“لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.. كان هذا هو شعار المرحلة في مصر قبل ستين عاما.. كان الحديث عن الصراع مع “إسرائيل” يطغى آنذاك على كل شيء.
وهذه الأيام، الشعار نفسه يعود من جديد، يتصدر عناوين مواقع مصرية رسمية.. ولكن مَن العدو اليوم؟ تقول أذرع النظام إنه الإرهاب، فبدعوى التحريض ودعم الإرهاب تغلق الحكومة مواقع وقنوات بعضها تابع لها، وبنفس الحجة يمرر قانون يقمع المجتمع المدني كما يقول معارضون.
فبعد أكثر من ستة أشهر على تمرير القانون في مجلس النواب، وقع عبدالفتاح السيسي قانوناً ينظم عمل الجمعيات الأهلية، مما يزيد المخاوف من قمع المجتمع المدني في مصر.
وتزامن ذلك مع قرار بحجب أكثر من عشرين موقعا إلكترونيا بدعوى التحريض ودعم الإرهاب، بينها مواقع حكومية.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد تم نشر القانون في الجريدة الرسمية في العدد الصادر يوم 24 مايو الجاري، لكن هذا العدد لم يتم توزيعه على وسائل الإعلام إلا اليوم الاثنين.
من نصوص القانون
وينص القانون على عقوبات تصل إلى الحبس خمس سنوات وغرامات قد تصل إلى مليون جنيه مصري (نحو 55 ألف دولار) لكل من يخالفه، وهو يحظر على أي جمعية أو مؤسسة إجراء أي دراسة أو استطلاع من دون تصريح من الدولة، ولا يمكن نشر نتائج هذه الدراسات والاستطلاعات إلا بإذن من الدولة كذلك.
وبموجب القانون، يتعين على المنظمات غير الحكومية الأجنبية الراغبة بالعمل في مصر أن تدفع رسوما قدرها ثلاثمئة ألف جنيه، بحسب ما قال المحامي الحقوقي جمال عيد لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويقضي القانون بإنشاء “هيئة وطنية” تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية والجيش وجهات حكومية أخرى، تتولى بحث طلبات الحصول على تمويل أجنبي ومنح موافقتها عليه مسبقا، علما بأن القانون يمنح المنظمات مهلة عام لتوفيق أوضاعها وإلا تم حلها عن طريق القضاء.
فما مدى علاقة هذه الإجراءات بالأجندة السياسية للسلطات المصرية؟ وكيف ستكون مواقف القوى السياسية والمدنية من هذه التطورات؟
ترسيخ للوضع
حول هذا الموضوع يقول محمد زارع نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إن وضع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني في مصر منذ أكثر من ثلاث سنوات سيئ، والجمعيات تعاني معاناة شديدة.
وأضاف أن هناك تجاوزات ضخمة من الأمن ضد المجتمع المدني، تشمل التحفظ على الأموال ومنع الناشطين من السفر، معتبرا أن القانون الجديد رسخ وضعا قائما يمارسه النظام على الأرض منذ ثلاث سنوات.
وعن السبب يرى زارع أن الدولة لديها تصور بأن المجتمع المدني كان له دور كبير في ثورة 25 يناير 2011، لذلك فما يجري سياسة واضحة للقضاء تماما على المجتمع المدني وعسكرة الدولة.
القضاء على المجتمع المدني
أما الحقوقي جمال عيد، فاعتبر أن القانون الجديد “يقضي على المجتمع المدني في مصر، سواء منظمات حقوق الإنسان أو المنظمات التي تعمل في مجال التنمية”.
وسبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن انتقدت القانون وقالت إنه سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل، لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية.
واعتبرت المنظمة -إبان مناقشة القانون في مجلس الشعب- أنه سيكون من المضحك القول إن مصر تسمح بعمل المنظمات غير الحكومية، لأنه سيجعلها تحت رقابة الأجهزة الأمنية.
حجب غير منطقي
وعن حجب المواقع الإلكترونية اعتبر الكاتب الصحفي جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة “المصريون” التي طال الحجب موقعها الإلكتروني، أنه ليس هناك أي تفسير منطقي لما جرى، لأنه كان خارج حدود المنطق والعقل ولا يُعرف حتى الجهة التي أصدرت القرار.
وأكد سلطان في تصريحات صحفية أن صحيفة “المصريون” على امتداد مئات المقالات والتقارير الإخبارية، لها موقف حاسم ومعلن ضد الإرهاب باعتباره تهديدا حقيقيا للوطن بكامله.
ويعتقد أن قرار الحجب لم يكن قرارا مصريا فقط، وإنما كان قرارا عربيا، كاشفا أن دولة الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي كانت تحجب موقع صحيفة “المصريون”.
مكافحة الإرهاب
في المقابل، يرى محمود إبراهيم المحامي ونائب رئيس مركز الاتحادية للدراسات، أن القرار يأتي في سياق الحرب على الإرهاب، التي قال إنها انتقلت إلى مرحلة تالية تتضمن مواجهة صريحة مدعومة دوليا بالرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب.
واعتبر إبراهيم أن الأمر لا يتعلق بحرية الصحافة، بل بخطاب يعطي شرعية أخلاقية لجماعات موصوفة بالإرهاب في مجتمعات أخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين والمواجهة أصبحت حتمية، وفق رأيه.