“لا يجب أن يشهد أيُّ طفل مثل هذا الرعب”. كانت هذه الجملة تفسيرًا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهجماته على قاعدة جوية سوريّة بعد هجمات حكومة بشار الأسد بالأسلحة الكيمياوية على أهالي “خان شيخون” أسفرت عن مقتل عديدين، من بينهم أطفال. وشهد تحرك ترامب آراء معارضة، وكانت له أيضًا آراء مؤيدة؛ خاصة بعد انتشار صور مؤلمة للأطفال القتلى.
ونشر موقع “فوكس” مقالًا للكاتبة “جيسيكا جودو”، التي عملت لقرابة عقدٍ في معسكرات للاجئين، وتحدثت في مقالها عن معاناة الأطفال السوريين من خلال قصص بعض اللاجئين، وفسّرت في مقالها سبب رؤيتها بأن تحرك ترامب جاء لأسباب سياسية وليست إنسانية.
وإلى نص المقال:
“لا يجب أن يشهد أيُّ طفل مثل هذا الرعب”، أرى أن ترامب محقٌّ في هذه الجملة.
لقد بدأتُ العمل مع اللاجئين في أوستن بولاية تكساس في 2007، وخلال عقد من دعمهم وإجراء اللقاءات معهم سمعت قصصًا عديدة عن الوحشية، ولا يُقارن أيٌّ منها بالرعب الذي رأيناه في سوريا.
لقد بكيتُ عندما رأيت الصورة المنتشرة لشخص يدعى “عبدالحميد اليوسف” يحمل توأمه، وهما يشبهان التوأمان الذين دعيتهما إلى منزلي منذ أسابيع ولعبا في غرفة ألعاب بناتي.
وقيل إن مثل هذه الصور من أسباب التغيير السريع في سياسات ترامب تجاه سوريا، وإذا كان ذلك صحيحًا فإني أدعم هذا التغيير، ولكني متشككة أيضًا؛ بسبب صراعه في المحاكم لإبقاء اللاجئين خارج أراضي الولايات المتحدة.
إذا كان التغيير المفاجئ في خطاب ترامب وسياساته تجاه السوريين نابعًا من قلبه سيكون هناك مؤشر لذلك، وهو تراجعه عن حظر السفر. وحتى ذلك الحين، فإن حديثه عن القلق بشأن أطفال سوريا سيكون مجرد كلمات.
وبشأن الهجمات الكيميائية في سوريا، كانت هناك أيضًا هجمات بغاز الكلور على مدن أخرى في سوريا مثل دمشق وحلب وحمص. وقال تقرير للجمعية الطبية السورية الأميركية إن هناك 161 هجومًا كيميائيًا موثّقًا، بينما هناك حوالي 133 حالة غير موثقة ضد المدنيين في سوريا في الفترة ما بين 2011 و2016، وحدثت عديد من الهجمات بعد الانتهاء من تقرير الجمعية الطبية. وقيل إن عدد قتلى السوريين في هذه الهجمات الكيميائية وصل إلى 1500 وأصيب حوالي 15 ألفًا.
وتُعتبر الأسلحة الكيميائية أحد الأسلحة التي يستخدمها بشار الأسد في قتل أطفال بلده. وأخبرني صديقي اللاجئ بالطرق البشعة التي تستخدمها الحكومة في الهجوم على المدنيين دون أي اهتمام بالأطفال: في إحدى المدن وضعت الحكومة قاذفة صواريخ في ملعب كرة قدم حتى يستطيعوا الوصول للمدنيين في المناطق المحيطة. وفي منطقة ريفية وضعت سيدة طفلها (الذي يبلغ من العمر أسابيع) معها ومع زوجها في السيارة، وعند تحركهم مرّ الزوج بالسيارة على لغمٍ أرضيّ، ولم يمت الطفل؛ لكنه أصيب بحروق شديدة في جسده.
وتحكي أسرة أخرى قصة انتقالها من منزلها الذي تم تفجيره نحو منزل أحد أقاربهم، الذي تم تفجيره أيضًا لاحقًا، وبعدها انتقلوا إلى منزل ثالث لأحد أصدقائهم، وتم قصفه أيضًا؛ وفي الثلاث مرات نجا الأطفال بأعجوبة.
وخلال عملي وحواري مع سيدة تدعى “نادية” -اسم مستعار- قالت تعليقًا لا أستطيع نسيانه، وهو أن “هذه الحرب ضد الأطفال”، وذكرتْ نادية وزوجها عديدًا من المواقف التي من خلالها تم استهداف أطفال بأيدي نظام بشار الأسد.
بدأتْ الثورة السورية في مارس 2011 على خلفية تظاهرات في درعا احتجاجًا على التعذيب الوحشي لمجموعة من التلاميذ على أيدي الشرطة العسكرية، وبعد أشهر انتشرت صورة لفتى تم تعذيبه يدعى “حمزة الخطيب”؛ ما تسبب في توحيد المتظاهرين المناهضين للأسد على هدف استكمال الثورة.
ولا يرتكب الأسد فقط فظائع ضد الأطفال؛ حيث سجّلت عدة منظمات تعذيب “داعش” لأطفال في سوريا. ويقتل هؤلاء الأطفال في قصف جوي من قبل الحكومة السورية، وبعضهم لا يقتل؛ لكنه يعيش حياة بائسة.
ولا يعتبر الأطفال النازحون أفضل حظًا؛ فهناك قصص مفزعة، مثل الصورة التي رآها العالم للطفل “عليان الكردي” الذي غرق بالقرب من الشواطئ التركية بعد أن حاولت أسرته الفرار من ويلات الحرب، وكذلك صورة الطفل “عمران دنقيش” ذي الخمس سنوات الذي صدمت صورته العالم؛ حيث ظهر وعليه آثار دماء وصدمة بعد قصف القوات السورية لمنزله في حلب.
ومنذ أن أعلن ترامب عن سعيه للرئاسة شاهدنا خطاباته وسياساته المناهضة للاجئين. رغبتُ حينها أن أتحدث معه ومع أمثاله من السياسيين المناهضين للاجئين وأسألهم: ألا تدركون أنهم الضحايا لإرهاب الحرب؟ ألا تفهمون أن أيّ أسرة ستفعل المِثل لحماية أبنائها؟
وهناك آراء متناقضة بين السوريين أنفسهم حيال تحرك ترامب، وأخبرني أحد السوريين اللاجئين أنه يرى ترامب “منافقًا”؛ حيث قرر حظر اللاجئين السوريين من الإقامة في أميركا وإعادتهم إلى الخطر والموت، فلا منطق لحمايته لهم الآن.
وتحدثتُ لشخص آخر أميركي سوري يعمل بالقرب من مجتمع اللاجئين في تكساس، ونقل وجهة نظر عديدين من مجتمعه يعتبرون ترامب تحرك في حين أن العالم وقف ليشاهد، وأضاف أنه في الوقت الذي يحاول فيه العالم توقع ما سيفعله ترامب بعد ذلك فإن حياة السوريين تتدمر.
وفي الوقت ذاته، قدم محامو ترامب الجمعة الماضية وثائق للمحكمة خاصة بقضية حظر السفر التي يستمر ترامب في الصراع حتى ينفذها، وجاء ذلك بعد يوم من تصريحاته بشأن أطفال سوريا. ويعتبر نفاق ترامب مثالًا آخر على فشل العالم تجاه أطفال سوريا.
ويعتبر السماح للأطفال السوريين بالدخول لأميركا أحد الحلول لمواجهة المعاناة التي يرونها. وعلى الرغم من أن تأثير ذلك ضئيل؛ فإنه سيُعتبر مؤشرًا لصدق نوايا ترامب في تحويل سياساته، وسيعتبر تأكيدًا بأن هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد وسيلة في السياسة الخارجية الأميركية.