يبدو أن تماسك دول مجلس التعاون الخليجي يتفكك؛ حيث صرح وزير الإمارات للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن “المجلس يواجه أزمات كبرى في الوقت الذي تتقرب فيه قطر مع إيران”.
علّق أنور بهذا على تويتر بعد قرابة أسبوع من بداية الأزمة بين الإمارات والسعودية من ناحية، وقطر من الناحية الأخرى؛ بعد أن نشرت الوكالة الإخبارية القطرية تصريحات لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني انتقد فيها تصريحات دول الخليج ضد إيران. وعلى الرغم من إنكار قطر هذه التصريحات وتأكيدها وجود قرصنة إلكترونية تعرضت إليها الوكالة؛ فإن الحكومات السعودية والإماراتية والمصرية واجهت هذه التصريحات والنفي بحجب مواقع وقنوات قطرية، من بينها الجزيرة.
ظهرت هذه الأزمة بين قطر وجيرانها من دول الخليج بعد فترة وجيزة من زيارة أمير قطر إلى السعودية لحضور القمة التي استضافتها المملكة للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحضرها 55 من قادة الدول العربية. وفي هذه اللقاءات، ووفق ما نقلته مصادر عربية، فإن الشيخ تميم اعتبر أن إيران قوة لاستقرار المنطقة، بعد هجوم معظم الدول الحاضرة على إيران واعتبارها المنافس والعدو الأكبر لقوى المنطقة.
وفي الوقت ذاته، وافق المشاركون على مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، خاصة مصر والسعودية والإمارات، في الوقت الذي تحتضن قطر الإخوان المسلمين؛ فالشيخ يوسف القرضاوي، المحسوب على جماعة الإخوان، يعتبر شخصية شهيرة في الدوحة ويتواصل مع الأمير القطري ومن قبله والده.
كان يمكن أن يقل الانتقاد العربي لولا تدخّل مسؤولي أميركا وإشعالهم الأزمة؛ حيث حذّر وزير الخارجية الأميركي جيمس ماتيس قطر وقال إنها يجب أن تتخلى عن دعمها للإخوان المسلمين، ولفت إلى أن الرئيس الأميركي يفكر في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية دولية”؛ ما قد يكون له تأثير سلبي على التعاون الاقتصادي العسكري بين قطر وأميركا في الأشهر المقبلة.
أما بشأن الدوحة، فبدلًا من تهدئة الموقف وإخماده زادته؛ ما أدى إلى وضع مصر والسعودية ضغوطًا جديدة عليها بشأن تمويلها “الإخوان” في فلسطين وسوريا.
وأبدى الأمير القطري غضبه من النهج الأميركي، وقال محللون إن الأمير تميم توقع أن يزور ترامب الدوحة أولًا لإظهار الدعم لموقف قطر السياسي؛ ويبدو أن موقف ترامب من اهتمامه ببناء علاقة قوية مع السعودية أولًا تسبب في غضب الدوحة.
ومن الواضح أن الأزمة الأساسية بسبب رغبة قطر في إجراء محادثات مع إيران، حيث يُظهر اتصال الدوحة بالرئيس الإيراني حسن روحاني بعد فوزه بفترة بسيطة أن قطر ليست مستعدة لدعم السعودية والإمارات في حروبهما بالوكالة ضد طهران في اليمن وسوريا والبحرين.
ومن المرجّح أن تنشأ مواجهة مفتوحة بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات من ناحية أخرى بعد تزايد التوتر في الفترة الأخيرة، ولا يمكن استبعاد صراع عسكري بين السعودية وقطر، وتتزايد أيضًا التوترات الدينية بعد أن باعد مؤسسو الوهابية السعودية بينهم والعائلة الحاكمة في قطر؛ ما اعتبره البعض هجومًا غير رسمي على القوة الدينية للعائلة القطرية المالكة التي تدعي أنها من منطقة “نجد”، وهي التي جاء منها ابن عبدالوهاب. ويمكن اعتبار تنديد السعوديين بالمطالب التاريخية للعائلة المالكة في قطر هجومًا قويًا على موقف الأخيرة.
وتشكك الدوحة الآن في وجهات النظر السعودية تجاه إيران، التي اتهمها ترامب بدعم الإرهاب في الشرق الأوسط، وتستمر قطر في غضبها بسبب اتهام المنظمات الأميركية لها بدعم الجماعات الإرهابية المتطرفة، ويبدو أنه من قبيل الصدفة أن هذه التصريحات التي أثارت الأزمة ظهرت بعد أيام من انتهاء قمة الرياض.
وعلى الرغم من مرور مجلس التعاون الخليجي بأزمات داخلية من قبل؛ فإن الأزمة الحالية تعتبر مقلقة أكثر من أيّ أزمة ماضية. حيث سيجلب انقسام مجلس التعاون الخليجي مزيدًا من الاضطراب في المنطقة، في الوقت الذي يواجه فيه التحالف بقيادة السعودية إيران. ويمكن أن يؤدي ذوبان الجليد بين طهران والدوحة إلى مواجهة مع واشنطن، التي تملك قاعدة عسكرية في شبه الجزيرة، وسيؤدي أيّ تقارب بين إيران وقطر إلى خطر أمني على الجيش الأميركي؛ ومن الممكن أن يؤدي أيّ تصعيد جديد إلى خطر متجدد لشحن النفط والغاز في الخليج الفارسي.
وحتى دون وجود أي مواجهات عسكرية، فإن المواجهة بين قطر ضد السعودية والإمارات يمكن أن تحمل في طياتها أخطارًا أخرى؛ حيث تعتمد كل دول مجلس الخليج على استقرار سوق النفط والغاز، وهو ما يتضح في صفقة أوبك الأخيرة، ومن المؤكد أن تؤدي المواجهة الكاملة -بلا شك- إلى وضع ضغوط على معدل الامتثال الحالي لأعضاء منظمة الأوبك للاتفاقية، وستكون الدوحة قادرة على تخريب اتفاقية تخفيض الإنتاج الحالية بين أعضاء منظمة الأوبك والأعضاء من خارجها؛ فإذا قررت الدوحة الانضمام إلى صفوف إيران والعراق سيكون مستقبل أوبك على المحك.