منذ اعتقال الدكتور محمد مرسي في 2013 وبدء محاكماته، كان جلّ تركيزه أثناءها على إثبات عدم دستوريتها وأنه ما زال رئيسًا للجمهورية، وأن ما حدث ضده من إجراءات انقلابٌ عسكريٌّ مكتمل الأركان، ولم يتطرق مرسي في محاكماته إلى أمور شخصية تخص حياته أو صحته سوى مرة واحدة في جلسة محاكمته في 2015.
وجاء حديث الدكتور مرسي أثناء محاكمته أمس السبت بتهمة إهانة القضاء عما يعانيه شخصيًا، وليس عن أمور عامة كالشرعية والوطن والانقلاب، ليمثل نقطة تحوّل في تعامل النظام معه كشخص. ورأى خبراء أن هذا التحول يعني أن الأمر أصبح جللًا وخطيرًا؛ حيث لم يُعرف عن مرسي الشكوى الشخصية رغم وجود المعاناة من البداية.
وآثر مرسي في سلسلة جلسات محاكمته، التي امتدت إلى العشرين، تحدي نظام عبدالفتاح السيسي والحديث عن الطابع السياسي لمحاكمته وبطلانها وتمسّكه بشرعية منصبه.
وأمس، كشف أمام محكمة جنايات القاهرة جانبًا مما يتعرض إليه من معاملة قاسية؛ بلغ حدَّ منعه من مقابلة أهله ومحاميه طوال أربع سنوات، وأن هناك أشياء يود مناقشتها مع محاميه تمسّ حياته الشخصية.
أخبار منقطعة
وفي تصريحات صحفية، قال نجله “عبدالله” إن والده معزول تمامًا عن العالم وأخباره “منقطعة” عن عائلته ومحاميه منذ السابع من نوفمبر 2013 حين زاره محاموه في محبسه بسجن برج العرب بالإسكندرية.
وقال عبدالله مرسي إنهم تقدموا بعشرات الطلبات إلى السلطات والمنظمات الحقوقية؛ إلا أنه “لم يحدث شيء”.
أمر مثير للشك
ويقول د. محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري السابق، إن “معرفته بشخصية مرسي تخوّله للقول إن الأمر خطير، وإن مرسي حينما يتحدث عن معاناة شخصية فالأمر أكبر بكثير من ذلك”.
ويضيف في تصريحات تلفزيونية أن “مرسي وكثيرًا من المعتقلين في عهد مبارك لم يتحدث أي منهم عن معاناة شخصية، وإن عانوا بالفعل؛ لكنهم آثروا دائمًا الحديث عن الأمور العامة”.
ويتابع محسوب أن ما تسرّب من محامين وقتما سُمِحَ لهم بلقاء مرسي قبل سنوات بأن معاملته كانت “مريبة”، مشيرًا إلى أن المسلسل الذي قُتل فيه معتقلون سابقًا بمنع الدواء عنهم -والدكتور مرسي ممن يتناولون الدواء بشكل مزمن- يراد له أن يتكرر معه، وأن “منع الدواء ربما يستهدف النتيجة التي حصلت مع آخرين ممن قضوا في السجون المصرية”.
ضغوط متواصلة
وكان مفترضًا أن تستمع المحكمة أمس إلى مرافعات دفاع الدكتور محمد مرسي؛ إلا أن محاميه سليم العوّا تنحى عن الترافع واكتفى بتقديم مذكرة مكتوبة، بعد تعرّض البرلماني السابق عصام سلطان إلى إغماء داخل قفص الاتهام؛ إذ اعتبر العوا حالة “سلطان” الصحية دليلًا على المعاملة القاسية داخل السجن.
وكتب مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، أن حرمان مرسي من الحقوق نفسها التي تمتّع بها الرئيس المخلوع حسني مبارك أيام اعتقاله “عار”.
ووصف الناشط السياسي إسلام لطفي تصريحات مرسي بأنها “عار سيظل يلاحق الجميع، حكومةً وقضاء وحقوقيين وسياسيين مؤيدين ومعارضين”.
وتساءل حمزة زوبع، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة: “أين أصحاب دكاكين حقوق الإنسان؟”.
ويسود اعتقاد واسع أن مرسي ورفاقه يتعرضون إلى عملية قتل بطيئة وممنهجة لتغييبهم في صمت، ليس لأن السلطات المصرية لم تتعهد قط بسلامة المعتقلين السياسيين بسجونها؛ وإنما أيضًا بالنظر إلى حوادث الوفاة المتواصلة في السجون المصرية نتيجة الإهمال الطبي وغياب الرعاية الصحية.