شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المرزوقي للسيسي: قتل السياسة ليس حلا.. لا تزرع الريح فتحصد العاصفة

المرزوقي للسيسي: قتل السياسة ليس حلا.. لا تزرع الريح فتحصد العاصفة
"لا مجال اليوم في أرض الكنانة لأيّ حوار أو تفاوض مع المخالفين في الرأي، وإنما كل المجال لاضطهادهم والتنكيل بهم. كما لم يعد هناك مجال لأهداف السياسة، أي خفض الاحتقان داخل المجتمع وتطويق بؤر التوتّر والتوجّه إلى مصادر

“لا مجال اليوم في أرض الكنانة لأيّ حوار أو تفاوض مع المخالفين في الرأي، وإنما كل المجال لاضطهادهم والتنكيل بهم. كما لم يعد هناك مجال لأهداف السياسة، أي خفض الاحتقان داخل المجتمع وتطويق بؤر التوتّر والتوجّه إلى مصادر العنف -كالفقر والتهميش والظلم- لتجفيف منابعها؛ وبالتالي رفع مستوى السلمية داخل المجتمع”.

هكذا لخّص الرئيس التونسي الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي الحالة المصرية وواقعها السياسي في مقال رأي مطوّل تحت عنوان “موت السياسة.. سياسة الموت في مصر السيسي” نشره موقع “الجزيرة نت”، استعرض فيه كيف أن ثقافة الاستبداد والقمع التي ينتهجها السيسي في حكم مصر، حسب رؤيته، قد أتت على كل ما هو قائم في المشهد السياسي المصري قبل انقلاب يوليو 2013.

حيث يرى المرزوقي أن السيسي أراد القضاء على كل ما يمت إلى عمل المدنيين في السياسة بصلة؛ فالمناضل المسالم في عين السيسي كالإرهابي تمامًا طالما أنه معارض له ولحكمه.

أيمن نور ومحمد مرسي

واستهل المرزوقي مقاله باستشهادٍ بحالة المرشح الرئاسي المصري السابق أيمن نور، الذي حكم عليه القضاء المصري مؤخرًا بالسجن خمس سنوات. وكتب المرزوقي: الثابت أن أيمن نور مناضل ديمقراطي لم يَدْعُ -في يوم من الأيام- إلى العنف؛ بل كان دوما من أنصار البحث عن الحلول السياسية، ومع ذلك أُجبِر على المنفى وحُجز جوازه وعُلقت به قضايا عديدة مفتعلة.

وتابع: هو للأسف نموذج لظاهرة تشمل الآلاف من المعارضين، أشهرهم الرئيس محمد مرسي الذي يقبع في السجن منذ ذلك الصيف المشؤوم، صيف 2013. وهو أيضًا لم يكفّ -إلى آخر لحظة- عن الدعوة إلى حلول سياسية، ومناشدة المصريين المحافظة على سلمية مظاهراتهم، ومع ذلك حُكم عليه بالإعدام.

ويرى المرزوقي أن أيمن نور ومحمد مرسي نموذجان، أحدهما للتيار العلماني والآخر للإسلامي، “أصرّا على معالجة مشاكل مصر بالوسائل السياسية؛ فوُوجها كما وُوجه الآلاف من أنصارهما بالقوة الفظّة”.

واعتبر أن هذين النموذجين معبّران جيدان عن سياسة السيسي الذي يسعى إلى شيء واحد في نظر المرزوقي هو قتل السياسة ذاتها؛ فلا أيمن نور حمل سلاحًا ولا محمد مرسي دعا إلى قتل أحد. ويقول المرزوقي في هذا الصدد إن أهمية الظاهرة -القضاء على كل معارض- ليست فقط تكلفتها الإنسانية الباهظة، وإنما ما تخفيه؛ أي سعي السلطة المصرية الحالية لقتل السياسة عمدًا وبسابق الإضمار.

في تعريف السياسة

ويأتي المرزوقي بعد ذلك على تعريف السياسة ذاتها قائلًا: من الصعب تحديد مفهوم واحد أو تعريف يرضي الجميع للسياسة؛ نظرًا لكثرة مداخلها ومخارجها ومستوياتها، لكنه يمكن التقدم برؤية تحدد السياسة بكونها فنّ إدارة الصراع مع الأعداء والخصوم بكيفية تؤخر أو تلغي المواجهة العنيفة، وفنّ إدارة شؤون المجتمع بكيفية تخفض مستوى الاحتقان وتجعل حل الخلافات بالعنف استثناءً لا قاعدة.

ويتابع: معنى هذا أن السياسة تُعرّف بأهدافها؛ أي تحقيق المصالح دون إراقة الدم، وبوسائلها المفضلة؛ أي الحوار والتفاوض والبحث عن حلول وسطية مع الأطراف الوطنية، وبالدبلوماسية مع الأطراف الخارجية.

وقال: في اللهجة التونسية معنى لا يغيب دومًا في فهمنا نحن التونسيين للسياسة؛ حيث يعني فعل ”سايس” بالعامية: “ترفّق، كن ليّنا، انتبه لخطورة ما تفعل”. وعندما نقول لسائق متهوّر ”بالسياسة” فإننا نعني سق بتأنّ وبلطف ودون عدوانية، وفي الفصحى ساس الشيء يعني أحكم التدبير فيه بتحكيم العقل، وروّضه. 

السياسة هي الأصل

وفسّر المرزوقي بشكل أدقّ رؤيته للسياسة مستشهدًا بمقولة المُنظِّر الشهير للاستراتجيات العسكرية كلاوسفيتز: “الحرب هي مواصلةٌ للسياسة بوسائل أخرى”، ويرى أنه قد جعل السياسة هي الأصل والحرب استثناء؛ أي إن العنف ليس أصلًا في وسائل الحكم أو إدارة الأمور بشكل عام.

ومن هنا، يؤكد الرئيس التونسي الأسبق أن السيسي لا يريد ممارسة السياسة؛ بل يريد أن يكون الأصل هو العنف. وقد نجح بشكل أو بآخر في إقناع قطاع من العامة أن هذا هو الطريق السليم لقيادة الدولة؛ رغم أن هذا القطاع شاهد كيف قاد من هم سابقون على السيسي في حكم مصر قبل ثورة يناير الدولة بالعنف ولم يصلوا إلى شيء.

صورة من المشهد المصري

ويستطرد قائلًا: فلا مجال اليوم في أرض الكنانة لأي حوار أو تفاوض مع المخالفين في الرأي؛ وإنما كل المجال لاضطهادهم والتنكيل بهم. كما لم يعد هناك مجال لأهداف السياسة، أي خفض الاحتقان داخل المجتمع وتطويق بؤر التوتّر، والتوجه إلى مصادر العنف -كالفقر والتهميش والظلم- لتجفيف منابعها؛ وبالتالي رفع مستوى السلمية داخل المجتمع.

ويضيف: على العكس من هذا، كل ما نراه اليوم هو إجراءٌ وراءَ إجراءٍ يرفع الاحتقان، ويزيد الضغط على المجتمع بتزايد الانتهاكات لأبسط حقوق الإنسان، ويدقّ الإسفين بين مكونات الشعب الواحد، والتصرف -خاصة في سيناء- وكأنّ القصد دفع الناس إلى العنف الأقصى والانضمام للإرهاب وليس محاربته.

سياسة الموت

وينتقل المرزوقي إلى ما يراه أخطر في حكم مصر من قتل السياسة، وهو “سياسة الموت”، التي يرى أن السيسي يتوغل فيها يومًا بعد يوم، مستشهدًا بقتل المدنيين في شققهم وادّعاء قتلهم أثناء المطاردة وتبادل إطلاق النار.

وكتب المرزوقي نصًا إن “المناظر المرعبة التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي حول تصفية مدنيين في سيناء تذكّر بالكيفية التي صُفّي بها اعتصام ميدان رابعة، وبالكيفية -التي لا تقل عنها بشاعة- في التعامل مع آلاف المعتقلين الذين تكتظّ بهم سجون مصر”.

دروس من العمق.. قتل السياسة عبث

ويصل الرئيس التونسي الأسبق إلى “دروس” يستطيع المراقب المدقق لحال مصر أن يقف عليها جراء سياسة السيسي الحالية من قتل للسياسة أو قتل للمعارضين؛ الدرس الأول هو أن “عبث محاولة قتل السياسة في كل الحالات والعصور يتواصل خارج المنظومة المغلقة بتجمع كل قوى المعارضة، وأحسن عامل لتوحيدها أخطاء وخطايا منظومة تعيش وهْم قدرة السيطرة بالعنف على كل المشاكل”.

هي تتواصل داخله وبالرغم عنه، كل ما في الأمر أن الحوار والتفاوض والبيع والشراء يقع همسًا، وفي كنف السرية، والهدف القضاء على نظام جنّ جنونه؛ لأنه أصبح يعمل ضدّ مهمته الرئيسة التي وُجد من أجلها، أي خفض العنف والاحتقان إلى أقصى درجة ممكنة.

سخرية مريرة

أما الدرس الثاني في نظر الكاتب أن ”سياسة الموت” ترتدّ دومًا على أصحابها وفق القانون الذي سنّه السيد المسيح: ”من عاش بحدّ السيف مات به”. ثمة أيضًا المقولة الرومانية المحمّلة بسخرية مريرة: يستطيع الطاغية أن يقضي على كل أعدائه؛ لكنه لا يستطيع القضاء على من سيخلفه، ومن الحِكَم أيضًا -التي ينساها كل طاغية- مقولة: من يزرع الريح يحصد العاصفة.

فالقانون التاريخي يقول إن ”سياسة’ الموت” لم تحفظ أي نظام عنيف من السقوط؛ لأن قوانين العالم تجعله يضعف بكل ضربة يوجهها لخصومه الحقيقيين والوهميين.

هو بوسائل سياسة الموت مثل طبيب جاهل يفرط في وصف المضادات الحيوية، فيقتل الجراثيم الخبيثة المضرة بالجسم وأيضًا بالميكروبات الصالحة لتوازنه؛ لكنه يصطفي الجراثيم التي تظهر مناعة ضد الدواء فتتكاثر لتسفيه الطبيب وتعجيزه.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023