سلط تقرير لصحيفة “هافنجتون بوست” الضوء على المعاناة التي يعيشها اللاجئون السودانيون في مصر في ظل تجاهل الحكومة المصرية والمجتمع الدولي لمشكلاتهم مما يدفعهم إلى الهرب إلى دولة الاحتلال الصهيوني أو المخاطرة بحياتهم ومحاولة الدخول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط .
وقالت الصحيفة إن يوم التاسع من إبريل يصادف الذكرى الأولى لانقلاب زورق مهاجرين كان متجها إلى إيطاليا قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن خمسمائة رجل وامرأة وطفلة غالبيتهم العظمى من المهاجرين من دول شرق إفريقيا، ومنذ ذلك الحين، تحطمت عدة مراكب تهريب أخرى تحاول الوصول إلى أوروبا عبرالبحر الأبيض المتوسط، مما أسفر عن آلاف الوفيات الإضافية، ولم تتولى أي جهة محلية أو دولية التحقيق في الحادث والمتورطين فيه.
و تقدم حقيقة أن هؤلاء المهاجرين ما زالوا يخاطرون بحياتهم في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر إيضاحات عن مدى الظروف القاسية التي يواجهونها في مصر، ويمثل المهاجرون السودانيون، إلى حد بعيد، أكبر نسبة من إجمالي المهاجرين من مصر، حيث يعيش ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين مهاجر سوداني في البلاد، مسجل منهم فقط 28.000 كلاجئين لدى المفوضية، ووفقا للمنظمة، فإنه تم اعتقال أكثر من 650 طالب لجوء سوداني لمحاولتهم مغادرة مصر بشكل غير قانوني في عام 2015، يشكلون الغالبية العظمى من أولئك الذين يحاولون مغادرة البلاد.
وأدت الظروف التي تزداد سوءاً إلى جانب الصعوبات المتزايدة في الحصول على صفة لاجئ من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى دفع العديد من المهاجرين السودانيين إلى عبور البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى أوروبا، وغالبا ما يواجه هؤلاء المهاجرون عواقب كارثية، حيث بدأ المجتمع الدولى ووسائل الاعلام الرئيسية الاهتمام بهذه القضية بعد سلسلة غرق القوارب الكبيرة التى احتلت العناوين الرئيسية الدولية.
ويلفت التقرير إلى أنه منذ انفصال السودان عن مصر، اجتاحتها عدد من الحروب الأهلية التي لا تنتهي والتي أدت إلى انهيار اقتصادي وهيكلي شامل مما أجبر ملايين المدنيين السودانيين على مغادرة البلاد، سواء كانوا لاجئين أو طالبي اللجوء الفارين من اضطهاد نظام عمر البشير، أو كمهاجرين طوعيين بحثا عن فرص اقتصادية أفضل في الخارج، وكانت مصر، الوجهة المفضلة لها.
وهدف اتفاق وادي النيل عام 1976 بين مصر والسودان في البداية إلى منح المواطنين السودانيين المقيمين في مصر إمكانية الاستفادة غير المقيدة من خدمات التعليم وملكية العقارات والرعاية الصحية والعمل، غير أن هذا التفاهم انتهى في عام 1995 بعد محاولة اغتيال فاشلة للرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا يقال أن الإسلاميين السودانيين قاموا بتدبيرها.
وفي عام 2004، تمت جهود أخرى بهدف تحسين أوضاع المهاجرين السودانيين في مصر، وهي اتفاقية الحريات الأربعة، بين الحكومتين في عام 2004، بهدف السماح للمواطنين السودانيين بدخول مصر إلى أجل غير مسمى دون تأشيرة ودون الحاجة إلى طلب اللجوء، إلا أن الاتفاقية لم توفر لهم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل، ولم يتم التصديق عليها من قبل الحكومة المصرية، وهذا ما ترك عددا لا يحصى من المهاجرين من السودان عالقين دون الحصول على صفة لاجئ والعديد من حقوقهم الأساسية.
ويوضح العدد القليل من اللاجئين المسجلين (حوالي 000 28 لاجئ) حقيقة أنه حتى عام 2004 كانت المفوضية مترددة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمنح صفة لاجئ للمهاجرين السودانيين في مصر، ويرجع ذلك إلى تفسير محدود للغاية من قبل مكتب المفوضية في مصر لتعريف “اللاجئ والذي بمقتضاه يجب أن يقدم طالب اللجوء ما يثبت الخوف المبرر من الاضطهاد”.
ومنذ عام 1997، لم تمنح صفة اللاجئ في مصر إلا لنحو 20.700 من أصل 67.000 مهاجر، ومنح هؤلاء الحاصلين على صفة لاجئ الحصانة ضد الاعتقال والترحيل، ولكنهم ما زالوا يواجهون انتظارا امتد من سنتين إلى أربع سنوات لإعادة التوطين، فضلا عن عدم إمكانية الحصول على الحقوق والخدمات الأساسية، ولم يعاد توطين سوى 14.300 من أصل 67.000 شخص، ويواجه بقية المهاجرين السودانيين سوء المعاملة والترحيل والتهديدات المتكررة ضد سلامتهم.
وفي عام 2004، قررت مفوضية اللاجئين كذلك وقف منح المهاجرين السودانيين صفة لاجئ عقب وقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وأدى ذلك في وقت لاحق إلى اعتصام المهاجرين السودانيين أمام المكتب القديم للمفوضية في القاهرة والذي استمر عدة أشهر، وتم تفريقه في نهاية المطاف في ديسمبر 2005 في ما أصبح يعرف باسم “مذبحة مصطفى محمود ” وقتل قوات الأمن ما لا يقل عن 100 طالب لجوء.
ومنذ ذلك الحين، واجه السودانيون التمييز المتزايد وكراهية الأجانب في مصر بالإضافة وكثيرا ما يواجه المهاجرون أيضا العنف التعسفي والاعتقال والاحتجاز، وأدى توتر العلاقات بين الخرطوم والقاهرة إلى تهديدات عنيفة ومضايقات الذين فروا قسراً من السودان بسبب الحرب الأهلية والذين كانوا في كثير من الأحيان معارضين للحكومة السودانية.
وقد أجبرت هذه الظروف اللاجئين على واحد من ثلاثة بدائل سيئة للغاية: الأول هو العودة إلى وطنهم، على الرغم من المخاطر الكبيرة المرتبطة بهذا الأمر؛ إذ قد يواجه العديد من طالبي اللجوء الاعتقال الوشيك والقمع فور وصولهم إلى السودان، والخيار الثاني هو الإقامة في مصر ومحاولة البقاء على قيد الحياة حتى يتغير الوضع وتقرر المفوضية في نهاية المطاف اعتبارهم لاجئين والخيار الأخير والمتزايد هو محاولة الوصول إلى أوروبا عبر طريق البحر الأبيض المتوسط، وأحيانا الوصول إلى “إسرائيل” عبر شبه جزيرة سيناء ،وأطلق حرس السواحل الحدود المصريون النار على أكثر من 50 مهاجرا حاولوا العبور إلى إسرائيل، ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، توفي أكثر من 50.000 مهاجر حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط .
وتطالب الصحيفة كلاً من المجتمع الدولي ومصر بالتخفيف من وطأة الظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون؛ إذ يجب على المجتمع الدولي أن يحشد الجهود من أجل إنشاء مراكز لجوء ترعاها المفوضية والاتحاد الأوروبي في مصر وليبيا، مما يتيح للمهجرين قسرا ملاذا آمنا وفرصة التقدم بطلب لإعادة التوطين.
وتختم الصحيفة بالقول: “ينبغي على مفوضية اللاجئين استعادة دورها في حماية اللاجئين السودانيين وأسرهم في مصر، مع الوضع في الاعتبار أن هذه الأسر تقع بين خيارين محفوفين بالمخاطر: عودة انتحارية إلى السودان أو رحلة غادرة عبر البحر الأبيض المتوسط”.