من أجل ضمان التأثير على الرأي العام، بدأت الحكومة البريطانية منذ فترة نشر إعلاناتها وخططها من خلال شبكة يومية وأسبوعية. وفي الإسبوع الماضي، امتلأت هذه الشبكة بأخبار عن المادة 50 وبدء مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا الأسبوع بدأت الحديث عن خروج وزراء بارزين إلى العالم للترويج لما دعته تيريزا ماي “بريطانيا العالمية”.
وسافرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى الأدرن والسعودية لبدء محادثات تجارية، ووصل المستشار فيليب هايموند إلى الهند لتعزيز القطاع المالي، بينما يأخذ وزير التجارة ليام فوكس جولة عبر جنوب شرق آسيا والخليج لتعزيز التجارة. وتأتي هذه الزيارات كمحاولة لإظهار الخروج من الاتحاد الأوروبي وكأنه تسبب في حالة عمل كبرى، وكذلك لجذب الاستثمارات إلى الداخل.
ويعد الترويج لـ”بريطانيا العالمية” شعارًا أكثر من سياسة متماسكة؛ حيث يقول الواقع إن غالبية تجارة بريطانيا تستند على التعاملات مع دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، مثل سويسرا والنرويج وأميركا، وهناك فجوة بين الانفتاح الأيديولوجي على التجارة العالمية من بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي والممارسة الفعلية لهذا الانفتاح الخاص بالعلاقات التجارية لبريطانيا.
ويرى محللون أن أيّ محاولة لإعادة صياغة هذه العلاقات يمتد مباشرة إلى واقعين: أولهما أن احتمالات تجارة السلع والخدمات البريطانية لا يمكن أن تتم صياغتها بشكل سريع، وتذهب حوالي 1.7% من واردات بريطانيا إلى الهند؛ وهو ما يعد أقل من التوريد الحالي للسويد، بجانب توريد ما يقرب من 44% من واردات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ ولتغيير هذا النمط سيكون من الواجب العمل لمدة عقود وليس أيام.
والآخر أن أي محاولة لإعادة صياغة العلاقات التجارية ستواجه واقعًا غير مُرْضٍ، وهو ما ظهر هذا الأسبوع خلال زيارات الوزراء؛ فمع مغادرة بريطانيا لأوروبا فإنهم يديرون ظهورهم للدول ذات القيم الديمقراطية والليبرالية، في حين تنفتح على الدول التى لا تعد ديمقراطية ولا ليبرالية.
وحاولت “ماي” هذا الأسبوع بيع أسلحة للسعودية، التي لا تعد ديمقراطية ولا ليبرالية، ويتم معاملة النساء كدرجة ثانية، واتهمتها الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب في اليمن. في الوقت الذي يعرض فيه فوكس سلع بريطانيا على الهند وإندونيسيا وماليزيا ودول الخليج، وهي الدول التي يُوجّه لها النقد نفسه. ودعوة وزير التجارة للرئيس الفلبيني تعني أن المصالح الوطنية لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تتماشى مع زعيم يعلن الحرب على المخدرات؛ ولكنه تسبب في قتل أكثر من سبعة آلاف شخص من شعبه في هذه الحرب المزعومة.
وفي السياق، التقى وزير الخارجية البريطاني مع نظيره الألماني لمناقشة قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي. واعتبر عديدون أن هذه المحادثات هامة؛ حيث تعد المحادثات بشأن الاتحاد الأوروبي أهم قضية حاليًا. وعلى عكس الصورة التي تم تصديرها بشأن العداء بين برلين ولندن؛ إلا أن الوزيرين كانا متفائلين بشأن هذه الصفقة، وشدد كلاهما على ضرورة استمرار شراكتهما.
ويعد هذا اللقاء تذكيرًا بأنه لا يجب على بريطانيا الانفتاح إلى التجارة العالمية؛ ولذا يجب التفهم أن الوزراء يثيرون سياسة خيالية في الوقت الذي توجد فيه سياسة واقعية، وهي أن صداقة بريطانيا وتجارتها وتحالفها يجب أن تكون مع أوروبا، ويجب الدفاع عن ذلك وتعزيزه.