يبدو أن العلاقات المصرية السودانية تسير في طريق اللاعودة فكلما كانت محاولة لاحتواء التصعيد جاء إجراء جديد من أحد الطرفين ليعيد التوتر إلى العلاقات مرة أخرى وهو ما يؤدي إلى تصعيد جديد ويسكب الزيت على النار كما جرى من جانب السلطات المصرية مؤخرا من منع صحفييْن سودانييْن من دخول البلاد واعادتهما إلى السودان مرة أخرى الأمر الذي أدى إلى توتر بين البلدين وإلقاء ظلال كثيفة على العلاقات بينهما.
تصعيد جديد
ففي تصعيد جديد منعت السلطات المصرية الصحفية السودانية، إيمان كمال الدين من دخول أراضيها، وطلبت مغادرتها البلاد فوراً، حسب مصدر دبلوماسي سوداني بالقاهرة.
وصرح المصدر ، إن “السفارة السودانية بالقاهرة حجزت للصحفية على متن الخطوط الجوية السودانية، لإعادتها إلى مطار الخرطوم“.
وأفاد المصدر ذاته أن “قنصل السودان العام بالقاهرة عبد الحميد البشرى، كلَّف مدير العلاقات العامة بالسفارة السودانية عبد الرحمن صالح لترتيب أحوالها حتى صعودها إلى الطائرة المتجهة إلى الخرطوم“.
وأشار إلى أن “إيمان وصلت إلى مطار القاهرة الدولي على متن الخطوط الجوية الإريترية، لحضور ورشة عمل في الإسكندرية”، دون ذكر تفاصيل إضافية حول أسباب منع دخولها.
وكانت السلطات المصرية منعت، الأحد، الكاتب الصحفي السوداني الطاهر ساتي، من دخول أراضيها، وأعادته إلى بلاده.
ويعد الطاهر ساتي، من أهم الكتاب السودانيين، ويعمل في صحيفة “الانتباهة” المقربة من الحكومة.
رد سوداني
ولم يتأخر رد السودان كثيرا حيث كشفت مصادر لجريدة ” السوداني” أن السفارة السودانية في القاهرة تعمل مع الجهات المختصة على إعداد قائمة بأسماء الإعلاميين والصحفيين المصريين الذين يسيئون للسودان في الإعلام المرئي والمقروء وعدم منحهم “تأشيرة دخول” أو توقيفهم في المطار وإعادتهم إلى وجهتهم حال كانوا من فئة النساء أو فوق الخمسين عاماً.
وأبلغ مصدر مطلع “السوداني” أن القرار يأتي من باب “التعامل بالمثل”، وسيشمل حتى الصحفيين الذين يرافقون الوزراء والمسؤولين المصريين في زياراتهم إلى السودان، في الوقت الذي اعتبرت فيه السفارة السودانية في القاهرة قرار منع “ساتي” من دخول مصر “بالشأن الداخلي”.
وأشارت “السوداني” إلى أن السلطات المصرية وضعت قائمة “حظر” بأسماء صحفيين سودانيين يسيئون لمصر من دخول أراضيها، ويشمل الحظر الصحفيين في صحيفة “الانتباهة” وآخرين من صحف أخرى.
وأوضحت جريدة «الانتباهة» التي ينتمي اليها الصحفي الطاهر ساتي المبعد مؤخرا في تقرير عن الواقعة أن هناك «قائمتان للمخابرات والأمن المصري تحتويان على مجموعات كبيرة من الإعلاميين والصحفيين السودانيين في القائمة السوداء المحظورة من دخول الأراضي المصرية»، مشيرة إلى أن «السلطات السودانية تعد الآن قائمة بأسماء إعلاميين مصريين محظورة من الدخول في السودان للتعامل بالمثل.
استنكار سوداني
على الجانب الآخر، صرح رئيس تخليص صحيفة “السوداني” الخاصة ضياء الدين بلال للأناضول، إن “الصحفية إيمان كمال الدين ليست كاتبة رأي، وما تتناوله من تقارير صحفية ليس له علاقة بالشأن المصري“.
وأوضح “ضياء الدين”، أن “إجراءات السلطات المصرية ستُعمق الشعور السوداني السلبي تجاه مصر”.
وأصدر الاتحاد العام للصحفيين السودانيين بيانا يستنكر واقعة الإبعاد جاء فيه: “يأسف الاتحاد العام للصحفيّين السودانيين، على الخطوة التصعيدية التي أقدمت عليها السلطات المصرية صباح اليوم الأحد، باحتجازها الكاتب الصحفي المعروف، الطاهر ساتي بمخفر مطار القاهرة لساعات، ومنعه من دخول أراضيها، قبل إبعاده إلى الخرطوم عبر أديس أبابا تحت الحراسة، بالرغم من حصوله المسبق على تأشيرة الدخول. وحرمته بذلك، من وقوفه إلى جانب زوجته التي سبقته إلى القاهرة بغرض العلاج، ما وضع أسرته في موقف إنساني بالغ الحرج، لا يليق بدولة جارة وشقيقة”.
وندد الاتحاد، بالإجراءات التعسفية التي اتخذتها سلطات مصر ضد “ساتي” والمعاملة غير اللائقة التي وجدها أثناء فترة الاحتجاز غير المبرر، ذلك قبل أن تجف أوراق اجتماعات اللجنة السياسية المشتركة بين وزيري خارجية البلدين، ضاربة بذلك مساعي التوافق على ميثاق شرف أخلاقي يحتكم إليه الإعلام المصري والسوداني، وهو ما يكشف عن عدم الرغبة والجدية لدى القاهرة في الالتزام بالعهد الذي قطع به وزير خارجيتها لتهدئة الأجواء، بحسب البيان.
واستنكر الاتحاد، مثل هذه الإجراءات التي تدفع إلى نقل العلاقات في اتجاه معاكس للمواقف المعلنة من قيادة البلدين، على حد نص البيان
الأشعل: ليس هذا وقته
من جانبه قال السفير عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق: “العلاقات المصرية السودانية مرشحة لمزيد من التوتر بين البلدين في ظل مثل هذه الإجراءات المتبادلة بين الطرفين والتصعيد والتصعيد المتبادل والخلافات بين الرؤساء على حساب الشعوب، وهذه هي الكارثة الكبرى أن الحكام لا يريدون أن يقتنعوا أنهم إلى زوال وأن البقاء للشعوب وبالتالي ضرورة العمل من أجل هذه الشعوب وليس من زوايا خلافية ضيقة بين الحكام”.
وأضاف “الأشعل” في تصريحات خاصة لـ”رصد”: “هناك كثير من الملفات التي تحتم التقارب بين البلدين وليس التباعد وافتعال المشاكل”، رافضا ما يجري من إبعاد صحفيين ومنعهم من الدخول سواء من جانب مصر أو السودان لأنهم كانا بلدا واحدا وما زال يجمعهما الكثير من أوجه التقارب سواءالحدود المشتركة أو مياه النيل أو ملف سد النهضة الذي يجب ان يكون هناك تنسيبقا بين البلدين بشأنه وغيره من الملفات الأخرى، رافضا أي تصعيد خلال هذه الفترة تحديدا.
توتر ومشاحنات
وتشهد الفترة الماضية توتراً في العلاقات بين مصر والسودان، ومشاحنات في وسائل الإعلام، على خلفية عدة قضايا خلافية؛ منها النزاع على مثلث حلايب الحدودي، وموقف الخرطوم الداعم لسد النهضة الإثيوبي الذي تعارضه القاهرة، مخافة تأثيره على حصتها من مياه نهر النيل.
وارتفعـت حـدة التوتر بشكل أوضح بين البلدين في أعقاب قرار الخرطوم في 6 أبريل الجاري، بفرض تأشيرة دخول للأراضي السودانية على الذكور المصريين القادمين إليها من سن 18، وحتى 50 عاماً، تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.
وفي مارس الماضي منعت السلطات السودانية عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس الحزب المصري “مصر القوية” من دخول البلاد، للمشاركة آنذاك في المؤتمر العام لحزب “المؤتمر الشعبي”، من دون توضيح سبب المنع.
وذكرت صحيفة “دير ستاندار” الألمانية, أن العلاقات المصرية السودانية تشهد توترًا جديدًا, من شأنه تعكير صفو العلاقات بين البلدين, والتي تحسنت في الفترة الأخيرة بصورة كبيرة, مشيرةً إلى أن منع السلطات المصرية دخول صحفي سوداني إلى أراضيها، من شأنه هدم “شهر العسل” الذي بدأ مؤخرًا بين البلدين – على حد وصفها.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها، أن السلطات المصرية منعت دخول الكاتب الصحفي السوداني، الطاهر ساتي، من دخول أراضيها وأعادته مرة أخرى إلى السودان، دون توضيح أسباب لذلك، مشيرة إلى أن هدف زيارة “ساتي” هو اللحاق بزوجته، التي سبقته في رحلة علاج في مصر.
وفي المقابل, استنكرت عدة منظمات سودانية قرار السلطات المصرية، واصفين القرار بـ”الإجراءات التعسفية” غير المبررة، مؤكدين أن “ساتي” “حصل على تأشيرة دخول مسبقة” إلى مصر، ومن هذا المنطلق توقعت الصحيفة تصعيد الخلاف مرة أخرى بين البلدين.
وعقبت الصحيفة بقولها: “هذا الإجراء جاء قبل أن تطبق أوراق اجتماعات اللجنة السياسية المشتركة بين وزيري خارجية البلدين، ضاربة بذلك مساعي التوافق على ميثاق شرف يحتكم إليه الإعلام المصري والسوداني”.
زيارة وتعهد
ويأتي منع الصحفي السوداني من دخول القاهرة بعد 4 أيام من زيارة وزير الخارجية، سامح شكري، إلى الخرطوم، قال عنها “شكري”، مؤخرًا، إنها تأتي بهدف “عقد جولة حوار سياسي وإزالة أي سوء فهم”, وكان البلدان اتفقا الخميس الماضي على عدم إيواء أو دعم مجموعات معارضة لحكومتيهما، خلال لقاء في الخرطوم هدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية.
وتعهد وزير الخارجية السوداني، إبراهيم الغندور، للصحفيين، إثر لقائه نظيره المصري سامح شكري، بتجديد “الموقف الثابت الذي اتفق عليه خلال اجتماعات لجنة التشاور السياسي الأخيرة في القاهرة، بعدم السماح بانطلاق أي أنشطة للمعارضة المصرية من الأراضي السودانية“.
وأوضح أن قرار السودان الأخير بفرض تأشيرة دخول على المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عامًا، يأتي في هذا الإطار.