كتب : احمد امين
تسريب جديد لا جديد فيه … تسريب يثبت ما قالته مئات المصادر آلاف المرات، الجيش المصري يقتل المواطنين المصريين خارج إطار القانون، وهذه المرة تم توثيق الجريمة بالصوت والصورة، وتم تسريب هذا الفيديو بشكل يؤكد أننا أمام مؤسسة مخترقة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، أكبر اختراق لهذه المؤسسة أن رئيسها الأعلى عميل، وكل اختراق بعد ذلك هو في درجة أقل !
تم توزيع الرد الحكومي الساذج على برامج التوك شو، وعلى اللجان الإلكترونية، وخلاصته تشكيك في الفيديو لأسباب شكلية شديدة التفاهة، وكلها مردود عليها.
الفيديو حقيقي، وما فيه جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، تم تصويره خلسة (والدليل أن غالبية التصوير كان يظهر الأقدام، وهو تصوير غالبا تم بكاميرا قد تمت تغطيتها بشيء ما).
ما زالت ردود أفعالنا على الأحداث تدعو إلى الدهشة، فرأينا كُتّابًا – يفترض أنهم ثوريون ووطنيون – يتحدثون عن التسريب الكارثة من منطلق أن من أذاعه قناة (إخوانية)، وأن هؤلاء القتلى المساكين ربما تم القبض عليهم بعد اشتباك، وكأن ذلك يبيح دمهم، ويهدر حقوقهم في المحاكمة، أو يبيح قتل طفل في الخامسة عشرة، يقولون ذلك متعامين عن المعنى اللاإنساني للتسريب، بل إن بعض هؤلاء جلس يُنظّر لوحشية الإسلاميين في التعامل مع خصومهم، دون أن يوضحوا لنا ما علاقة التسريب بالإسلاميين أصلا؟
هذا التسريب مجرد تكرار وتأكيد لجرائم فصيل داخل القوات المسلحة تم استخدامه لارتكاب مجازر في شتى مدن ومحافظات مصر.
خسر الكثيرون احترامنا لهم واحترامهم لأنفسهم بسقوطهم في خطيئة التبرير للقتل خارج إطار القانون، وخسرت مصر – وما زالت تخسر – وحدة شعبها، ووقوفها خلف جيشها، وسمعة قواتها المسلحة، ويبدو أن الترتيبات جارية على قدم وساق لكي تخسر مصر سيناء !
صفقة القرن التي تحدث عنها رئيس جمهورية الأمر الواقع عبدالفتاح “سيسي” ليس لها من معنى سوى التنازل عن أجزاء من سيناء، والتنازل الكامل عن السيادة على كل سيناء (بعد السيادة المنقوصة طبقا لمعاهدة كامب ديفيد الملعونة).
الأمر واضح، وإحالة موضوع “تيران” و”صنافير” إلى مجلس الشعب المصنوع مخابراتيا بعد إعلان الطوارئ بعدة ساعات يظهر حقيقة الترتيبات التي يسعى لها “سيسي” من أجل صنع أمر واقع يتيح تسليم أراض من سيناء إلى الكيان الصهيوني لفرض حل غير عادل للقضية الفلسطينية، ولإدخال المملكة العربية السعودية إلى المشهد بخلق حدود بينها وبين إسرائيل من خلال تدويل مضيق تيران.
لا يملك “سيسي” سوى أن يفعل ذلك لإرضاء سادته في واشنطن وتل أبيب، إنه شخص عبء، ولا بد من تنازلات تطيل عمره في السلطة، وهو لا يملك أي أوراق يلعب بها سوى هذه الأوراق الكبيرة.
السؤال الآن … من ينقذ مصر؟
لا أحد يريد أن يجيب على السؤال بشكل إيجابي، والحقيقة أنه لا منقذ لمصر سوى شعبها، وقواه الحية، الرافضة لهذه الخيانات.
ولكي يتم ذلك لا بد من اتحاد الثوّار، وتضافر قوى الشعب، وتجاوز الخلافات السطحية التي تعصف بالسواد الأعظم من شعبنا.
إن إنقاذ مصر (والقضية الفلسطينية والمنطقة كلها) رهن باستعادة الشعب المصري قدرته على التوحد على حد أدنى من المشترك الوطني.
ما هو المشترك الوطني؟
إنه عدة أمور لا خلاف عليها بين الجميع، أولها حماية الاستقلال الوطني الكامل لمصر، ورفض التبعية والهيمنة من أجل الحفاظ على الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية العليا للوطن.
ثانيها رفض كل اعتداء على حقوق الإنسان وأولها الحق في الحياة.
ثالثها اصطفاف القوى الوطنية، وتجاوز خلافات الماضي والنظر لمستقبل مصر المهدد، والإقرار بمسؤوليتنا جميعا عما وصلنا إليه.
رابعها بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تقوم على العدل وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية ومنها حرية التعبير والاعتقاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
خامسها عودة الجيش إلى ثكناته، ووضع كافة الضمانات لخضوعه للمؤسسات المنتخبة، وعدم تدخله في السياسة والاقتصاد.
لكي يتحقق ذلك لا بد من تكوين مظلة جامعة تضم القوى الوطنية في الداخل والخارج، هدفها تحقيق مطالب الشعب التي رفعتها ثورة 25 يناير.
إذا لم يتعاون الجميع من أجل تحقيق هذه الأهداف من خلال تكوين هذه المظلة فتأكدوا أن سيناء سوف تضيع، ولن تظل جزء من الخريطة المصرية – اللهم إلا من الناحية الشكلية – وستوجه للقضية الفلسطينية ضربة تؤدي إلى كوارث على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، والأهم من ذلك أن حالة من الاحتراب الأهلي ستكون على الأبواب، سببها الأول أن المؤسسة العسكرية ستكون مسؤولة عن حالة الخيانة العظمى التي يراها العالم كله رأي العين.
آن الأوان لإنقاذ مصر، والسكوت جريمة تزداد عواقبها كل يوم، وما زال السؤال مطروحا … من ينقذ مصر؟