في الوقت الذي حصد فيه الإسلاميون الجزائريون 103 مقاعد في انتخابات 1997، كانت حصيلتهم في استحقاقات 2017 هزيلة ولم تتجاوز 48 معقدًا؛ ما دفع البعض إلى القول إن الشعب قرر معاقبة هذا التيار لأنه رضي أن يكون ديكورًا في برلمان تهيمن عليه أحزاب السلطة.
ولم تحمل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الجزائر أنباء سارة للأحزاب الإسلامية، وأيضًا لم تحمل أيّ مفاجآت؛ فبعد أن منّى الإسلاميون النفس بتحقيق نتائج متقدمة جاءت حصيلة الاقتراع مخيبة، رغم دخولها في تكتلات وتحالفات.
وفي الوقت الذي حصدت فيه أحزاب السلطة أغلبية مريحة بـ261 مقعدًا من أصل 462، لم تتجاوز حصيلة الأحزاب الإسلامية مجتمعة 48 مقعدًا؛ منها 33 مقعدًا لتحالف حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير، وهو تحالف اندماجي بين الحزبين أُعلن عنه قبل الانتخابات.
أما الـ15 مقعدًا الأخرى فكانت من نصيب الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء، وهو تحالف بين ثلاثة كيانات إسلامية أُعلن عنه قبل الانتخابات، ويضم جبهة العدالة والتنمية التي يقودها الشيخ عبدالله جاب الله، وحركة النهضة بقيادة محمد ذويبي، وحركة البناء الوطني (المنشقة عن حركة مجتمع السلم) بقيادة مصطفى بلمهدي.
حصيلة صعيفة
وبالعودة إلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدتها الجزائر منذ 1997، فإن حصيلة الإسلاميين في استحقاقات 2017 ضعيفة.
ففي 1997 حصدت حركتا مجتمع السلم والنهضة 103 مقاعد، وفي 2002 حصلت حركتا مجتمع السلم والإصلاح على 81 مقعدًا، وفي 2007 نالت حركة مجتمع السلم وحدها 51 مقعدًا.
وفي 2012 شاركت ثلاثة أحزاب إسلامية فقط في الانتخابات تحت تكتل “الجزائر الخضراء”، وكانت الحصيلة 48 مقعدًا.
لم يستوعبوا الدرس
ويعتقد الكاتب ورئيس تحرير مجلة الشروق العربي، حسان زهار، أن حصيلة الإسلاميين جاءت مخيبة؛ لكنها “متوقعة”.
ويرى أن ما حصلوا عليه “لا يمثل حقيقة التيار الإسلامي بالجزائر”؛ إذ إن “جلّ الإسلاميين فضّلوا المقاطعة، إلى جانب الأغلبية الكبرى من الجزائريين، بعد أن فقدت الانتخابات بمرور الوقت قيمتها مع تكرار التزوير والتلاعب بالأصوات”.
وأضاف في تصريحات صحفية أن الإسلاميين المشاركين في الانتخابات لم يستوعبوا الدروس، وما زالوا يعيشون في أوهام الحصول على مراتب متقدمة، وهو ما أظهرته “تصريحات قادتهم قبيل الانتخابات؛ حيث تحدث البعض منهم عن حصد 40% من مجموع المقاعد”.
وقال حسان إن “السلطة تحرص دائمًا على ضمان الإسلاميين كديكور انتخابي فقط، ولا تسمح لهم بالحصول على الأغلبية”، رافضًا القول بتراجع التمثيل الانتخابي للإسلاميين، مؤكدًا أن التيار الإسلامي الحقيقي يتمثل واقعيًا في أغلبية الممتنعين عن التصويت لفقدانهم الأمل في التغيير، ولإدراكهم أن العناوين الموجودة في الساحة ليست بديلًا حقيقيًا.
في أحضان السلطة
في المقابل، يعتقد المدون الجزائري معمر بودالي أن حصيلة الأحزاب الإسلامية كانت مُنتَظرة جدًا؛ لأنها “ارتمت في أحضان السلطة فعاقبها الشعب”.
ويقول في تصريحات صحفية إن “المشاركة الأخيرة هي السبب الوحيد لهذا العقاب؛ بل الواقع أن هذه الأحزاب فقدت رصيدًا شعبيًا معتبرًا، خاصة بعد حصيلتها السلبية من مشاركتها في البرلمان السابق”.
ويرى أن من أسباب “فشل الأحزاب الإسلامية عدم قدرتها على تجديد أساليب خطابها وطرق استقطابها للناخبين”. ورغم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الناخبين، فإن “هذا التيار -دون حركة مجتمع السلم التي استغلت متأخرة هذا الفضاء- ظل غائبًا تمامًا عن هذا المسرح”.
سقف المطالب
لكن الأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، قال إن التراجع لم يمس التيار الإسلامي فقط؛ بل تتشارك فيه كل الأحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات.
وحمّل جزءًا من المسؤولية في هذا إلى “التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي”، وهي تكتل جمع أغلب أحزاب المعارضة خلال العامين الأخيرين، ورفعت -على حد قوله- سقف مطالبها عاليًا بما سمتها وثيقة “مزفران”؛ مما شجع على العزوف، لأن البعض رأى في المشاركة تراجعًا عن مطلب الانتقال الديمقراطي.
وفي المقابل، قال إن الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال العامين الأخيرين دفعت الجزائريين إلى العزوف ومزيد من الغياب، ويؤكد أن تمثيل الإسلاميين الانتخابي لم يتراجع؛ بل تأثر بهذه الظروف التي دفعت كثيرًا من أنصارهم إلى الامتناع عن التصويت.
واتهم محمد ذويبي السلطة بـ”السطو على أصوات الناخبين”، وأشار إلى أن “قانون الانتخابات فيه ثغرات تحُول دون مراقبة كل مراكز الاقتراع المنتشرة في الجزائر”.