أكمل الزميل محمود حسين، المنتج في شبكة الجزيرة الإعلامية، اليوم الخميس، مائة يوم في السجن منذ اعتقاله من قبل السلطات المصرية أثناء قضاء إجازته السنوية في البلاد، وجددت الجزيرة تنديدها باعتقاله ونزع اعترافات منه تحت الإكراه وبثها في إطار حملة إعلامية ضده والشبكة.
كما جددت الشبكة تنديدها باستمرار اعتقال محمود حسين لمائة يوم دون توجيه أي تهمة رسمية له، وطالبت بالإفراج الفوري عنه، كما دعت هيئات حقوق الإنسان الدولية والجمعيات المدافعة عن الصحافة وحرية التعبير والناشطين والإعلاميين إلى توحيد جهودهم للمطالبة بالإفراج عنه، والمشاركة في حملة التنديد باعتقاله عبر مواقع التواصل الاجتماعي على وسم “#الحرية_لمحمود_حسين”.
وخلال فترة احتجازه، اتُهم حسين بالتحريض على كراهية الدولة وإشاعة الفوضى، وبث أخبار كاذبة تمس الدولة، والانتماء إلى جماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون. وتم تعديل الاتهامات الموجهة إليه مؤخرًا لتتضمن -بالإضافة إلى ما ذكر- تهمة تسلم أموال من الخارج بنية الإضرار بالدولة.
غير أن الانتهاكات في مصر لم تنفجر مرة واحدة؛ فمنذ ثلاث سنوات تسجل منظمات حقوقية وناشطون مصريون سجلًا قاسيًا بلغ حد القتل، أما التعذيب والاعتقال التعسفي والتضييق فوثّق الكثير منه وبقي أكثره طي المجهول.
ويمكن تلخيص مشاعر القلق الكبير على حرية الصحافة والفكر بما عبرت عنه مؤسسة فريدم هاوس الأميركية بتحذيرها من التراجع الحاد في هذه الحريات؛ فيما ذهبت منظمة العفو الدولية إلى ما هو أبعد، وقالت إن النظام المصري مصاب بـ”جنون الارتياب”.
حساب عسير
من زاويتها ترى الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية المصرية نادية أبو المجد إدارة النظام للمشهد الإعلامي في بلادها يلخصه التسريب الذي كان يتحدث فيه عباس كامل، مدير مكتب عبدالفتاح السيسي، عن الصحفيين المطلوبين لأداء مهام داعمة ومروجة للانقلاب.
وتضيف أنه من الصعب الدفاع عن هذا النظام، وأن بعض الصحفيين ربطوا مصيرهم به ويرون النظام في خطر ولن يتمكنوا من التلوّن كما فعلوا في ثورة 25 يناير؛ فهذه المرة “سيكون الحساب عسيرًا”.
ولفتت إلى أن الصحفيين الذين تحركوا ضد اعتقالات الداخلية بدؤوا يرفعون لافتات “الصحافة ليست جريمة” وغيرها لأن الضرر لحق بهم وهم يرون رقص المأجورين في مقر نقابتهم وما يحمله من رمزية.
صحفيون مجرمون
وخلصت نادية أبو المجد في تصريحات تلفزيونية إلى أن النظام قام في جزء كبير منه على أكتاف صحفيين حرّضوا على القتل وشمتوا في القتلى من أبناء بلدهم، بينما لم يستطع رئيس مجلس إدارة أكبر مؤسسة صحفية يومًا ما نشر مقاله؛ فنشره بصفحته في فيس بوك، بل وتظاهر ضده زملاء في المؤسسة وطالبوا بطرده.
من ناحيته، قال نقيب الصحفيين المصريين الأسبق ممدوح الولي إن حرية المواطن لا تقل عن حرية الصحافة، والحال أنها منتهكة، وستجبر الصحافة على اتباع مسار الشارع الذي يعاني في حريته وفي ضنك العيش.
أما الكتابة الجديدة التي تتحدث عن دولة الخوف من أقلام عرفت بتأييدها المتواصل للنظام، فقال إن هذا لا يعكس أي هامش للحريات بقدر ما هو تنفيس جزئي وتمويه على الجمهور وامتصاص الغضبة الشعبية يوم 25 أبريل؛ وبالتالي ليست لها أي مصداقية.
خصوصية كل حادث
ويرى عديد من الخبراء أنه رغم اضطهاد نظام السيسي للصحافة والإعلام بشكل عام؛ إلا أن بعض الحالات تبقى محتفظة بخصوصيتها، حيث يرون أن صحفيين عديدين تم اعتقالهم ضمن حملة شاملة لقمع أي صوت معارض، خاصة الصحفيين المنتمين إلى تيارات سياسية بعينها، أو الصحفيين الذين يهدف النظام من اعتقالهم إلى تسوية حسابات خاصة.
ويقول الإعلامي المصري مسعود حامد إن من الصحفيين أصحاب الحالات الخاصة محمود حسين، المنتج بشبكة الجزيرة، الذي تسعى الدولة من خلال اعتقاله إلى الانتقام من شبكة الجزيرة التي لطالما سعت إلى تقديم الحقيقة للمواطن العربي، على حد قوله.
حالة بدر
ويمضي قائلًا إن اعتقال بدر محمد بدر، الصحفي ذو التاريخ الطويل في المهنة، لا يأتي ضمن اضطهاد للصحفيين، بل ضمن انتمائه السياسي إلى الإخوان المسلمين الذين يشن النظام عليهم حربًا شعواء؛ بهدف تغييبهم تمامًا عن المشهد السياسي، بل والإنساني، على حد قوله.
وقال إن “الدولة تريد صحفيًا ميتًا أو معتقلًا أو معتزلًا للمهنة”.
تُهم غير معقولة!
وعطفا على ذلك أكد كبير المستشارين في اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، فرانك سمايث، أن الصحفيين يواجهون ظروفًا عصيبة في مصر، قائلًا إن “الحكام العسكريين يسيطرون على الإعلام لمنع توجيه أي نقد إليهم”.
ووصف سمايث أوضاع حرية الصحافة والإعلام بأنها تبعث على خيبة الأمل بعد الثورة التي شهدتها البلاد للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، موضحًا أن الصحافة تتعرض إلى “قمع غير مسبوق وعميق في نطاقه وتركيزه لحجب المعلومة الحقيقية عن الموطنين”.
وأوضح أن السلطات “توجه تهمًا غير معقولة للصحفيين تستخدم في محاكم هزلية لقمع حرية الصحافة”، وذهب إلى القول بأن “السلطة العسكرية لا تطيق أي انتقادات لسياستها، سواء من الداخل أو الخارج”.
وتعليقًا على تبرير الحكومة لممارساتها ضد الإعلام بدعوى محاربتها للإرهاب، شدد سمايث على أن حرية الصحافة ركن أساسي لأي نظام ديمقراطي ناجح، وأضاف أن “الناس يجب أن تطلع على المعلومات بسهولة، ومحاولة النظام لحجبها ستكون نتائجه وخيمة”.
أخطار لا سابق لها
وقد خلص تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، التي تعرف اختصارًا “بيسيكجي” وتعنى بشؤون صحفيي العالم، إلى أن أعدادًا غير مسبوقة من الصحفيين محتجزون في سجون مصر ويواجهون تحت حكم عبدالفتاح السيسي أخطارًا لا سابق لها.
ووصف التقرير تعهدات السلطات المصرية إزاء حرية الصحافة بـ”الجوفاء”، وقال: وجدنا أسوأ بيئة عمل صحفي في مصر منذ عام 1990، أكبر عدد من الصحفيين تم سجنهم بسبب تهم وذرائع وهمية؛ بحجة محاربة الإرهاب والأمن القومي وغيرها من المبررات من أجل اضطهاد الصحفيين المعارضين والمستقلين واستهدافهم.
وقال التقرير، الذي حمل عنوان “الاعتداءات على الصحافة”، إن كثيرين منهم لم يقترف أي عنف، وأردف: “هذا أكثر أنظمة الحكم التي عرفناها في حياتنا استبدادًا. السلطات المصرية تتبع سياسة تكميم الأفواه وقمع المناوئين السياسيين بأقصى الطرق؛ كالاعتقال وإصدار أحكام إعدام بالجملة”.