نشرت صحيفة “التليجراف” مقالًا للكاتب والرحالة “كريس ليدبيتر” يتحدث عن زيارته للمناطق الأثرية في السودان. فمن مدينة “الكرو”، التي تعتبر إحدى أهم المقابر الملكية، إلى 177 هرمًا في المقبرة الشمالية بالسودان، أخذنا ليدبيتر في رحلة مشوقة. وإلى نص مقالته:
عندما تصل إلى مصر، وفي إحدى المقابر، يمكنك رؤية مقبرة بها رسومات للملك تناو تماني، وهو ملك من القرن السابع عشر وكان يعيش بهرم بمقبرة الكرو؛ حيث ستلاحظ حضوره على الحوائط التي صورت إنجازاته، ولكن دون وجود تابوت له في مصر.
رؤية هذه اللوحة الفنية في مقبرة الرجل، الذي توفي في عام 653 قبل الميلاد، هي امتياز كبير. ولكن ذلك يعد تضليلًا؛ إذ لا توجد مقبرة “الكرو” في مصر، ولكنها تقع في شمال السودان، وهو ما لا يعد أمرًا غريبًا؛ حيث إنه في عصر الفراعنة امتد عالمهم إلى أقصى جنوب مصر على طول نهر النيل، ولم تكن هناك الحدود الموجودة الآن.
وفي جنوب السودان توجد معابد وأهرامات، ولكن لا يزورها كثيرون.
ويعتبر لدى هذه الدولة تاريخ من الأزمات، التي تمتد إلى غزو مصر لأراضيها من قبل منتوحوتب الثاني في القرن 21 قبل الميلاد.
ومرّ السودان بعديد من الأحداث خلال مائتي عام؛ منها ضم الدولة العثمانية لهم في 1821، ثم وجودهم في عهد بريطانيا الاستعمارية في 1882 وحصولهم على الاستقلال في 1956 وانزلاقهم في الحرب الأهلية التي أدت في النهاية إلى الانفصال ووجود ما يسمى “جنوب السودان” في 2011. وبانتشار أعمال العنف في التسعينيات، اعتبرتها أميركا راعية للإرهاب.
وخلال الفترة الماضية تمت إضافة شعب السودان في قرار حظر السفر إلى أميركا الذي أصدره ترامب. ويعتبر السودان محظوظًا حاليًا بوجود أي سائح في ظل العنف.
ولا يعد اعتبار مكتب وزارة الخارجية البريطانية لمعظم مناطق السودان “آمنة” أمرًا غريبًا؛ حيث تعم الحياة الطبيعية في عدد من المناطق بها مثل أي دولة إفريقية.
وشرح المؤرخ حاتم النور التعقيدات التراثية بالسودان؛ حيث تحدّث عن مملكة كوش التي شكّلت في صحراء بايودا في 2500 قبل الميلاد، وتراجعت حظوظها بسبب قوة مصر وتزايد توغل الملك منتوحوتب الثاني في 2032، وعادت في القرن الثامن قبل الميلاد بوجود الملك كوشتا، الذي تحرك بخطوات كبرى للشمال، وتمكن ملوك كوش من أن يصبحوا فراعنة الأسرة 25 وحكموا الدولتين بين الفترتين 760 و656 قبل الميلاد.
ولم يكونوا على هامش التاريخ؛ حيث إنهم كانوا محاربين، وتمكنوا من بناء إمبراطورية وتركوا بصماتهم عبر هذه الأرض.
وكانت “الكرو” واحدة من المقابر الكبرى التي تعود إلى الكوشيين. وكانت متواجدة بين الفترتين 795 و315 قبل الميلاد؛ ولكن الأجيال التالية لم تحافظ عليها. وتحاول دراسات أثرية ملء الفراغ في الفترات التي تلتها.
وعلى جوانب “الكريمة” توجد القرية الزراعية التي تدعى “الطريف”، والتي لن يلاحظها أحد لولا كونها جزءًا من الحصن العثماني؛ لكنها تدمرت أيضًا. وعلى جوانب هذه القرية توجد ألواح من بناء الكوشيين، وهي مزينة مع منحوتات للملوك والملكات والآلهة.
وهناك أيضًا جبل “البركل”، الذي يصل طوله إلى 322 قدمًا، وكان مقدسًا لدى الحكماء. وهناك أيضًا مخطط معبد آمون الذي تم بناؤه في عام 1400 قبل الميلاد من قبل الملك المصري توتموسيس الثالث وتم توسيعه من الملك طهارقة في عام 680 قبل الميلاد. وإلى آخر آثار ملوك الكوش، وهي الأهرامات في مدينة مروي، التي تعد من العجائب.
ويوجد ما يقرب من 177 هرمًا، يقع معظمهم في المقبرة الشمالية. وكان من الممكن تدميرها؛ خاصة من الطبيب الإيطالي جوزيبي فريليني الذي تحول إلى مستكشف وعالم آثار ودمر ما يزيد على 40 هرمًا في مصر والسودان، وكان مصاحبًا للقوات العثمانية في عام 1834.
ولعل ما فعله بمقبرة الملكة أمانيشاخيتي، التي يُعتقد أنها حكمت مملكة كوش من القرن العاشر قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي، يعتبر صدمة وجهلًا.
وكذلك توجد مقبرة ناهركا التي تم تشييدها في سنة 140 قبل الميلاد، وبعد مدخل المقبرة يوجد معبد جنائزي؛ حيث توجد به نقوش لـ”إيزيس” و”أوزوريس” وهما يرحبان بالملك الميت.
ويتمثل المصير الأخير لمملكة الكوش في هرم الملكة أمانيريناس، التي نقلت الصراع إلى مصر في عام 27 قبل الميلاد، وفازت في أجزاء من حرب استمرت خمس سنوات، ثم تفاوضت مع الإمبراطور أغسطس من خلال معاهدة؛ وكان هذا هو التحدي الأخير للحضارة التي ستنتهي خلال الـ300 عام التاليين.