نشرت جرائد مصرية موالية للنظام المصري، الأحد 8 من مايو/أيار الجاري، خبر وفاة “فاطمة نجيب محفوظ” بعد نحو 3 أسابيع من الوفاة، وفي كلمات قليلة تنتافى بالكُلية مع الأهمية المُضاعفة التي أولاها الإعلام المصري للأديب الراحل سواء إثر وفاته في 30 من أغسطس/أب 2006م في مستشفى الشرطة في العجوزة، أو بعد نيله جائزة “نوبل” في الآداب لعام 1988م كأول أديب عربي تصافحه الجائزة في فرع الأدب في تاريخها.
ووسط تعتيم إعلامي متناهٍ يتعارض مع حياة أبيها الإعلامية الصاخبة في العادة حتى أن عيد ميلاده قبل حصوله على “نوبل” بسنوات طويلة كان يُقام في جريدة “الأهرام” شبه الرسمية بحضور الكاتب الراحل رئيس تحريرها الأسبق “محمد حسنين هيكل” والسيدة “أم كلثوم”، ونخبة من أكابر رموز السياسة والثقافة في عهد الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”.
لم تهتم جريدة رسمية أو خاصة واحدة بوفاة ابنة “عميد الرواية العربية” بحسب جرائد ومواقع وكتب عقب فوزه بـ”نوبل”، حتى لكأن مصر والأمة العربية لم تشهد روائيًا أو مبدعًا قبله، مع عدم رغبتنا في التقليل من موهبة “محفوظ”، لكنه هو نفسه القائل إن الجائزة تأخرت عن العرب كثيرًا، وذلك عقب فوزه بها؛ ولما سُئلَ عن مستحقيها حدد الأديب الراحل “عباس محمود العقاد”، والأديب الذي كان على قيد الحياة يومها “يحيي حقي”؛ وهو ما أغضب بشدة الراحل “يوسف إدريس” وأثار معركة شديدة بينه وبين “محفوظ” لم يخفف منها إلا رحيل “إدريس” نفسه؛ إذ كان يرى أنه، رحمه الله، كان أحق بالجائزة من “محفوظ” لكنها ذهبت بطريق الخطأ إليه..!
أذكر أن الروايات بوجه خاص قبل أكتوبر/تشرين الأول 1988م قبل موعد “نوبل” العربية كانت تطبعها في الأغلب الأعم “مكتبة مصر” المُملوكة للراحل “سعيد جودة السحار” شقيق الأديب الراحل “عبد الحميد السحار” في أول شارع “الفجالة” الأشهر بوسط القاهرة، وأن أسعارها كانت بالغة التدني؛ حتى أن الفنان الراحل “جمال قطب” كان يستعين بلوحاته الفنية المُبرزة لجمال بطلات الروايات المُفترض كلوحات غلاف ملونة وداخلية بالأبيض والأسود؛ وأن أسعار هذه الروايات تضاعف عقب 1988م إلى الضعف على الأقل..حتى شكا لي نجل الراحل “سعيد السحار” في أكتوبر/تشرين الأول 2013م من انسحاب أبناء الراحلين “نجيب محفوظ” و”إحسان عبد القدوس” من نشر أعمال الراحلين في المكتبة رغم امتلاء المخازن بكتب الراحلين وكون مكتبة أبيه أحد أكبر أسباب شهرة “محفوظ وعبد القدوس”، بالنشر لهما حين لم يكن يعرفهما أحد؛ وكانت المكتبة تداور على قرار أنجالهما ببيع النسخ في معرض القاهرة للكتاب بأسعار زهيدة مقارنة بأسعار دار مصرية خاصة شهيرة تولت طباعة الأعمال!
والشاهد أننا بعد إعلان “نوبل نجيب محفوظ” فوجئنا بطوفان من المقالات والدراسات والكتب بل المُسلسلات وإعادة تدوير للأفلام المُستخلصة عن رواياته وقصصه القصيرة يملئ أفق الحياة، حتى أن مسلسل أفراح القبة أُذيع رمضان الماضي فحسب عن رواية للراحل.
وفي حياته يُروى أن “محفوظ” وأسرته شعروا بالمملل الشديد من الاهتمام والمطاردة الإعلامية المُبالغ فيهما..
ونشأت طبقة من الفنانين والأدباء والمُتكسبين كل همها الصعود على كتف صاحب “نوبل” الغربية حتى أن راقصة شهيرة استوقفته فيما يمارس رياضة المشي اليومية، مُصرة على ان يركب معها في سيارتها لتلقط معه صورة حتى اضطر إلى الصراخ ليقنعها أنه لو احتاج سيارة لأشترى ولكنه يحتاج إلى المشي مثلما تحتاج إلى الرقص..!
وكان من عمل تلك الطبقة المُتكسبة من وراء “محفوظ” واعتراف الغرب به وبالأدب العربي؛ وكأنه ليس بجيد إلا ما ومَنْ اعترف الغرب به، وكان من عمل هؤلاء تزييف أقوال “محفوظ” إن تناولت قضايا اختلف رأيه فيها عن وجهة نظر الإعلام الذي يُروج له..بداية من رأيه بهزلية “حرب الاستنزاف” عقب هزيمة 1967م وأنه ليس هناك فترة اسمها استنزاف من الأساس؛ فإما حرب أو لا حرب؛ ومرورًا باتفاقه مع المُنادين بما يُسمى “التطبيع” مع العدو الصهيوني..حتى تراجعه عن رواية “أولاد حارتنا” وقوله لأحد الصحفيين الشباب إنه يمقتها لإنه كتبها في فترة كانت شديدة القسوة والشك من حياته؛ وهو الحوار الذي لم يستطع الصديق نشره كاملًا..!
أما نفس الإعلام العلماني فبدأ تنكره لأهل “محفوظ” نفسه فور وفاته، وبالتالي سقوط “برقع الحياء” الذي كان يُمثله وجوده، رحمه الله، ويكفي أن الإعلامي “مفيد فوزي” هاجم ابنتي الراحل قائلًا إن “فاطمة وأم كلثوم” كانتا تتبرأن من رواياته عند تحويلها إلى أفلام لمعايرة زملائهما في الجامعة لهما بأن أبيهما يقبل بمشاهد الجنس في الأفلام المُستقاة من روايته ليجلب لهما المال الكثير، وصمم “فوزي” على أن الكلمات كانت تجلب الاكتئاب للأديب العالمي والخصام مع أهل بيته..!
أما تبرع السيدة “عطية الله” بجزء من مال “جائزة نوبل” للفقراء، بعد تبرع “محفوظ” نفسه بجزء أكبر إلى “بريد الأهرام” الذي كان يُشرف عليه الراحل “عبد الوهاب مطاوع” حتى وفاته في 2004م؛ مرر “مفيد فوزي” أمر تبرع السيدة “عطية الله” لتبرع “محفوظ” نفسه قبل رحيله..أما رفض السيدة “عطية الله” و”ابنتا محفوظ” إقامة ذكرى الأربعين (مرور 40 يومًا على وفاته) وتكفل وزارة الثقافة بقيادة الوزير الأسبق “فاروق حسني” بالأمر..فقد جعل “فوزي” يخرج المخزون كله مقارنًا ما أسماه بـ”عدم لباقة” السيدة “عطية الله”؛ وعدم رغبة “محفوظ” إعلان زواجه منها، وتفتح عقل السيدة “لولا المهلمي” زوجة الراحل الأديب “إحسان عبد القدوس”، رحم الله الجميع..ولم يحترم السيد “مفيد فوزي” حرمات الناس ولا حتى الموت؛ وكان زواج “محفوظ” عام 1954 م سرًا؛ حتى شهره الأديب الراحل “صلاح جاهين” وكانت ابنة “محفوظ” “فاطمة” لديها 10 سنوات آنذاك.
لكن سبب سرية الزواج الحقيقي فهو رغبة “والدة محفوظ” (الراحلة فاطمة مصطفى قشيشة) في زواجه من أسرة ثرية..وهو ما رفضه الراحل واضطره إلى الزواج السري؛ وإن أسمى ابنته الكبرى الراحلة منذ أسابيع قليلةعلى اسم أمه..!
ودارت الأيام دورتها واستفاد نظام الرئيس المخلوع “حسني مبارك” استفادة قصوى من “نوبل محفوظ” لتلميع وجهه به..مع أن الراحل من أبناء جيل نشأ وترعرع وبدأ إبداعه قبل يوليو/تموز 1952م من الأساس..أي قبل “الحكم العسكري” من الأساس لمصر؛ حتى إذا حضر “مبارك” جنازة “محفوظ” مرر أمن الرئاسة جسد الراحل على جهاز كشف المتفجرات قبل صلاة الرئيس عليه في إهانة مُتعمدة للإنسان قبل الأديب..!
ودارت الأيام دورتها أكثر فماتت السيدة “عطية الله” في منتصف ديسمبر/كانون الأول من عام 2014م فسار قليلون وراء نعشها حتى المقابر على طريق مصر الفيوم منهم الناشر “إبراهيم المعلم”؛ والسيدة “جيهان السادات”..وهو ما أدمى الابنة “فاطمة” حتى إذا حضرتها الوفاة لم تجد أحدًا يشهدها ولينسب الإعلام المصري التعتيم إلى أختها الباقية من اسرة “محفوظ” “أم كلثوم”، بعد أن كانت الأسرة كلها تشتكي من عدم قدرتها على التقاط الأنفاس والراحة في السكن من كثرة إلحاح الإعلاميين على لقاء “محفوظ” أو حتى أخذ صور معه!
وهكذا تمر الأيام فتفضح سوءات مجتمعات انقلابية رسمية تدعي الثقافة ورزقها قائم على النفاق والأكل فوق موائد المُبدعين؛ وله الله كل مبدع عربي مخلص حي حتى اليوم بين “إعلام علماني” لا يعرف إلا المصلحة وآخر شريف لا يحتفي بأهله كما ينبغي..!