في الفترة الأخيرة، يتم تدويل أي شيء يتبع السياسات الداخلية التركية؛ وذلك بفضل الجهود الصريحة التي تبذلها أوروبا للتأثير على الاستفتاء القادم من خلال منع التجمعات المؤيدة لأردوغان رغم السماح بها سابقًا.
وبهذا الحال، وضع القادة الأوروبيون المعارضة التركية في موقف صعب بعد أن أصبحوا مجبرين على إدانة الدول الأوروبية لمنع التجمعات ووقف الوزراء والدبلوماسيين الأتراك الذين يحملون جوازات سفر دبلوماسية من عقد اجتماعات مع المواطنين الأتراك.
ونشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرًا يضم خمسة أسباب محددة تفسر لنا لماذا من المرجح أن يجتمع المحافظون والوطنيون والناخبون المترددين وراء أردوغان:
1- المعارضة لا تمتلك خطة أو ضمانًا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
جميع التقارير التي أصدرها الاتحاد الأوروبي بين عامي 2004 و2014 بشأن انضمام تركيا تثني صراحة وبسخاء على الدور الذي لعبه أردوغان وحكومته في إضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات التركية.
في عام 2006، على سبيل المثال، رحب تقرير الاتحاد الأوروبي بالسماح للأكراد بحرية ممارسة حقوقهم الثقافية والتعليمية.
وفي عام 2007، رحب تقرير آخر بحقيقة أن الديمقراطية سادت في ذلك العام على محاولات الجيش التدخل في العملية السياسية واعترفت بالتقدم الذي أحرزته المؤسسات العامة ومنظمات المجتمع المدني بشأن حماية المرأة من العنف.
وفي عام 2014، أشاد التقرير ببرنامج الحكومة لإرساء الديمقراطية، ورحب بإنشاء مؤسسات جديدة تحمي حقوق الأفراد وحرياتهم.
وفي عام 2015، رحب برلمان الاتحاد الأوروبي باعتماد خطة العمل لمنع انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان كخطوة هامة نحو مواءمة الإطار القانوني التركي مع الاتفاقية.
وبالنظر إلى سنوات التقارير التي تعترف بإنجازات أردوغان وحكومته، فإن الدول الأوروبية تحتاج حقًا إلى العمل الجاد الآن لإقناع الناخبين الأتراك بأن التقدم نفسه الذي توصلوا إليه واعترفت به الدول الأوروبية قد انعكس.
لذلك؛ عندما يخبر أردوغان شعبه بأن الاتحاد الأوروبي هو الذي يؤخر انضمام تركيا إليه فإن تعليقه يمكن تصديقه، فقد كان قريبًا جدًا من تحقيق الانضمام، وهو ما رفضته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي؛ لذا إن فقدت ميركل الانتخابات في بلادها يمكن أن يخطو أردوغان بداية جديدة أكثر واقعية في هذا الشأن.
2- المعارضة لا تمتلك خطة لتحسين اقتصاد تركيا
على الرغم من أن الاقتصاد التركي يمر بعاصفة قوية، فقيمة الليرة تتراجع بشكل غير مسبوق مقابل الدولار؛ فإن هناك عدم ثقة في أي شخص آخر ليدير الوضع بشكل أفضل.
خلال الانتخابات الأخيرة، تمكن أردوغان من الحفاظ على شعبيته بشكل كبير؛ بسبب قدرته على الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد وحمايته من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وليس هناك ما يشير إلى أن الأتراك فقدوا ثقتهم في قدرته على إدارة الاقتصاد، كما لم يقدم أيّ من المحتجين بدائل جذابة على المدى القصير والمتوسط؛ فلا يزال أردوغان وحزبه أفضل أمل لهم.
ومع استمرار تطبيع تركيا مع روسيا وإسرائيل، هناك آمال بأن السياحة ستلتقط هذا الصيف أنفاسها، كما أن المستثمرين الصغار ومجتمعات الأعمال والمجموعات التجارية الرئيسة قلقة بشأن أي تأثير قد يحدث إذا ما فشل الاستفتاء.
3 – ثقة أردوغان في تحسين الحالة الأمنية
بسبب الهجمات الإرهابية المتكررة في البلاد في السنوات الأخيرة، سنجد أن أهم مسألة تواجه الأتراك الآن هي الحالة الأمنية.
ويعتقد معظم الناخبين أن الجماعات الكردية المسلحة في سوريا وتركيا وتنظيم الدولة والقاعدة وشبكة فتح الله غولن هي المسؤولة عن الهجمات الإرهابية منذ عام 2015، وينظر الأتراك إلى الدعم الأميركي والأوروبي للأكراد المسلحين في سوريا بشكوك كبيرة.
ومع ذلك، أرسلت الحكومة الحالية عدة رسائل تفيد بأن الحكومة الحالية يمكنها المضي قدمًا في هزيمة تنظيم الدولة دون الاعتماد على الدعم الأميركي؛ ووصل الأمر إلى اعتذار وكالة المخابرات المركزية رسميًا لتركيا على مزاعم وجهتها في عام 2014 بشأن تداول النفط بين أنقرة وتنظيم الدولة.
4- الملف السوري
كانت تركيا على وشك الانغماس في الحرب السورية بشكل سيئ؛ إلا أن أردوغان اتخذ سلسلة من الإجراءات التصحيحية، بما في ذلك تطبيع العلاقات مع روسيا وتعيين رئيس وزراء جديد أكثر مرونة في السياسة الخارجية من سلفه أحمد داوود أوغلو.
هل يرفض الأتراك حقًا سياسة أردوغان السورية؟ بعد زيادة التعاون التركي الروسي في سوريا، ازدادت ثقتهم في قيادة أردوغان؛ فتركيا توفر الملاذ لثلاثة ملايين لاجئ سوري رغم أن اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وصل عمليًا إلى طريق مسدود.
5- الناخبون أكثر اهتمامًا بـ”تركيا قوية” عن “تركيا الديمقراطية”
هناك دائمًا توافق في الآراء بين الأتراك بأن دستور عام 1982، الذي صاغه قادة الانقلاب العسكري وأقروه في ذلك العام، ينبغي أن يتغير بشكل تام. ولكن، لم يتمكن أي حزب سياسي منذ ذلك الحين من تحقيق أغلبية كبيرة بما فيه الكفاية لبدء هذه العملية. وإذا تمت الموافقة عليه، فإن الاستفتاء سيحقق هذا التغيير في النهاية.
ومن بين التعديلات الكثيرة التي أجراها الاستفتاء، يتمثل أحد الجوانب في أن النظام البرلماني التركي سيتحول إلى رئاسة تنفيذية. لكن النقاش حول الاستفتاء ليصبح مستقطبًا، وتقلص إلى التركيز على أردوغان نفسه وطموحاته من أجل مزيد من السلطة؛ وهو أمر لن يحشد الناخبين إلى “لا” بما فيه الكفاية.
ويرى الأتراك القوميون أن كثيرًا من حملات مكافحة أردوغان في أوروبا تدار من قبل جماعات استقلال مؤيدة للكرد، تؤويها دول الاتحاد الأوروبي. وفي حملاتها للاستفتاء، فإن حزبا الحركة الشعبية والعدالة والتنمية يستخدمان بنجاح الهستيريا الغربية ضد تركيا والإسلام.
لذلك؛ فإن الاعتماد الحالي يقع على الكيفية التي سيفسر بها الجيل الشاب، المتعلم الآن والمزدهر، السياسة العالمية؛ فالروايات الحالية التي تثير المشاعر القومية دون داعٍ يمكن أن تدفع الناخبين الشباب إلى تفضيل تركيا القوية والمقاومة بدلًا من الغضب الغربي.