جاءت وثيقة حماس التي أعلن عنها أول أمس لتثير تساؤلات عدة خاصة فيما يتعلق بالمقاومة والتفاوض رغم تأكيد الوثيقة على عدة ثوابت ومنها “فلسطين من البحر إلى النهر” وعدم التنازل عن أي شبر منها والتمسك ببندقية المقاومة ورفض أي مشروعات استسلامية.
ولكن ما جاء في الوثيقة من القبول بحدود الدولة الفلسطينية علي حدود 4 يونيو 1967، فتح الباب حول التساؤل، باتجاه الحركة للتفاوض والتفاهم والذهاب باتجاه مشروعات تسوية مثل أوسلو والمبادرة العربية وقرارات مجلس الأمن وغيرها.
وتأتي هذه التساؤلات بعد تراجع المشروع المقاوم إلى حد ما حيث التضييق الشديد علي حماس ومحاولة حسارها بعد تراجع الربيع العربي وخسارة حضانات إسلامية كبيرة مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ثم جاء انخراط حزب الله في سوريا وتراجعه عن مواجهة إسرائيل في الجنوب اللبناني ومن قبله كانت حركة فتح اختارت الخيار السلمي والتفاوضي عبر اتفاقية أوسلو، والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هل تراجع فكر المقاومة لصالح فكر التفاوض؟ وهو ذلك السؤال الذي فرض نفسه بقوة خلال الساعات الماضية عقب إعلان حماس وثيقتها.
وبحسب الخبراء فإن الوثيقة الجديدة أصبحت أكثر مرونة وأقل تأثرًا في الجوانب العاطفية من الوثيقة السابقة التي أعلنت في العام 1988.
خاصة أن حركة حماس قد اعتبرت هذه الوثيقة قد طوت الوثيقة الأولى لها قبل نحو 30 عامًا، بحيث أن “الوثيقة الجديدة أصبحت أكثر مرونة وأقل تأثرًا في الجوانب العاطفية من الوثيقة السابقة”، حيث أن التطورات على الساحة الفلسطينية والإقليمية باتت تتطلب ذلك.
وكانت قيادات في الحركة طالبت خلال السنوات الأخيرة بأن يتم تجديد ميثاق الحركة، بحيث يكون “مبنيًا على أفكار جديدة تنسجم مع طبيعة الواقع، وطبيعة البُنية التنظيمية للحركة؛ باعتبار أنها تتقدم الفصائل الفلسطينية اليوم، وتقود شعباً في قطاع غزة.
ثوابت الوثيقة
اعتبرت “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967، هي “صيغة توافقية وطنية مشتركة” مؤكدة أنه “لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال”.
وأكدت الوثيقة التي وجاءت في 42 نقطة مقسمة على 12 عنوانا أن القدس عاصمة فلسطين، وأن “المسجد الأقصى المبارك حق خالص لشعبنا وأمتنا”، معلنة رفضها “كل المشروعات والمحاولات الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين” وأنه “لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، وشددت على أنه لا “بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا، من نهرها إلى بحرها”.
الموقف من الاحتلال والتسوية السياسية
والنصوص التالية التي وردت بالوثيقة ربما تكون هي المثيرة للجدل بعض الشئ لانها تتعلق بالتسوية من ناحية والتمسك بالمقاومة من ناحية أخرى ففي البند الثامن عشر يقول إنه ” يُعدُّ منعدماً كلٌّ من تصريح “بلفور”، وصكّ الانتداب البريطاني على فلسطين، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وكلّ ما ترتّب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات؛ وإنَّ قيام “إسرائيل” باطلٌ من أساسه، وهو مناقضٌ لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولإرادته وإرادة الأمة، ولحقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية، وفي مقدّمتها حقّ تقرير المصير.
ثم يأتي البند 19 ليؤكد علي عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني بالقول “لا اعترافَ بشرعية الكيان الصهيوني؛ وإنَّ كلّ ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطلٌ؛ فالحقوق لا تسقط بالتقادم.
ويقول البند 20 لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض حماس أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها.
إلى هنا والأمور عادية ولكن الجزء الآخر من هذا البند هو مايثير الجدل بالقبول بدولة بحدود 4 يوينو وفي المقابل يتساءل البعض هل هذا يعني بالتفاوض مع إسرائيل ؟ حيث جاء الجزء المكل لهذا البند كالتالي:
ومع ذلك -وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية – فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة.
ورغم ما سبق من قبول بمبدا الدولة المشار اليه الاانه في البند التالي يرفض القبول باسلو واي مشروعات تسوية اخري حيث جاءالبند كالتالي:
-تؤكد حركة حماس على أن اتفاقات أوسلو وملحقاتها تخالف قواعد القانون الدولي الآمرة من حيث إنها رتبت التزامات تخالف حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولذلك فإن الحركة ترفض هذه الاتفاقات، وما ترتب عليها من التزامات تضر بمصالح شعبنا، وخاصة التنسيق (التعاون) الأمني.
والبند التالي يقول “ترفض حماس جميع الاتفاقات والمبادرات ومشروعات التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو الانتقاص من حقوق شعبنا الفلسطيني، وإنَّ أيَّ موقفٍ أو مبادرةٍ أو برنامجٍ سياسيّ يجبُ أن لا يمس هذه الحقوق، ولا يجوزُ أن يخالفها أو يتناقضَ معها”.
المقاومة والتحرير
ورغم ما تم الاشارة اليه من قبول بالدولة المؤقتة اذا جاز التعبير فقد اكدت الحركة علي المقاومة ويتم طرح التساؤل هنا ايهما يكون في المقدمة المقاومة ام التفاوض؟ وجاء في البند 24و25 و26 التأكيد علي هذه الثوابت ولكن هل يسمح الظرف الدولي باستمرار هذه الخيارات حتي النهاية ام ستلجا الحركة للتفاوض كتكتيك يمنحها هدنة مؤقتة وفرصة لمزيد من البناء العسكري وجاءن البنود كالتالي:
(24) إنَّ تحرير فلسطين واجب الشعب الفلسطيني بصفة خاصة، وواجب الأمة العربية والإسلامية بصفة عامة، وهو أيضاً مسؤولية إنسانية وفق مقتضيات الحق والعدل. وإنَّ دوائر العمل لفلسطين سواء كانت وطنية أم عربية أم إسلامية أم إنسانية هي دوائر متكاملة متناغمة، لا تعارض بينها.
(25) إنَّ مقاومة الاحتلال، بالوسائل والأساليب كافة، حقّ مشروع كفلته الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الدولية، وفي القلب منها المقاومة المسلحة التي تعدُّ الخيارَ الاستراتيجي لحماية الثوابت واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني.
(26) ترفض حماس المساس بالمقاومة وسلاحها، وتؤكد على حق شعبنا في تطوير وسائل المقاومة وآلياتها. وإنَّ إدارة المقاومة من حيثُ التصعيدُ أو التهدئة، أو من حيث تنوّعُ الوسائل والأساليب، يندرج كلّه ضمن عملية إدارة الصراع، وليس على حساب مبدأ المقاومة.
ويبدو من خلال البنود الخاصة بقبول الدولة الفلسطينية بحدود يونيو والاصرار علي المقاومة كخيار جاء عاكسا للظرف الدولي الراهن الذي لا يروق لحماس وجعلها في حيرة من امرها بعض الشئ وان كانت تعاملت مع الامر ببرجماتية فيها قدر من الذكاء حيث انهيار مشروع الربيع العربي وتراجع التنظيم الام والحاضنة الكبري وهي جماعة الاخوان المسلمين وبالتالي جاء طرح حماس عاكسا لهذه الاجواء التمسك بالجوهر وحمايته بطرح تفاضي اني وبرجماتي اتقاء لشر ما جري للحركات الاسلامية الاخري.