شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

فاينانشال تايمز: كيف اختفى الخط الفاصل بين الحرب والسلام؟

فاينانشال تايمز: كيف اختفى الخط الفاصل بين الحرب والسلام؟
يُشبه المشهد العالمي المضطرب الآن مشهدًا ظننا أنه انتهى منذ زمن. وزعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه ضد التدخلات الخارجية، ثم أطلق صواريخ على قاعدة جورية بسوريا، وأرسل حاملة طائرات إلى شبه الجزيرة الكورية، وتتزايد وتيرة

يُشبه المشهد العالمي المضطرب الآن مشهدًا ظننا أنه انتهى منذ زمن. وزعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه ضد التدخلات الخارجية، ثم أطلق صواريخ على قاعدة جورية بسوريا، وأرسل حاملة طائرات إلى شبه الجزيرة الكورية، وتتزايد وتيرة صراع الأسلحة في بحر الصين الجنوبي. ومع تحدي الصين للهيمنة الأميركية بدأت أحاديث عن العودة إلى أواخر القرن التاسع عشر. 

قبل عدة سنوات، قال دعاة العولمة إن القتال بين الجيوش أصبح غير مجدٍ، وقال البعض إن الحرية هي التي جلبت السلام والديمقراطية بدلًا من الرأسمالية. وفي الوقت الذي بدا فيه العالم مكانًا آمنًا لليبراليين وللسوق الحر، أصبحت الحرب أمرًا قديمًا.

بالطبع لم تكن الحقيقة بهذه البساطة، وظهرت مقالة توماس فريدمان عن انتهاء الصراع بعد نهاية حرب البوسنة، ولكن قبل كوسفو، وقبل الصراع العنيف الذي شهدته الكونغو الذي أدى إلى مقتل الملايين. وجاء بعدها العراق وأفغانستان، والآن يأتي الصراع السوري.

ويحاول عازار غات في كتابه “أسباب الحروب وانتشار السلام.. هل ستنتعش الحروب؟”، الذي سيصدر في مايو القادم، أن يخفي تناقضه؛ حيث يحاول هذا الكتاب إثبات أن السلام ينتشر. ويرى غات، أستاذ الأمن الوطني بجامعة تل أبيب، أن الحروب التي تحدث هي عواقب تحديث المجتمعات في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية منذ الثورة الصناعية.

وفي جداله للأشخاص الذين اعتبروا السلام بدأ بعد 1945، قال غات إن صعود نظام الدولة الحديثة والتحول الاقتصادي الاجتماعي الذي صاحبه شجّعا ظهور فترات من السلام منذ أوائل القرن التاسع عشر؛ وهو ما يسبق ظهور الديمقراطية كقاعدة سياسية. 

وعلى الجانب الآخر، إذا كان الأوربيون والأميركيون في أميركا الشمالية تخلصوا من غرائزهم العدوانية من خلال إخضاع مساحات واسعة من آسيا وإفريقيا فهنا يكون التساؤل: ما هو نوع السلام الذي يتحدثون عنه؟ 

وبعد أن كرّس معظم كتابه لفكرة أن التحديث جعل الوضع أفضل، حوّل غات المسار قليلًا في النهاية؛ حيث حذّر من أن هذا الاتجاه قد لا يستمر، وقد تعود الاستبدادية القومية، وقد تظهر ما أسماها “الحداثات البديلة”؛ وهو ما قد يهدد تحديث السلام.

وعلى الجانب الآخر، لا يعتقد الكاتب مارتن فان كريفيلد أن الحروب ستتلاشى في أي وقت قريب. وتناول كتابٌ له عن صعود الدولة الحديثة وسقوطها هذه الفكرة. ولكن، في كتابه الأخير، يرى أن مهمته تقديم مجموعة من المبادئ التي تحمل أهمية للأشخاص الذين يقومون بالحروب. وقال إنه إذا كانت تمثل المنظمة جسد العسكرية فإن القيادة تمثل الروح التي تملؤها بالحياة. 

ولا تعد مثل هذه المشاعر هامة للقارئ المهتم بالقراءة عن الحروب؛ حيث إنه يفضل الأمور المتعلقة بالحرب ذاتها. صعود الطائرات من دون طيار، تقلص الدور الإنساني في الحرب، ظهور الحروب الإلكترونية؛ كل كذلك سيكون له تأثير أكبر، ليس فقط على طرق الحرب ذاتها؛ ولكن على المجتمعات التي دارت الحروب من أجلها.

ووجّه الفيلسوف الإنجليزي “اي سي جريلنج” في تحقيقه الذي كتبه في ظل الحروب العنيفة حديثه للمواطنين وليس الجنود، وتتمثل قوة جريلنج في وضوح مفاهيمه. تحدث عن أهمية التمييز بين مشكلتي سبب قتال الجنود وسبب بدء الحروب، وحاول الربط بين الدراسة التي تتحدث عن أسباب بدء الحرب وبين نظرية مخاطر الرغبات الإنسانية التي تخلط بين سلوكي الأفراد والدول. ويذكّرنا جريلنج بأن العُدوان تحرُّكٌ من الشخص واختيارٌ من الدولة، ويؤكد أن كليهما مختلفان. 

وتحدث جريلنج عن التحديات القادمة لحرب القانون. واعتبر أن الروبوتات تهدد بتحويل المسؤولية القانونية إلى مسألة برمجه، وتساءل: إذا قتل روبوت بشرًا خارج القانون، هل سيتم لوم مصممه؟ وقال إن القانون الدولي الذي توارثناه يعتبر مثالًا واضحًا للحروب في الخارج والعنف في الداخل؛ ولكن من الصعب التمييز بينهما. ويرى عديدون أن فكرة كارل شيمت بأن السياسة هي الحرب تبدو معقولة.

وفي الأيام التي تلت انتخاب دونالد ترامب تساءل أحد مذيعي “فوكس نيوز” إذا كنا سنشهد حربًا أهلية قريبة في أميركا، ولا تعد هذه المرة الأولى التي تظهر مثل هذه الاحتمالية؛ حيث طرحها من قبل مستشار ترامب “نيوت جينجريتش” عام 1988 في خطاب له؛ حيث قال إن اليسار في أميركا فهموا السياسة كحرب أهلية، مضيفًا أن هذه الحرب يجب أن تتم بمقاييس الحروب الأهلية الوحشية نفسها، موضحًا أنهم لن يتقاتلوا في أرض معركة؛ ولكن في صنايق الاقتراع، وهي تعد حربًا أهلية حقيقية.

وبطريقة أقل عدوانية، وعد ترامب في خطاب تنصيبه بأخذ السلطة من النخبة وإعادتها إلى الشعب الأميركي. والآن، تعاني الدولة التي انتخبته انقسامًا شديدًا. 

وهنا نأتي إلى كتاب “التاريخ في الأفكار” للكاتب والمؤرخ ديفيد أرميتاج، الصادر في فبراير الماضي، تحدث عن الحرب الأهلية. وكما يوضح، فإن اليونانيين القدماء كان لديهم شعور قوي بعدم استقرار الديمقراطية كشكل من أشكال الحكومة. ولكن، ربما بسبب ميلهم إلى رؤية جميع الأشكال الدستورية للحكومة بأنها عابرة، وبسبب أن لديهم تصورًا غير متبلور نسبيًا للدولة؛ فإنها توقفت عن صياغة مفهوم الحرب الأهلية.

وكان الرومان أول من أوضحوا أنه يمكن أن تنشأ حروب في الداخل. وأدت الصراعات الداخلية إلى نهاية الجمهورية وخلق إمبراطورية. ولكن، ما الذي تسبب في هذا التغير؟ وهل كان ذلك بسبب توسعها الدولي؟ هل خلق الفتح الدولي الفساد في الداخل وأنهى الجمهورية؟ 

ويعد “أرميتاج” مؤرخًا للأفكار، ومناقشته للتقلبات اللاحقة لفكرة الحرب الأهلية تمثل شيئًا أساسيًا في كتابه. وانتقل من روما إلى أوائل أوروبا الحديثة، ثم منها إلى الحرب الأهلية الأميركية. وأظهر أنه كلما أصبح نظام الدولة أكثر وضوحًا فمن الصعب فصل الأحداث الداخلية عن التورط الخارجي. وفي العصور الحديثة، عادة ما تتحول الحروب التقليدية إلى حروب أهلية بسبب وجود فراغ في السلطة تتصارع عليه القوى الداخلية.

إذا كان هناك درس يمكن فهمه من هذه الكتب فهو أن مجال الحروب الأهلية مثل عديد من المجالات، يواجه تغييرًا سريعًا، ويصعب على الأكاديميين مجاراته. وما زال عديدون منهم يناقشون الماضي بدلًا من الحاضر. ونحتاج إلى المساعدة في التفكير في عواقب التحول المقبل للحروب.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023