أفادت صحيفة “المال” الاقتصادية السعودية بأن رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال باع مشروعًا يملكه، وهو شركة “كادكو، إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للجيش المصري، في صفقة تبلغ 1.25 مليون جنيه (نحو 69 ألف دولار).
وتملك “كادكو”، وهي مصرية تابعة لمجموعة المملكة القابضة السعودية للوليد بن طلال، المشروع الزراعي في الأراضي التي اشتراها الأمير في “توشكى” بجنوب مصر عام 1998 وتديرها.
وأفادت الصحيفة الاقتصادية اليومية، التي لم تذكر مصدر خبرها، أن الصفقة تمت في سرية تامة في يناير الماضي، وشملت عشرة آلاف فدان جرت تنميتها بالفعل، سدد ثمنها بالكامل، و15 ألف فدان تحت الاستصلاح، تم دفع 4.5 ملايين جنيه مقدمًا لثمنها الذي لم يتم تحديده بعد من الحكومة، إضافة إلى أعمال البنية الأساسية؛ ومن أبرزها محطات رفع المياه الخاصة بأرض الوليد.
وقالت الصحيفة إن خسائر المشروع تجاوزت 89 مليون دولار منذ بدايته وحتى الآن. فما هي ملامح الصفقة في ظل عدم الإعلان عنها رسميًا من أحد الطرفين؟ ولماذا تأخر الإعلان عنها رسميًا طيلة الشهرين الماضيين؟ وهل هناك علاقة بين تضاؤل المساحة التي بدأت بمائة ألف فدان وانتهت إلى 25 ألفًا وبين سرية الصفقة؟
دواعي الارتياب
من زاويته، يرى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن الصفقة بشكل عام لا يمكن استخراج دلالاتها بشكل قاطع في ظل الغموض الذي يلفها وفي ظل تفاصيلها المريبة، وأول ما يثير الريبة في الصفقة عمومًا هو عدم وجود تنافسية؛ حيث لم يعرض الوليد بن طلال المشروع بشكل علني ولم يطرحه أمام أكثر من مشترٍ لأعلى سعر، كما هو العرف التجاري.
ويتابع: الوليد بن طلال مستثمر عالمي يستطيع جلب مشتر قوي يحقق له سعرًا أكبر من المعلَن بكثير؛ فلماذا كان جهاز مشروع الخدمات الوطنية العميل الوحيد؟
السعر الهزيل
ويضيف الولي في تصريحات خاصة لـ”رصد”: أما السعر فهو موضع ارتياب كبير؛ إذ لا يساوي شيئًا في قيمة الاستثمارات التي أجراها الوليد على أرض المشروع منذ عام 1998؛ فمليون وربع المليون جنيه سعر غير مناسب على الإطلاق للمساحة المذكورة (25 ألف فدان)، منها عشرة آلاف فدان مزروعة بالفعل.
ويعلق الولي على مسألة السعر قائلًا: ربما تكون هناك بعض التفاهمات بين الطرف المشتري (جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع) والوليد بن طلال؛ حيث لم تتضح بنود عديدة من الصفقة بعد.
سرية الصفقة
ويستطرد الولي: وما يثير الريبة حيال الصفقة أيضًا عنصر السرية؛ إذ لم يعلن عنها بشكل واضح على الإطلاق، وكل ما تم تناوله من قبل أن شركة ما (مجموعة الراجحي السعودية) أرادت شراء المشروع من الوليد ثم تراجعت دون إبداء أسباب.
ويضيف: هذه السرية أيضًا تجعل الصفقة محل شبهة، ويتساءل: ما الذي يزعج الجيش أو الوليد بن طلال في إعلان تفاصيل البيع والشراء على الملأ؟!
التباطؤ سبب
من جانبه، أشار المهندس علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، إلى أن “ابن طلال حصل على أراضٍ منذ أكثر من 15 عامًا بمساحة مائة ألف فدان بسعر 50 جنيهًا للفدان الواحد؛ لكنها في المقابل لم تقم بعمليات الاستصلاح المطلوبة”.
وأضاف في تصريحات صحفية أن الدولة سحبت 75 ألف فدان وتركت له 25 ألفًا؛ نتيجة تباطؤ عمليات الاستصلاح، على أن يجري النظر في إعادة الأراضي التي تم سحبها حال استصلاحه لها.
ورأى عيسى أن الإعلان عن شراء جهاز الخدمة الوطنية لهذه الأراضي يعكس نوعًا من التراضي مع المستثمر السعودي، داعيًا إلى البدء الفوري في عمليات الاستصلاح لإثبات أن ثمة تباطؤًا كان يعطل تنمية هذه المنطقة وتعميرها.
واستبعد حدوث أية انعكاسات سلبية لهذه الخطوة على حركة الاستثمارات الأجنبية التي ترغب الدولة في جذبها. ولفت إلى أن ما حدث له أسبابه التي دعت الدولة إلى التحرك واسترداد الأرض؛ لا سيما وأن مشروع المليون ونصف فدان بعض أراضيه تقع بمنطقة توشكى.
مصالح شخصية
من ناحيته، يرى المحلل الاقتصادي عبدالعزيز النجار أن مثل هذه الصفقات عادة تتسم بالسرية لأن “عدم الشفافية” هو مبدأ من مبادئ الحكومات القامعة لشعوبها.
ويتابع في تصريحات خاصة لـ”رصد”: لا يمكن الفصل بين الإجراءات الاقتصادية في مصر والوطن العربي بشكل عام وبين الأداء السياسي؛ فهذه الحكومات لا ترى في الشعوب شريكًا ولا ترى له حق التعرف على أي تفاصيل أو الوصول إلى أية معلومة.
ويضيف: المسألة أكبر من الغموض ذاته، فهي تصل إلى حد “الإجرام”؛ فهؤلاء يتعاملون مع ثروات الوطن كأنها أملاك شخصية لهم، وهذه عادة المؤسسات العسكرية التي بنت ثقافتها في الحكم على مبدأ المصادرة والتأميم من قديم الأزل.
ويقول: لا أستبعد وجود تفاهمات جانبية بين الطرفين تراعي مصالحهما فقط ليس أكثر؛ فالوليد بن طلال عندما اشترى هذه المساحة من الدولة اشتراها بواقع خمسين جنيهًا للفدان الواحد، ولم يكن هذا في صالح الشعب، واليوم يتم شراء المساحة بسعر هزيل أيضًا يحقق للبائع مصلحة شخصية، أما مصلحة المشتري فلا يعلم عنها أحد شيئًا، على حد قوله.
والشركة المباعة مملوكة لمجموعة “المملكة القابضة”، التي تضم أغلب استثمارات الأمير الوليد بن طلال وشركاتها التابعة، ويبلغ رأسمالها المدفوع 55 مليون دولار، موزعة على 55 ألف سهم بقيمة اسمية ألف دولار للسهم الواحد.