منذ استيلاء عبدالفتاح السيسي على حكم مصر لم تتوقف خطوات مؤسسة الرئاسة في فتح الجبهات الواحدة تلو الأخرى في حالة من الحرب الباردة، ربما تصل أحيانًا إلى مرحلة من السخونة مع هيئات وجهات عديدة كانت سندًا قويًا للسيسي في الثالث عشر من يوليو 2013؛ فدخل في مواجهات مختلفة مع رجال أعمال وأصحاب مشروعات صغيرة، بدأت بتصريحه الشهير “هتدفع يعني هتدفع” وانتهت بإغلاق ما يربو على أربعة آلاف مصنع وورشة صغيرة.
آخر هذه المعارك الهجوم الشديد على الأزهر، الذي اتضح أن السيسي أيضًا ليس لديه مانع في الدخول مع شيخه في معركة قد تكون نهايتها على يد مجلس النواب الذي يُحضّر لقانون يهمش شيخ الأزهر والأزهر ذاته. ثم كان ما تم بسرعة البرق، وهو تصديق السيسي على قانون الهيئات القضائية الذي يسمح له باختيار رؤساء محاكم ومسؤولين في السلك القضائي الذي لطالما حرص على استقلاله.
وجاء تصديق عبدالفتاح السيسي على قانون الهيئات القضائية بشكل سريع ولافت مصاحبًا معه نبرات عالية من الاعتراض والدهشة بين أوساط عديدة ظنت يومًا أن السيسي قد يدعم دولة مؤسسات ترقى بالشعب المصري إلى ما يطمح إليه.
خوض المعركة
في تصريحات صحفية، قال رئيس محكمة استئناف المنصورة السابق المستشار عماد أبو هاشم إنه لا بد للقضاة من تكوين جبهة “لخوض معركة مع السيسي الذي يصنع مذابح للقضاء من وقت لآخر”.
واستبعد أبو هاشم تكرار مشاهد الاحتجاج القضائي ضد السلطة بعدما جرى التخلص من كل رموز تيار الاستقلال، كما أن القانون يمسّ المرشحين لمناصب عليا ويؤثر بشكل غير مباشر على عموم القضاة.
انتقاص الاستقلال
وحول رؤيته للقانون وتداعيات إقراره، يرى المستشار حسن ياسين، المساعد الأسبق للنائب العام، أن هذه التعديلات تجعل للسلطة التنفيذية وأجهزتها سلطانًا على القضاء؛ مما ينتقص من استقلاله، فضلًا عن أن “رئيس مجلس القضاء الأعلى في الوقت ذاته رئيس المجلس الأعلى للتأديب؛ وبالتالي سيكون مجلس تأديب القضاة تحت سيطرة السلطة التنفيذية”.
وأوضح أن قانون السلطة القضائية يحتاج إلى تعديلات ضرورية ليتماشى مع الدستور؛ منها مدة النائب العام وطريقة اختياره، وإلغاء الانتدابات، ووضع ضوابط للتعيين في النيابة العامة، وليست التعديلات التي وافق عليها البرلمان.
وتوقّع ياسين في حوار تلفزيوني ألا تتجاوز تحركات القضاة ضد القانون “البيانات ومناشدة السيسي الذي يتناسون أنه خصمهم الحقيقي”، وأضاف أن مجلس النواب “ما هو إلا أداة لتمرير هذه التعديلات، والسيسي لن يلتفت إلى هذه التصريحات والمناشدات التي تصدرها قيادات الهيئات القضائية ومتصدرو المشهد من القضاة لمجرد ذرء الرماد في العيون أمام جموع القضاة”.
والمعلومات المؤكدة والمتداولة في أروقة القضاة ـوفق ياسين- أن هذا التعديل كان أصلًا من بنات أفكار قيادات قضائية حالية، و”سيلي ذلك الحديث عن المخصصات المالية للقضاة، وهلم جرا”.
سيطرة وشمولية
من جهته، اعتبر الناشط السياسي نادر السيد، عضو جبهة طريق الثورة، أن قانون السلطة القضائية يهدف إلى السيطرة على القضاء سيطرة شاملة، مضيفًا أن هناك تعديلات كثيرة بدلًا منه كانت مطلوبة لسد الثغرات في التعيينات القضائية؛ على رأسها تعيين أبناء المسؤولين دون ذوي الكفاءات.
وأضاف أن القضاة لا يملكون كثيرًا ليقدموه تجاه هذه القضية؛ حيث فقدوا الظهير الشعبي من إسلاميين أو يساريين أو غيرهم، فضلًا عن تعمد الحكومة “تسريب أرقام حوافزهم ومكافآتهم”.
لعب بالنار
بدوره، شدد رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، على ضرورة وجود ضوابط تحكم حق البرلمان في ممارسة التشريع؛ على رأسها مراعاة أحكام الدستور التي تؤكد استقلال السلطة القضائية وضرورة أخذ آرائها في القوانين التي تنظم شؤونها.
وتابع في تصريحات صحفية أن الشفافية غابت عن جلسة مناقشة القانون، كما أن الدستور حدد محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة يرأسها رئيس محكمة النقض الذي سيقوم بتعيينه وفقًا للتعديلات.
وتوقع الشهابي “إبطال” المحكمة الدستورية لهذه التعديلات، ملمحًا إلى أن الأغلبية التي كانت تتمتع بها جماعة الإخوان المسلمين بمجلس الشورى السابق تراجعت عن مثل هذه التعديلات أمام رفض المعارضة لها ورفض الجهات القضائية، محذرًا من “اللعب بالنار” بما يفعله البرلمان.