بدأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأسبوع الماضي ضيفَ شرفٍ في واشنطن. وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحرارة به وبـ”قيامه بعمل رائع”، وذلك في المكتب البيضاوي يوم الاثنين. وقيّد السيسي حركة المرور في جورج تاون خلال الأيام الثلاثة التالية أثناء تنقله حول العاصمة.
ومع ذلك، عاد السيسي إلى بلاده يوم الخميس خالي الوفاض وخائب الأمل؛ حيث استجاب ترامب إلى وجهة نظر العاهل الأردني الملك عبدالله حول سوريا وأمر بضرباتٍ جاءت عكس المخاوف التي عبّر عنها السيسي.
وبالتأكيد، تمحورت زيارة السيسي كلها حول تلقي الحفاوة البالغة. وعلى مدى الأعوام الأربعة الماضية، تخلت إدارة أوباما عن القاهرة بسبب ممارسات السيسي الاستبدادية. وجاء رد أوباما هادئًا حين أطاح السيسي بالرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في يوليو/ تموز عام 2013، وحَجَبَ المساعدات العسكرية بعد ثلاثة أشهر، ثم رَفَضَ دعوة السيسي الحضور إلى واشنطن بعد فوزه في انتخابات رئاسية صورية في مايو/ أيار عام 2014.
ومن منظور نظام الحكم المصري، كان ترحيب البيت الأبيض بالسيسي هذا الأسبوع إنجازًا في حد ذاته؛ الأمر الذي يشير إلى أنّ واشنطن قد أصبحت الآن تحت إدارة جديدة تدعم “السيسي”.
لكن جولة النوايا الحسنة لم تسفر عن أية إنجازاتٍ عملية. لم يتلق السيسي أي مساعدة عسكرية أو اقتصادية جديدة، وكذلك لم تجدد إدارة ترامب آلية التمويل التي تسمح لمصر بأن تطلب نظم أسلحة مكلفة بنظام الدفع الآجل.
وفي الوقت نفسه، ضغط وزراء يرافقون السيسي على مجتمع الأعمال الأميركي لمزيد من الاستثمارات؛ لكن عادوا إلى ديارهم دون أي عقودٍ جديدة. وعلى الرغم من الضغط المستمر من جانب القاهرة على واشنطن لإدراج جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”؛ فإنّ إدارة ترامب لم تتخذ مثل هذا الإجراء.
إضافة إلى ذلك، ومع الانتهاء من زيارة السيسي، اتسعت خلافات القاهرة مع واشنطن؛ خاصة حول سوريا. وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض “شون سبايسر” الأسبوع الماضي أن الديكتاتور السوري بشار الأسد “واقع سياسي علينا أن نتقبله”، كما دافع السيسي عن بشار خلال مقابلة مع “فوكس نيوز” يوم الثلاثاء الماضي.
لكنّ الهجوم الذي شنه نظام بشار بالأسلحة الكيميائية في اليوم نفسه وأسفر عن مقتل العشرات من المدنيين أقنع الرئيس ترامب بالتفكير في نهجٍ مختلف؛ وكان في وضع الاستماع عندما زاره عاهل الأردن الملك عبدالله يوم الأربعاء.
وخلال مؤتمرهما الصحفي المشترك في البيت الأبيض، قال عبدالله لترامب إنّ الهجوم الكيميائي السوري يعكس فشل الدبلوماسية الدولية في إيجاد حلولٍ للأزمة السورية؛ الأمر الذي يشير على ما يبدو إلى فشل الرئيس السابق أوباما في فرض “خط أحمر” بعد أن استخدم نظام بشار الأسلحة الكيميائية عام 2013. وفي مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست”، أكد الملك “الالتزام الأخلاقي الذي يتعين على أعضاء المجتمع الدولي لمحاربة هذه المأساة المروّعة التي يعيشها المدنيون في سوريا”.
وفي ليلة الخميس، أخذ ترامب هذا في الاعتبار عندما أمر بضرباتٍ جوية على القاعدة الجوية السورية التي أطلق بشار منها هجومه الكيميائي. واستجابت عمان بدعمها للضربات؛ حيث نشر وزير الخارجية الأردني تغريدة على موقع تويتر قال فيها إنّ الضربات الأميركية كانت “ردًا ضروريًا وملائمًا على استهداف النظام السوري للمدنيين الأبرياء والفظائع التي ارتكبها في حقهم”، وحثّ على التوجه السريع نحو الدبلوماسية.
وعلى النقيض من ذلك، جاء رد القاهرة باردًا، معربة عن “قلقها الكبير”، وحثت الولايات المتحدة وروسيا على التعاون على حل الأزمة السورية. ولم يكن التحوط المصري مفاجئًا بالطبع؛ فقد عزز السيسي علاقات بلاده مع روسيا في الأعوام الأخيرة من خلال شراء الأسلحة والمناورات العسكرية المشتركة، وبالتالي لا يستطيع أن يؤيد الهجوم الأميركي على النظام السوري المدعوم من روسيا.
وفي حال تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، فإن زيارة السيسي للبيت الأبيض خلال الأسبوع الماضي قد تكون ذروة “البداية الجديدة” له مع واشنطن.