يوم الاثنين الماضي، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وثيقة سياسية جديدة للحركة حملت عنوان “وثيقة المبادئ والسياسات العامة”، وفي أول تصريحات له عقِب الوثيقة، قال رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، إن التفاوض المباشر مع إسرائيل في الفترة الحالية غير مجد ومخاطرة كبيرة.
وأعرب “مشعل” -في مقابلة خاصة للأناضول أجريت في الدوحة- عن ثقته في أن الوثيقة السياسية التي أصدرتها الحركة، الاثنين الماضي، تخدم المصلحة الوطنية وصورة القضية في العالم، وتساعد في ايصال موقف الحركة والشعب الفلسطيني إلى شريحة أكبر على المستوى الدولي.
وعن أجواء ما بعد إعلان الوثيقة، أوضح رئيس المكتب السياسي لحماس، أن هناك ارتياحاً كبيراً داخل الحركة بعد الإعلان الرسمي عن الوثيقة، وهي التي جاءت في ظل إجماع وتراضي عام عليها داخل الحركة، خاصة أنها تعكس الانفتاح والتطور في فكر الحركة وأدائها السياسي، مع المحافظة على أصالتها وشخصيتها وثوابتها وحقوق شعبها، وفي ظل الاهتمام العام والواسع بها.
وعن موقف إسرائيل من الوثيقة، أوضح مشعل: “إسرائيل منزعجة من أن تظهر حماس بهذه الصورة المنفتحة الواعية؛ تحسن مخاطبة العالم من حولها؛ مع بقائها بقوتها وأصالتها و مبادئها المنحازة للشعب الفلسطيني”.
وأضاف “اسرائيل تريد حماس ضعيفة على الأرض ومتشددة في لغتها السياسية؛ فأن تفعل حماس العكس؛ وأن تكون ذات فكر معتدل وعقل سياسي منفتح، وتحسن فيه مخاطبة شعبها وأمتها والساحة الإقليمية والدولية؛ فكل هذا يزعج إسرائيل بالتأكيد”.
وشدد على أن “إسرائيل تسعى دائماً لتشويه الموقف الفلسطيني، وإلصاق صفة التشدد والإرهاب بشعبنا، في الوقت الذي تحاول بهذه التهم أن تخفي سلوكها الحقيقي في القتل وسفك الدماء وسرقة الأرض، ورفض أي حل عادل ينصف شعبنا، والتعامل مع العالم كله بازدراء”.
غير أنه أكد في المقابل أن “حركة حماس لديها الثقة من أن هذه الوثيقة تساعد على إيصال موقف حماس والشعب الفلسطيني إلى شريحة أكبر وكسب المزيد من الأنصار في العالم”.
التفاوض المباشر مع إسرائيلوإجابة منه على سؤالنا حول التفاوض المباشر مع إسرائيل، أوضح مشعل أن “التفاوض مع الأعداء مشروع من حيث المبدأ حين يلزم؛ فهو سياسة قابلة للتغير؛ فمن حق أي حركة أو دولة أن تفاوض عدوها حين يكون ذلك ضرورياً ومحققاً لغاياته، بشرط اختيار اللحظة المناسبة التي يكون فيها ميزان القوى والوضع على الأرض مناسباً ويجبر العدو على التسليم بحقوقنا، وتاريخ أمتنا والأمم الأخرى حافل بالأمثلة على ذلك”.
لكنه أكد أن “سياسة الحركة في هذه الفترة الحالية هي عدم التفاوض المباشر مع إسرائيل”، معللاً ذلك أن “لحظة التفاوض المجدية في إدارة الصراع ليست متوفرة؛ فالعدو لم يجنح للسلام ولم يعترف بحقوقنا، ولا يشعر اليوم أن هناك ما يجبره على التراجع والانسحاب والاعتراف بحقوق شعبنا؛ وبالتالي فالتفاوض هنا غير مجد ومخاطره كبيرة”.
وذكر مشعل بأن إسرائيل “اعتادت استخدام التفاوض كعلاقات عامة لخداع العالم بأنها تريد السلام؛ وتستغل كذبها وخداعها هذا لفرض المزيد من مشاريعها في الاستيطان وسرقة الأراضي والتهويد وتغيير الواقع على الأرض بما يحول دون أي خيارات مستقبلية”.
وأضاف قائلاً، إن إسرائيل تستغل هذه المفاوضات في استنزاف سقوف المواقف الفلسطينية والعربية؛ وإغراق المفاوض الفلسطيني والعربي في التفاصيل، والبدء في كل جولة جديدة من حيث انتهى التنازل والتراجع في الجولة التي سبقتها، وهذا أمر بالغ الخطورة”.
ودعا دول العالم وهيئاته إلى الانفتاح على مختلف مكونات الشعب الفلسطيني وحركاته المقاومة، والتخلي عن وضع شروط مسبقة لذلك هي في الحقيقة قيود أرادها الاحتلال الإسرائيلي وليست نابعة من مصالح دول العالم.وطالب تلك القوى الدولية بالتعامل بإنصاف وجدية مع القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا في الحرية والتحرر والعودة وتقرير المصير، وإدراك حقيقة أن أساس المشكلة هي في الاحتلال وفي السياسات الممارسات والمواقف الإسرائيلية، وليست في الموقف الفلسطيني أو العربي.
وعن الحركات الإسلامية والوثيقة وحول تأثير الوثيقة على تجارب الحركات الإسلامية في مجال فكرها وعملها السياسي، قال مشعل إن حماس من خلال فكرها وأدائها السياسي تقدم نموذجاً تؤمن به، وتمارسه عملياً، وترى أنه الأصلح للحركات الجادة والمتطورة، وهو الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين التمسك بالثوابت والمرونة والانفتاح، والسعي الدائم إلى المزيد من التطور والفعالية والتجدد والإبداع، بما يوصل إلى النجاح وتحقيق الأهداف، ويعزز الثقة والرضا بين أبناء تلك الحركات.
وكما نحن نستفيد من تجارب غيرنا في المنطقة وفي العالم، فإننا نأمل أن تستفيد الحركات الإسلامية وغيرها من تجربة حماس، مع إدراكنا لاختلاف الظروف والخصوصيات بين حركة وأخرى، واختلاف ساحاتها وبيئاتها.
مشعل بعد ترك موقعه وحول دوره بعد انتهاء فترة رئاسته للمكتب السياسي لحركة حماس؛ أكد أنه بصرف النظر عن موقعه فإنه سيواصل دوره في خدمة حركته وقضيته وشعبه، والتفاعل مع هموم أمته ومختلف قضايا الإنسانية.
واختتم قائلا: “كما قدمت حماس بفضل الله نموذجاً متميزاً في المقاومة والسياسة؛ فإنها تقدم نموذجاً رائداً في عمق الشورى والديمقراطية في عملها وتجديد مؤسساتها وقيادتها، وفي تواصل عمل القادة واستمرار دورهم بصرف النظر عن مواقعهم”.