بعد ما يقارب الأعوام الأربعة على وقوع الإنقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو تموز 2013 تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لإجتماع القوى الرافضة لحكم العسكر في جبهة وطنية واسعة تعيد الأمل للشعب المصري بقدرته وقدرة قواه الحية على التخلص من هذا الحكم العسكري الذي حاول زراعة اليأس في النفوس من خلال استخدامه المفرط للقوة بحق كل من يحلم بالتغيير ويسعى إليه.
لم يعد ترفا ولا تمضية لأوقات فراغ الحديث عن إصطفاف ثوري وعمل مشترك بين كل من يرغب في الخلاص من الحكم العسكري، بل اصبح واجب الوقت على الجميع، ولم يعد لمتخلف عن هذا العمل من عذر، ولم يعد لمحبط أو متكاسل مكان بين الأحرار الصامدين في الداخل والخارج، ولم يعد لمثيري الفرقة والرافضين للعمل المشترك من حجة منطقية يسوقون بها بضاعتهم.
لم تتوقف الجهود والتحركات نحو عمل مشترك يجمع أبناء ثورة يناير الأوفياء، وإن تعثرت تلك الجهود حتى الآن في الوصول إلى مظلة واحدة تجمعهم، وقد بدأت تلك الجهود منذ اللحظة الأولى للإنقلاب العسكري بتأسيس التحالف الوطني لدعم الشرعية وكسر الإنقلاب، وكان التحالف ذاته الذي تحمل المسئولية في ظرف تاريخي صعب يدرك ضرورة التحرك نحو بناء جبهة وطنية واسعة تضم كل رافضي الإنقلاب، ونص على ذلك في وثيقته الإستراتيجية التي صدرت مطلع نوفمبر 2013 وكتبها قادة كبار أمثال الدكتور محمد علي بشر والدكتور مجدي قرقر والدكتور طارق الزمر وغيرهم من القادة، ثم جاءت المحاولة التالية في وثيقة بروكسل (مايو 2014 ) والتي كانت القاعدة الأساسية التي مهدت لظهورالمجلس الثوري، الذي كان بدروه محاولة جديدة لتجميع الرموز الثورية في الخارج في كيان واحد، وكان هدفه الأول وفقا لوثيقة تأسيسه هو تحقيق الإصطفاف الثوري، لكنه فشل في تحقيق هذه المهمة بل أصبح لاحقا المناوئ الرئيسي لها بالمخالفة لوثيقتة التأسيسية.
تواصلت الجهود بعد ذلك نحو عمل مشترك يجمع قوى ورموز ثورة يناير فمن بيان القاهرة إلى إعلان فبراير، إلى ميثاق الشرف الوطني، ثم حملة يناير يجمعنا، وصولا إلى الجهود الجارية حاليا لتأسيس مظلة وطنية جامعة بعد التوافق على وثيقة مباديء مشتركة تجمع أبناء ثورة يناير وكل الساعين للتخلص من الحكم العسكري واسترداد المسار الديمقراطي، والغريب أن نفرا ممن وقعوا أو دعموا – قولا وفعلا وكتابة- وثيقة بروكسل قبل 3 سنوات ينشطون اليوم رفضا لوثيقة المبادئ المشتركة الجديدة رغم أنها لاتختلف في روحها ومضامينها عن وثيقة بروكسل، ولا أعرف تفسيرا منطقيا لهذا الإنقلاب في المواقف.
لم يستهدف أصحاب التحرك الجديد تسوية سياسية ولا مصالحة مع النظام، لكنهم يتحركون لاستكمال المسار الثوري، وتقوية الصفوف للتخلص من سلطة الإنقلاب عبر تصعيد الضغوط عليها وكشف فشلها وزيفها وعدم قدرتها على إدارة البلاد وإسعاد العباد، وقد كان أصحاب المشروع واضحين من البداية أنهم يرفضون فكرة المشاركة في هزليات إنتخابية بدعوى انها الطريق الوحيد المتاح للخلاص، بل هم يرون أن أي مشاركة في تلك الهزليات هي شرعنة لسلطة غاصبة تفتقد للشرعية مهما إمتلكت من وسائل القوة الباطشة.
لم تخرج الوثيقة الجديدة للنور بشكل رسمي بعد، وإن تسربت إلى بعض المواقع من خلال بعض الشخصيات التي وصلتها لتحديد موقفها منها، وقبل أن ينشر نص الوثيقة مسربا نشط بعض رافضي فكرة العمل المشترك في تشويه الوثيقة، ووصفها بأقذع الألفاظ مثل وثيقة الخيانة، ووثيقة التنازل عن الرئيس مرسي، والتنازل عن القصاص للشهداء، والتمديد للسيسي، بهدف وأدها في مهدها، كما فعلوا في تجربة سابقة لما كان يسمى “وثيقة العشرة” قبل نحو عامين، وحين ظهرت الوثيقة بشكل غير رسمي كشفت زيف كل تلك الإدعاءات، وكشفت تعمد مروجي تلك الأكاذيب لحرق الوثيقة بأي ثمن قبل ظهورها، ذلك أنها كانت بأيديهم فعلا منذ مدة طويلة بهدف مناقشتها وتحديد موقفهم منها، ولكنهم لم يجرءوا على نشرها رغم رفضهم لها وحرصهم على حرقها، ذلك أن نشرها كان سينسف أكاذيبهم بحقها، وكان سيعرضهم لمواجهة مع متابعي صفحاتهم لن يصمدوا فيها، ولذلك فقد كان تسريبها من بعضهم رمية بغير رام، إذ أنها لقفت ما يأفكون.
في وثائق العمل المشترك بشكل عام في كل زمان ومكان يبحث الشركاء عن نقاط الاتفاق فيضعوها في وثيقة يتعاهدون على تنفيذها، ويتجنبون نقاط الخلاف أملا في الوصول إلى حلول مقبولة لها عبر الحوار والتوافق، وهو ما حدث في مشروع الوثيقة المعروضة للنقاش حاليا، والتي وصفها البعض بوثيقة التخلي عن مرسي، رغم أن شرعية الرئيس مرسي ليست محل خلاف، ورغم أن مشروع الوثيقة تضمن العديد من الإشارات حول استعادة الإرادة الشعبية والإحتكام للشعب في القضايا المصيرية التي لا تجد حلا عبر الحوار والتوافق، كما تضمن مشروع الوثيقة نصوصا عن القصاص للشهداء وعدم الإفلات من العقاب، وتجريم الإنقلابات العسكرية، وللتذكير فإن وثيقة بروكسل سلكت المسلك ذاته ومع ذلك كانت محل قبول الرافضين حاليا.
الوثيقة –أي وثيقة- بحد ذاتها ليست حلا سحريا، وليست هي كلمة السر لإسقاط الإنقلاب، ولكنها تعبير عن القدرة على التوافق على مبادئ جامعة تصلح لبناء كيان جامع يكون قادرا على كسر هذه السلطة التي أثبتت خبرة السنوات الأربع الماضية أن فصيلا واحدا مهما بلغت قوته لم ولن يستطيع تحقيق هذا الهدف منفردا، بل يحتاج الأمر لتضافر جهود كل الراغبين في الخلاص من هذا الحكم المدعوم إقليميا ودوليا، والكيان أيضا ليس مصباحا سحريا بحد ذاته، بل يلزم هذا الكيان الجامع وضع خارطة طريق واضحة للخلاص من هذا الحكم، وقيادة حملات قوية ضد النظام في الداخل والخارج بمشاركة مجتمعية واسعة، وتجهيز تصورات سياسية واقتصادية واضحة لإدارة الوطن عقب زوال الغمة، وساعتها فقط نستعد للاحتفال بيوم الخلاص.