مع حلول السادس والعشرين من شهر مارس الجاري ينقضي عامان على اندلاع عاصفة الحزم ومن بعدها عملية إعادة الأمل، كانا عامان حافلان بالإنجازات العسكرية، وبالقليل من النجاحات السياسية والاقتصادية التي يبدو أنها المسئولة عن هذا القدر من الضباب الذي يحجب الرؤية عن الترتيبات المتعلقة بالمستقبل.
جاء التحالف العربي ليعيد لليمنيين دولتهم التي اختطفتها إيران وليعيدهم جميعاً إلى طريق السلام والمصالح والانتقال السياسي إلى مرحلة الدولة الانتقالية، ولكن ثمة تباين واضح في نوع الدولة التي يريد التحالف استعادتها ناهيك عن الانقلابيين الذين يقاتلون من أجل فرض تصورهم الخاص لهذه الدولة.
وإذا كانت الهزيمة العسكرية للانقلابيين هي الكفيلة بوضع حد لمحاولاتهم فرض التصور المشوه للدولة، وكبح جماع الحراك الانفصالي الذي يسعى بالتناغم الكامل مع الانقلابيين، على تمزيق الدولة، فإنه في المقابل ليس مطلوبا من التحالف أن يتبرع بفرض معاييره الخاصة على المضمون الجمهوري الاتحادي للدولة وهو مضمون ديمقراطي تعددي يقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة واللامركزية الواسعة جداً.
لن يكون نظام كهذا عقبةً أمام اندماج اليمن الجمهوري مع الممالك والإمارات التي يتشكل منها مجلس التعاون الخليجي، فالديمقراطية هي أحد أهم المظاهر الليبرالية التي تتجذر في بنية الدول الخليجية على الرغم من المظهر الشمولي لهذه الدول.
تخطئ الدول النافذة في التحالف العربي بتبنيها نهجا سياسياً للتعامل مع اليمن وأزمتها على أنها واحدة من ساحات المواجهة الثنائية “الحدية” بين الأنظمة التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي، و”الإسلام السياسي”، وتخطئ أكثر حينما تعتقد بأن احتواء الأزمة اليمنية يمكن أن يتم عبر نماذج مكررة للواء المتقاعد حفتر الذي يقود فلول نظام القذافي ويتصادم مع إرادة الغالبية من أبناء الشعب الليبي في التغيير، لأن “الإسلام السياسي” لا يختزل المشهد فلطالما ظلت حصته ثابتة في البرلمان اليمني لا تتعدى الـ20 بالمائة من عدد المقاعد.
إن التوجه الخطير في السلوك السياسي للتحالف، هو الذي يفسر كيف أن المشروع الانقلابي لا يزال قادراً على البقاء حتى اللحظة ولا تزال الفرصة متاحة لهؤلاء الانقلابيين لحشد الآلاف من مؤيديهم في ميدان السبعين بوسط صنعاء أو في شارع المطار إلى الشمال من المدينة، لإحياء الذكرى السنوية لاندلاع عاصفة الحزم، التي تشير إلى أهم وأوسع تدخل عسكري عربي لإنهاء خطر وشيك في تاريخ المنطقة.
لم يكن باستطاعة صالح وحليفه الحوثي أن يقيما المهرجانات في صنعاء لولا أن التحالف أبقى هذه المدينة خارج نطاق استهدافه، عدا بعض المعسكرات ومخازن السلاح الموجودة في السلسلة الجبلية المحيطة بالمدينة، وبالتأكيد ليس المطلوب استهداف المدينة ولكن العمل على تضييق الخناق على الانقلابيين عبر التصعيد في كل الجبهات، والتسريع في حركة القوات باتجاه العاصمة.
الأمان النسبي الذي تتمتع به صنعاء اليوم، هو واحد من الضمانات التي تمتعت به المدينة ضمن الاستراتيجية العسكرية للتحالف، فيما كانت الاستراتيجية السياسية والاقتصادية السيئة قد أبقت على البنك المركزي والمؤسسات والخدمات في العاصمة صنعاء، وتحت السيطرة الكاملة للانقلابيين حتى شهر سبتمبر 2016، ما أبقاهم السلطة الفعلية التي يتعامل معها الداخل والخارج إلى أن قررت الحكومة أخيراً استعادة البنك، والقيام بمهمة إدارة الدولة والخدمات العامة.
هذه السلطة تتآكل رغم الهياكل السياسية التي أنشأها الانقلابيون مثل “المجلس السياسي الأعلى” و”حكومة الإنقاذ”، وتواجه تحدي الاستمرار في ظل عجزها عن تأمين النفقات التشغيلية والمرتبات لموظفي المؤسسات التي تعمل في المناطق الخاصة لسيطرة الانقلابيين.
حينما نقلت الحكومة الشرعية عمليات البنك المركزي إلى عدن في أيلول/ سبتمبر 2016، كانت بالفعل تُفرغ الهياكل السياسية للانقلابيين من مضمونها، وتحولها إلى عبء ثقيل عليهم.
لقد كان الانقلابيون يحكمون بالأموال المتاحة في البنك المركزي، واليوم لم يعد ذلك متاحاً، والمتاح يجري توظيفه في بناء اقتصاد حرب موازي يؤمن بقاءهم ويخلق نماذج فساد صارخة تستفز ملايين الفقراء الذين يرون مستقبلهم ينهار أمام أعينهم بسبب الموجة الجديدة من رعاع العصر وقتلته المأجورين.
لا أحد يجادل في النجاحات العسكرية التي تحققت خلال عامين من تدخل التحالف العربي، فعاصفة الحزم هي التي غيرت مجرى الأحداث وأحدثت الانقلاب الأهم في معادلة القوة على الأرض، فبعد السيطرة الميدانية الكاملة للانقلابيين على البلاد، يتراجع حضورهم العسكري وينحسر إلى مساحة لا تتعدى الـ 30 بالمائة من البلاد.
كانوا يهيمنون على موانئ البلاد وعلى مضيق باب المندب وخطوط الملاحة، ويتحكمون بالتجارة، أما اليوم فإن تأثيرهم لا يتجاوز ميناء الحديدة التي تراجعت المناولات التجارية فيه إلى أدنى مستوى، بعد أن قامت الحكومة بتشغيل ميناء عدن، أكبر الموانئ البلاد.
لقد قام التحالف العربي بتدمير القوة العسكرية والتسليحية للانقلابيين، عبر ما يزيد عن 90 ألف طلعة جوية نفذتها مئات الطائرات ذات الكفاءة القتالية العالية. وعلاوة على ذلك نجح في بناء قوات مسلحة جزء مهم منها يمكن اعتباره جزء من جيش وطني حقيقي ويتمتع بقدرات تسليحية ممتازة، وهذا الجيش بات اليوم على مسافة عشرين كيلو مترا من العاصمة صنعاء، وبدأ يطوق العاصمة من الجهة الشمالية الغربية، وثمة معركة وشيكة مع اثنين من أهم معسكرات الحرس الجمهوري المنحل التي تسيطر على الشمال الغربي لصنعاء، وتؤمن منشآتها الحوية وبالذات المطار الدولي والقاعدة الجوية.
الأجندة السياسية للتحالف هي فقط من يفسد هذه المهمة العسكرية الناجحة، التي تواجه اليوم خطر استمرار التدخل الإيراني عبر عمليات متواصلة من تهريب الأسلحة الأكثر تطوراً لمقاتلي ميلشيا الحوثي الطائفية الموالية لطهران.
في الواقع لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، فالمشروع السياسي الذي يتعين أن يدعمه التحالف هو إعادة أطلاق العملية السياسية على الأسس الدستورية التي أنتجها مؤتمر الحوار الوطني، ودعم تحالف سياسي من أحزاب مدنية، يمكن أن يشرف على حكم البلاد لفترة انتقالية لا تزيد عن خمس سنوات يتم خلالها ترسيخ بنيان الدولة اليمنية الجديدة ودمجها في الفضاء الخليجي على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.