قال البنك الدولي إنه سلم السلطات في مصر، يوم الاثنين، مليار دولار دفعة ثانية من قرض متفق عليه بين الجانبين بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وأشار البنك في بيان صادر عنه إلى أن الحكومة المصرية “اتخذت خطوات هامة على صعيد الإصلاح المؤسسي وإصلاحات السياسة الاقتصادية؛ ما أرسى القواعد التي يمكن الانطلاق منها نحو توفير مزيد من الوظائف وتحقيق النمو الشامل”.
من جانبها، قالت سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي المصرية، إن “الشريحة الثانية من القرض سوف تعزز استثمارات القطاع الخاص ومشروعات التنمية والمشروعات الخدمية؛ ما من شأنه أن ينعكس إيجابًا على مستوى معيشة المصريين”.
وتسلمت مصر الشريحة الأولى من قرض البنك الدولي في سبتمبر الماضي لسد الفجوة التمويلية التي تفاقمت في العامين الماضيين.
ودخلت مصر في مفاوضات مع عدد من الجهات المقرِضة على المستوى الدولي للحصول على قروض بمليارات الدولارات لمواجهة العجز الكبير في العملة الأجنبية.
واتخذت الحكومة إجراءات عدة خلال الفترة الأخيرة؛ مثل خفض الدعم على المحروقات، وفرض ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى تحرير سعر الصرف الذي أدى إلى تضاعف قيمة الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري منذ نوفمبر الثاني 2016.
وعلى إثر ذلك، سجل تضخم أسعار المستهلكين في مصر ارتفاعًا قياسيًا. ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يشهد معدل التضخم مزيدًا من الارتفاع خلال العام الجاري، مع سعي الحكومة لتطبيق إصلاحات اقتصادية تتضمن خفض دعم الطاقة.
وساعدت الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها مصر في حصولها على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وتسلم البنك المركزي المصري في نوفمبر الماضي 2.75 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وتأجل تسليم الشريحة الثانية من القرض التي كانت مقررة في مارس الجاري.
أمر طبيعي
قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله إن صرف الدفعة الثانية من صندوق البنك الدولي أمر طبيعي بعد تنفيذ مصر شروط البنك كافة، من رفع الدعم عن المحروقات وتحرير سعر الصرف وتخفيض مرتبات الموظفين وتقليل عددهم وفرض الضريبة على البورصة؛ وهذه هي “الروشتة” التي طُلبت من مصر منذ 2015 ونفذها النظام.
وأضاف “ذكر الله” في تصريحات صحفية أن موقف الحكومة صعب للغاية، وكانت مضطرة لتنفيذ كامل الشروط وغض الطرف عن السخط الجماهيري الكامن حتى الآن.
أول قرض من نوعه
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور سرحان سليمان إن الحكومة المصرية لم تستطع أن تستخدم القروض والمنح الضخمة في التحول نحو الإنتاج؛ وبالتالي أصبحت مصر كلها أسيرة لدى المؤسسات الدولية التي تنوي العبث بمقدرات المصريين.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”رصد”: هذا القرض هو الأول من نوعه؛ إذ إن المعتاد أن تقدم القروض لزيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة فرص العمل لتحسين الوضع الاقتصادي؛ إلا أن قرض البنك الدولي لمصر وغيره من القروض يتم توظيفها في سد الفجوة التمويلية التي تعكس العجز في احتياجات الدولة، وهو أمر لا يحدث إلا في نوع من الدول يصنفها البنك الدولي تحت مسمى “دول لا تسعى إلى تحسين أوضاع شعوبها الاقتصادية”.
وضرب لذلك مثلًا بأن الدولة تريد زيادة السلع على بطاقات التموين، فتمتد يد الحكومة إلى القرض لاستيراد مزيد من السلع لسد الفجوة التموينية، وأكد أن البنك الدولي يقدم القرض لمصر وهو يعلم جيدًا أن هذا المبلغ يتم توظيفه في سد الاحتياجات المادية لاستيراد ما تحتاجه مصر من سلع.
الحبل على الجرار
من ناحيته، يرى المحلل الاقتصادي يوسف الولي أن النظام الحالي يعتمد على القروض الدولية بشكل غير مسبوق في تاريح مصر؛ حيث بدأت القروض من الخليج (الكويت والسعودية والإمارات وغيرهم) ثم اقترضت من دول أوروبية (منها فرنسا وبريطانيا)، فضلًا عن القروض من المؤسسات الدولية مثل البنك الإفريقي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغير ذلك من الجهات.
ويستطرد أن غياب الشفافية في صرف هذه القروض وتوظيفها إنما يدل على حالة من الارتباك الاقتصادي وعدم الحرفية، على أقل تقدير، إن لم يكن فسادًا واسع النظاق وفشلًا كبيرًا.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”رصد” أن استمرار مثل هذه القروض مرتبط بتنفيذ الشروط التي تمليها كل جهة على النظام، وبالتالي على البلاد؛ وهو ما يراه “الولي” تسليمًا اقتصاديًا وسياسيًا للدولة إلى الجهات المانحة، وهو ما يجعل مصر أسيرة لهذه المؤسسات رغمًا عنها؛ بما ينعكس سلبًا على الأجيال القادمة. وقال إن الأوضاع بذلك كـ”الحبل على الجرار، ومصر تسير في هذا الاتجاه بشكل مفزع”.
نظرة معلوماتية
يقوم عمل البنك الدولي على توفير الدعم الفني وإقراض الدول بالأساس على نحو موجّه لقطاعات معينة أو تنفيذ مشروعات محددة من قبيل بناء المدارس أو حماية البيئة أو تطوير شبكة الكهرباء، وهي قروض طويلة الأجل بصورة عامة.
ومع ذلك، أبرم البنك مع مصر في نهاية 2015 اتفاقًا بقرض قيمته ثلاثة مليارات دولار، تلقت أول شريحة منه بقيمة مليار دولار في سبتمبر الماضي؛ مقابل شروط تتعلق بسياساتها الاقتصادية، من ضمنها تقليص ميزانية الأجور الحكومية ودعم الطاقة وزيادة حصيلة الضرائب ورفع أسعار الكهرباء.
ويعد ذلك نوعًا من القروض النادرة التي يمنحها البنك للدول الأعضاء تحت مسمى “تمويل سياسات التنمية Development Policy Financing“.
وبمقتضى هذا النوع، تتعهد الحكومة بحزمة من الإجراءات المحددة سلفًا بالاتفاق مع البنك. ويرتبط الحصول على كل شريحة (دفعة) من قيمة القرض بتنفيذ كل مرحلة من الإجراءات؛ وهو ما يتشابه فيه هذا القرض الفريد من نوعه مع قروض صندوق النقد.
ويظهر موقع البنك الدولي ارتفاع إجمالي محفظة قروض مصر من مجموعة البنك الدولي في عام 2016 لتصل إلى 1.56 مليار دولار مقارنةً بـ1.4 في العام السابق، و408 ملاييين دولار في 2014.