باﻷمس اجتمع الكونجرس الأمريكي والذي يضم طبعا مجلسي النواب والشيوخ اﻷمريكيين لمناقشة توصيات “لجنة اﻹستماع” وهي اللجنة التي تتكون من ثلاثة عشر سيناتورا انكبوا لﻹطلاع على تقرير بشأن مصر أعده خبراء محنكون مثل “ميشيل دان” رئيسة لجنة الشرق الأوسط بمعهد كارنجي وهي عملت أيضا بمصر وأعلم بأوضاعها، و”إليوت أبراهام” من الحزب الجمهوري وهو ممن يطلق عليهم أيضا الصقور الجمهوريون، و”توماس ماليونسكي” وكيل وزارة الخارجية في عهد باراك أوباما، وتتكون لجنة اﻹستماع برئاسة “ليندسي غراهام” من سبعة أعضاء جمهوريون وستة ديموقراطيون، لقد كانت جلسة تاريخية في الكونجرس حيث أدانت السيسي وقالت أن نظام الأخير أسوأ أنظمة الدول النامية على مر التاريخ، حيث تمارس حكومته القمع بكافة أشكاله، ودعت اللجنة إلى وقف المساعدات الأمريكية المقدمة للحكومة المصرية أو خفضها إلى النصف على اﻷقل.
أظهرت تلك اللجنة أن أمريكا تعرف الكثير عن الوضع المصري السياسي والإجتماعي واﻹقتصادي أكثر من المصريين أنفسهم، حيث تسائل ليندسي في أحد مداخلاته أمس “ماذا سيحدث إن سقطت مصر، وهل ستتحول مصر لدولة لاجئين مثل سوريا؟” وقال أضا “بالرغم من أن نظام السيسي يتعاون مع إسرائيل على أعلى مستوى بشأن حصار غزة والتضييق على حماس، فالتقارير التي لدينا تقول بأن التعاون بين مصر وإسرائيل وصل لمرحلة متقدمة جدا حتى أن الطائرات المصرية المقاتلة تخرج من مطارات إسرائيلية لتنفيذ هجمات بسيناء، إلا أن مصر تسير حاليا في طريق اللاديموقراطية والفشل والقمع بما سيهدد إقتصادها ونظامها الحالي” وأضاف “أن المبالغ التي يتحملها دافعي الضرائب الأمريكيين تذهب لنظام مجرم يقتل المصريين في سيناء وغيرها وهو في طريقه لاشعال حرب أهلية”..وقال أيضا في أخطر ما قال “أنه لا يوجد من يستطيع أن يغير ما يحدث في مصر اﻵن إلا المصريين، لكننا نستطيع نحن أن نغير في سياساتنا”.
وهنا يريد ليندسي إيصال رسالة إلى ترامب واﻹدارة الأمريكية وكل الأمريكيين مفادها، ليقلع المصريون شوكهم بأيديهم، حتى لو تدمرت مصر وانحرق شعبها ما دامت تملك نظاما متهورا قمعيا لا يمكن المراهنة عليه، المهم مصلحة الشعب الأمريكي، ليدنسي هذا الشخص الذي قال يوما أن أنسب رجل لقيادة مصر بعد الثورة هو عبد الفتاح السيسي، وهو يظهر من خلال تلك الرسالة ليس خوفه على مصر بقدر ما يخاف على الجار الكيان الصهيوني أيضا وعلى مستقبله إذا انهار نظام الأخير، ولندسي بعد أن أصبح الآن من مقرري دفع النقود والمحفظة في جيبه هو وليست في جيب ترامب، بأن توصيات لجنة اﻹستماع ملزمة للكونجرس الأمريكي بتنفيذها، فهو يدرك أنه سيتحمل بذلك مسؤولية جسيمة أمام الشعب الأمريكي، فهو إذا لا يريد أن تذهب الأموال التي تجنى من جيوب الأمريكيين إلى غير وجهة مفيدة كنظام السيسي حسب إعتقاده، حيث صرح بتاريخ 19/أبريل الجاري قائلا “مصر يمكن أن تصبح دولة فاشلة ويجب على الولايات المتحدة قطع المساعدات عنها”.
لم يكن ليندسي من صرح بتلك التصريحات النارية أثناء جلسة الأمس، بل عضو لجنة الإستماع أيضا ميشيل دان حيث قالت “أنصح الولايات المتحدة بأن لا تقدم معونة نقدية للجيش المصري مطلقا، فالمصريون يعيشون أسوأ عصور القمع” وهناك من السيناتورات الأعضاء في لجنة اﻹستماع والتي اتهمت السيسي أيضا بأنه يلعب على عدة حبال، فهو بذلك يخدع أمريكا لسرقة أموال دافعي الضرائب لديها، وأن تعاون السيسي مع إسرائيل لا يعتمد أصلا على المعونة الأمريكية! لأن السيسي يجمد حاليا 600 مليون دولار لدى الخزانة الأمريكية رافضا استلامها لأنه لا يريد لهذه الدولارات بأن تذهب للجمعيات الأهلية في مصر بل يريدها أن تذهب للجيش لجيبه وجيوب من حوله، ومن هنا يجب تحجيم هذه المعونة أو تخفيضها كونها تذهب لنظام قمعي مماثل، لذلك قالت السيناتورة بأن الواجب أن تذهب تلك الأموال للتونسيين أو اليمنيين بدل ذلك، فالسيسي يربط تلك النقود بضرورة دعم الجيش لمحاربة اﻹرهاب ليغطي على فشله في إدارة البلاد ويسرق أموالنا” هذا يعني أن الأمريكان كشفوا السيسي وكشفوا ترامب أيضا وسوف لن يكون هناك المزيد من الدعم لنظام السيسي لا سياسيا ولا إقتصاديا.
أحد السيناتورات أعضاء لجنة اﻹستماع سأل سؤالا مهما وأجاب عليه حين قال، هل تحتاج مصر تلك المعونة لزيادة عدد الدبابات وللصرف على الجيش، أم لبناء المدارس والمستشفيات؟ إن الحفاظ على مصر الحليفة ﻹسرائيل يتطلب المدارس والجامعات والمستشفيات ولا يحتاج فقط دبابات وجيش وزيادة رواتب العساكر وهذا ما سيؤدي الى انهيارها”.
هذا ما يقوله ويفعله الأمريكيون عندما يضعون مصلحة بلادهم نصب أعينهم، لا بل يغيرون آرائهم السياسية وتوجهاتهم التي لطالما دافعوا عنها حين يوضعون في مواقع المسؤولية التي تحتم عليهم العمل دائما لمصلحة بلادهم، حتى لو عارضوا أحزابهم التي ينتمون إليها ورؤسائهم المنتخبين وسياسات بلادهم العليا عندما تكون عكس مصالح البلاد والعباد، حمى الله مصر وشعب مصر ومقدرات مصر وحجم مصر في قلوبنا وعقولنا ووجداننا.