يبدو أن قضاة مصر في موقف لا يحسدون عليه في هذه الفترة بعد تحدي مجلس النواب لهم بإقرار قانون الهيئات القضائية، وزاد الأمر تعقيدا بعد تصديق السيسي عليه ونشره في الجريدة الرسمية بل ورفض السيسي مقابلتهم حسب بعض المصادر القضائية.
وجاءت هذه التطورات لتضع الجمعية العمومية لنادي القضاة التي ستعقد الجمعة القادمة في تحد كبير وأمام أسئلة صعبة وإجابات أصعب من قبيل هل سيظل القضاة علي موقفهم الرافض للقانون؟ وما هي أساليب الرفض والتصعيد وهل سيتقدمون باستقالات جماعية أم يلجأون للدستورية العليا؟ هذه الأسئلة وغيرها بالتاكيد ستتم الإجابة عليها الجمعة القادمة.
تصعيد متسارع
وصعدت الموافقة النهائية للسيسي ومن قبله لمجلس النواب على تعديل طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وتيرة الأحداث في نادي قضاة مصر، ففي الوقت الذي انتظر فيه الجميع مقابلة عبد الفتاح السيسي، للقضاة وفقًا لطلبهم السابق جاء الرد بالرفض وأصبح الحشد لجمعية عمومية طارئة هو الطريق الوحيد لاتخاذ قرارت جماعية محسوبة على عموم القضاة وملزمة لهم في مواجهة القانون.
وحول هذه الجمعية المرتقبة قال، المستشار محمد عبد المحسن، رئيس نادي القضاة، أن الجمعية العمومية المقبلة المقررة في 5 مايو هي جزء من هذا الاحتجاج، ورسالة بأن القضاة لن يوافقوا أبدًا على أي مساس باستقلال القضاء وستكون تأكيدا على قرارات النادي السابقة التي هي بمثابة احتاج رسمي على القانون.
وأشار إلى أن النادي بدأ بالفعل التواصل مع القضاة لحضور الجمعية العمومية المقرر لها يوم الجمعة، الموافق 5 مايو المقبل، كي يتمكن جميع القضاة من إبداء مقترحاتهم والوصول في النهاية إلى قرارات ملزمة صادرة عن جمعية عمومية.
جمعية النقض
وفي سياق الجمعيات العمومية؛ أكد المستشار حسين فتحي، نائب رئيس محكمة النقض، أن قضاة ومستشاري محكمة النقض كانوا قد اتخذوا خطوات فعلية لعقد جمعية عمومية للمحكمة يوم 2 مايو، وجاءت موافقة مجلس النواب على القانون لتعجل بموعد انعقادها.
وأضاف “فتحي”: “الهدف من الجمعيات العمومية هو إضفاء الصفة الرسمية على القرارات الصادرة عن نادي القضاة، بعد مناقشتها وتقديم مقترحات جديدة، ثم الانتهاء بقرارت ملزمة للجميع”.
وأشار إلى أن جمعية محكمة النقض ستكون بمثابة مقدمة، وما يصدر عنها من توصيات ومقترحات ستكون محل إجماع القضاة في عمومية الجمعة 5 مايو، وذلك باعتبار أن القانون يمس محكمة النقض ورئيسها الذي يمثل أعلى سلطة في القضاء العادي، مؤكدًا إجماع القضاة على رفضهم القانون.
ولكن في المقابل أكدت المحكمة، في بيان لها، عدم صحة ما يتم تداوله عن انعقاد جمعية عمومية غير عادية، موضحة أن رئيس المحكمة لم يدع لانعقاد جمعية عمومية غير عادية، كما لم يتقدم أحد من قضاة المحكمة أعضاء الجمعية حتى صدور هذا البيان بطلب لعقدها وفقا لأحكام قانون السلطة القضائية.
وكان نادي قضاة مصر قد دعا إلى جمعية عمومية طارئة لمحكمة النقض، يوم 2 مايو المقبل، لرفض قانون السلطة القضائية، وتعديلات طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، لافتًا إلى وجود توقيعات من 436 قاضيًا بالمحكمة يرفضون قانون السلطة القضائية.
استقالة جماعية
وفي خطوة تصعيدية أخرى كشف مصدر قضائي، كواليس اجتماع نادي قضاة مصر الذي عٌقد مؤخرا، وقال إن استقالة المجلس قرار نهائى احتجاجا على انتهاك استقلال القضاء، مشيرا إلى أنهم سيقومون بعرضها على اجتماع الجمعية العمومية لمحكمة النقض المقررة في 2 مايو المقبل، وفقا لصحيفة “التحرير”.
وكان النادي أعلن عن 7 تحركات ومطالب أساسية ضد إقرار التعديلات، أولها «الدعوة لعقد جمعية عمومية لقضاة مصر بدار القضاء العالي اليوم الجمعة الموافق 5/5/ 2017، الساعة 2 ظهرًا للتدارس في القرارات الواجب اتخاذها، وطرح استقالة مجلس إدارة النادي على الجمعية احتجاجًا على انتهاك استقلال القضاء».
وطالب النادي، المستشار رئيس محكمة النقض، بالدعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية، لمحكمة النقض يوم الثلاثاء الموافق 2/5/2017، تنفيذًا لطلبات السادة أعضاء المحكمة والبالغ عددهم 436 عضوا، وإلا تعتبر الدعوة للجمعية قائمة للسادة أعضاء المحكمة بذات التاريخ الساعة 12 ظهرًا لتسمية رئيسها.
وهناك طرق أخرى للتصعيد منها الطعن على القانون بكافة طرق الطعن المقررة قانونًا، وعلى السادة القضاة بإرسال رسائل احتجاج لصالح صندوق تحيا مصر، ليعربوا عن أن اعتراضهم على القانون من أجل شعب مصر».
تصعيد السلطة
من جانبه رفض السيسي استقبال القضاة حسب ما كشف عنه محمد عبدالمحسن، رئيس نادي قضاة مصر، مؤكدا رفض السيسي مقابلته وأعضاء النادي، والاستماع لاعتراضاتهم على قانون “الهيئات القضائية”، مشيرا إلى تخلي مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل عنهم في القرارات التي اتخذها النادي تجاه تلك الأزمة.
وسبق ذلك تصديق عبد الفتاح السيسي، على القانون ونشرت الجريدة الرسمية القانون تحت رقم 13 لسنة 217، في عدد الخميس،
ويتضمن القانون الذي نشرته الجريدة الرسمية مساء الخميس، تعديل أحكام قانون هيئة النيابة الإدارية، وقانون هيئة قضايا الدولة، وقانون السلطة القضائية وقانون مجلس الدولة، ويعطي القانون لرئيس الجمهورية الحق في اختيار رئيس كل هيئة من بين 3 من نواب ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة.
وكان مجلس النواب وافق، الجمعةقبل الماضية، بأغلبية ثلثي الأعضاء، بالتصويت وقوفا، على تعديلات قانون السلطة القضائية، حيث فوجئ الأعضاء بإدراج مشروع القانون على جدول أعمال الجلسة العامة، بعد ساعات من إحالته بمعرفة اللجنة التشريعية، دون مناقشة أسباب رفض قسم التشريع بمجلس الدولة، مشروع القانون التي قال فيها إنه غير دستوري.
رفض جماعي
وفي رفض جماعي رفض نادي القضاة ومجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى القرار فقد أعلن رفضهم للقانون وطالب الرئيس بعدم التصديق عليه ودعا الناديين أمس لمجموعة من الإجراءات التصعيدية في مواجهة البرلمان.
وقرر مجلس إدارة نادي مجلس الدولة في اجتماعه الطارئ أمس، عدم الإشراف على الانتخابات البرلمانية مستقبلا. وطالب المجلس بإنهاء ندب قضاة المجلس لدى مجلس النواب. ودعا القضاة لتسجيل اعتراضهم على قانون تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية في محاضر جلسات المحاكم.
ورفض مجلس القضاء الأعلى، برئاسة المستشار مصطفى شفيق، بالإجماع، مشروع قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وذلك خلال اجتماعه اليوم الأحد، بدار القضاء العالي.
وقال المستشار عادل الشوربجى، النائب الأول لرئيس محمة النقض، وعضو مجلس القضاء الأعلى لـ”اليوم السابع”: ” ناقشنا مشروع القانون المقترح من النائب أحمد حلمى الشريف، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب، لتعديل طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، واتخذنا قرارا بالإجماع برفض مشروع القانون”.
غضبة واجبة
وتعليقا علي هذه التطورات، قال المستشار أحمد مكي، وزير العدل الأسبق، “لوقف ما يجري ضد القضاة لا بد من غضبة قوية من جانبهم لرفض كل ما يحاك ضدهم وتوظيف السلطة التشريعية من جانب السلطة التنفيذية لمعاقبة القضاء المصري حيث صار مجلس النواب العوبة واداة في يد السلطة التنفيذية لإطلاقها على سلطة ثالثة بحكم الدستور وهي السلطة القضائية متسببة في صراع بين السلطات بهدد كيان واستقرار الدولة”.
وأضاف “مكي”، في تصريحات خاصة لـ”رصد”: “هناك عدة طرق أولها عقد الجمعيات العمومية للمحاكم وإصدار البيانات المنددة بما يجري أيضا عقد الجمعيات العمومية لنوادي القضاة، ورفض ما يجري ببيانات قوية وواضحة وكذلك إعلان القضاة رأيهم فيما يجري خلال الجلسات والمحاكمات وتسجيل ذلك بوضوح وبالنسبة للإضراب أرى أنه خطوة متأخرة جدا لأني لست مع تعطيل العدالة ويمكن اللجوء إليه كآخر ورقة إذا فشلت الخطوات السابقة”.
وأشار “مكي” إلى أن الدولة تحاول القضاء على المؤسسات من خلال الدخول معها في صراعات، مشيرا في ذلك للصدام بين القضاة والسلطة التنفيذية، مؤكدا أن هذا من طبائع الاستبداد لأن من يقوى على مقاومة الاستبداد وإيقافه هي المؤسسات، وبالتالي يكون المخطط هو القضاء على هذه المؤسسات بكل الطرق وهو ما يجري الآن مع القضاة عبر عدة قوانين مثل قانون السلطة القضائية، وغيره وكذلك ما جرى من قبل مع نقابة الصحفيين واقتحامها هذا كله يؤشر على ضيق هذه السلطة بالمؤسسات خاصة تلك الحريصة على أداء دورها.
الطعن هو الحل
من جانبه أكد المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أنه بإقرار البرلمان للقانون وتصديق السيسي عليه أصبح حاليًا محلا للطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، المنوطة بنظر الطعون في هذه الحالة عليه، مشيرا إلى أنه يمكن أن يتقدم بالطعن أحد الأشخاص أو أية جهة قضائية.
وأضاف “الجمل”، في تصريحات صحفية “أنه كان على البرلمان إعادة النظر في القانون والأخذ في الاعتبار ملاحظات قسم التشريع والفتوى بمجلس الدولة، طبقا للدستور والأعراف الدستورية”.
ورأى الدكتور عصام الإسلامبولي، الفقيه الدستوري، أن القانون يمكن الطعن عليه كغيره من القوانين العادية، على أن يتقدم الأشخاص بطلب الطعن إلى مجلس الدولة، أو أحد أفراد محكمة النقض أمام دائرة شؤون الأعضاء، ومن ثم يتم إحالة الطعن إلى المحكمة الدستورية العليا، على شرط أن يكون خلال 60 يوما من تاريخ صدور القرار.