدد ويكتب مقالات تنشر في “ناشيونال ريفيو”، وعمل ضمن فريق إميرسون فيما يسمى “مشروع التحقيق” الذي يستهدف المسلمين (من الملاحظ أن السيرة الذاتية المنشورة لماثيو حُذف منها أي ذكر لعمله مع إميرسون). وقبل أن ينضم إلى الخزانة الأميركية، كان عمله ضمن مجموعة إميرسون، المسكونة بهاجس “الخطر الإسلامي من الداخل” نذيرًا بحملات المطاردة والتصيّد المعادية للمسلمين التي قادتها بيتر كينغ في عام 2011.
في عام 2003 -على سبيل المثال- أخبر ماثيو مجلس الشيوخ الأميركي أن “قطاعات كبرى من القيادات الإسلامية في أميركا لا تدعم سياسة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب” وأن “نزعات التطرف لدى القيادات السياسية للمسلمين في أميركا تطوّرت بشكل موازٍ لنزعات التطرف الموجودة لدى القيادات الإسلامية عبر العالم، ويشاطرونهم في نظرتهم التآمرية التي تعتبر أن مسلمي الولايات المتحدة يتعرضون إلى الاضطهاد بسبب انتمائهم الديني وأنهم يبررون اللجوء إلى العنف باسم الإسلام”. وأعلن حينها ما يلي: “يتطلب بروز القيادة الإسلامية المتشددة في الولايات المتحدة عناية خاصة إذا ما أردنا أن ننجح في الحرب على الإرهاب”.
أما العضو المنتدب في كامستول “هاوارد مندلسون” فكان القائم بأعمال مساعد وزير الخزانة؛ حيث تناط به حزمة من المسؤوليات ذات العلاقة بالإمارات. تفصّل برقية سرّبتها ويكيليكس يعود تاريخها إلى عام 2010 كيف أنه “التقى بمسؤولين كبار في دائرة أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة وفي الإدارة العامة لأمن الدولة بدبي لتنسيق تعطيل تمويل “طالبان”. عمل عضوٌ منتدبٌ آخر (بنجامين شميدت) مع ماثيو في مشروع التحقيق الذي قامت على تنفيذه إميرسون، وذلك قبل أن يُعيَّن هو الآخر في وزارة الخزانة. ويظهر من برقية دبلوماسية مسربة يعود تاريخها إلى عام 2009 أنه كان يعمل مع “إسرائيل” في تنفيذ خطة للتحكم في تمويل الفلسطينيين. أما بنجامين دافيس، وهو مدير آخر في كامستول، فكان يعمل ملحقًا لوزارة الخزانة الأميركية في القدس.
وفي الثاني من ديسمبر/ كانون الأول، وقبل مرور أقل من أسبوع على تأسيس كامستول، وقّعت المؤسسة عقدًا مفتوحًا مع كيان مملوك بالكامل لإمارة أبو ظبي لتقديم الاستشارات مقابل مبلغ ضخم من المال. اسم هذا الكيان، الذي تعود ملكيته إلى رئيس دولة الإمارات نفسه، أوتلوك إنيرجي إنفستمينتس Outlook Energy Investments LLC. بعد أسبوع من ذلك، بادرت كامستول إلى تسجيل نفسها وكيلًا لجهة أجنبية تعمل نيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة. تنصّ اتفاقية الاستشارات على دفع رسم شهري قدره 400 ألف دولار لمؤسسة كامستول؛ بحيث يُحوّل المبلغ شهريًا إلى حساب المؤسسة. وبعد أسبوعين من تأسيسها، تلقت كامستول مقدم دفعة من الكيان الإماراتي تبلغ 4.3 ملايين دولار، ثم تلقت دفعة أخرى في عام 2013 قدرها 3.2 ملايين دولار.
بمعنى آخر، ما حصل هو أن مسؤولًا رفيع المستوى في وزارة الخزانة الأميركية مكلفًا بإدارة السياسة تجاه الإمارات ترك منصبه في الحكومة الأميركية ليشكّل مؤسسة لوبي جديدة بدأت مباشرة في تلقي ملايين الدولارات من البلد نفسه الذي كان في وظيفته السابقة مسؤولًا عنه، مستخدمًا في ذلك لمصلحته الشخصية ما كان متاحًا له من صلاحيات ومن معارف واتصالات كافة بحكم وظيفته.
يُنوّه هنا إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تُنفق أكثر من أي دولة أخرى في العالم للتأثير على سياسة الولايات المتحدة ولتشكيل الرأي العام المحلي والتأثير على ما يدور من نقاشات فيه، وفي سبيل ذلك تدفع أموالًا لأشخاص شغلوا في السابق مناصب رفيعة داخل الحكومة، وكانت مهمتهم آنذاك تمثيل الحكومة الأميركية في العلاقات مع الإمارات. وهي تفعل هذا بهدف تنفيذ أجندتها الخاصة داخل الولايات المتحدة، كما هو الحال مع ماثيو وشركته.
ما الذي قامت به كامستول مقابل كل هذه الملايين من الدولارات؟ لقد قضت وقتًا طويلًا في التقرب من الصحفيين لكسب ودهم وحملهم على بث تقارير معادية لقطر؛ ونجحت في ذلك إلى حد كبير. كانت استراتيجيتها في غاية الوضوح: استهداف الكُتّاب من تيار المحافظين الجدد والمناصرين لـ”إسرائيل”؛ مثل إيلي ليك الذي يكتب في “ذي ديلي بيست”، ألانا غودمان التي تكتب في “فري بيكون”، إليوت أبرامز المدان في قضية إيران كونترا، جينيفر روبين التي تكتب في “الواشنطن بوست”، مايكل روبين الذي يعمل في معهد “أميركان إنتربرايز”؛ ويجمع بينهم الآن الشغف لنشر كل ما من شأنه أن يتهم قطر بتمويل الإرهاب، وهو الخط التحريري نفسه الذي ما فتئت “إسرائيل” تدفع باتجاهه. كما استهدفوا شخصيات بارزة في وسائل الإعلام الكبرى؛ مثل إرين بيرنيت في “سي إن إن،” مارك هوزينبول في وكالة “رويترز”، جوبي واريك في “الواشنطن بوست”.