لطالما سعت إيران جاهدة لتصبح قوة إقليمية رائدة، ومن ثم لم يكن غريبًا إعلانها في أواخر نوفمبر الماضي عزمها إنشاء قواعد بحرية لها في سوريا واليمن، اعتبرتها إحدى الصحف المملوكة لحكومة طهران “قد تكون أكفأ بعشر مرات من قوة نووية”.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري أن بلاده تتجه نحو “بناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن؛ لحاجة الأساطيل الإيرانية إلى قواعد بعيدة”، على حد قوله.
مدافعو الحرم
ونقلت وكالة “فارس” عن باقري قوله خلال اجتماع عمل مع قادة القوة البحرية إن هناك كثيرًا من المتطوعين من “مدافعي الحرم”، وهو لقب تطلقه إيران على مقاتليها ومليشياتها الطائفية في سوريا والمنطقة، “مستعدون للتضحية ضمن القوات البحرية لو أتيح لهم المجال”، وفق تعبيره.
نفي إقامة قواعد عسكرية
إلا أن المساعد السياسي للقائد العام لقوات حرس الثورة الإيرانية، العميد رسول سنائي راد، عاد ونفى نية إيران إقامة قواعد بحرية عسكرية في سوريا، قائلًا إن “تواجدنا في سوريا هو تواجد على صعيد المستشارين العسكريين، وجاء بطلب الحكومة السورية، ولسنا وراء إنشاء قاعدة عسكرية في محافظة اللاذقية السورية، وإن إثارة الأجواء تأتي في سياق استفزاز دول المنطقة وبث الخلافات”.
وأضاف أن “وسائل الإعلام بصدد اتهام إيران بالتواجد الدائم في بلد إسلامي من خلال هذه المزاعم وتبرير انتشار القوات الأميركية في سوريا”.
أهمية اللاذقية
وأشار العميد الإيراني في تصريحاته إلى أهمية مدينة اللاذقية بالقول إن “محافظة اللاذقية بسبب إطلالتها على البحر الأبيض المتوسط تعد من المحافظات المهمة في سوريا؛ بحيث روسيا لديها هناك قاعدة”.
وتابع أن “التكفيريين يصرون على الاستيلاء على هذه المنطقة لكي يفتحوا طريقًا صوب البحر الأبيض المتوسط والغرب، للخروج من العزلة والوصول إلى المياه الدولية؛ ومن هذا المنطلق تحظى محافظة اللاذقية بالأهمية”. وتناقلت بعض وسائل الإعلام في وقت سابق تقارير حول اعتزام إيران بناء قاعدة عسكرية في اللاذقية.
تحليل فورين أفيرز
في السياق ذاته، نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالًا لأحد كبار الباحثين يقول إن إقامة قواعد في سوريا واليمن تكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى إيران؛ فاليمن يشرف على مضيق باب المندب، أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم.
وأوضح كاتب المقال، وهو كبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة “تل أبيب” يوئيل غوزانسكي، أن من شأن إقامة قاعدة بحرية هناك منح طهران منفذًا إلى البحر الأحمر وجعلها في وضعٍ مواتٍ أكثر لتهديد المملكة العربية السعودية “خصمها اللدود في المنطقة”.
ثم إن قاعدة في اليمن ستمكن إيران من تقديم دعم أفضل لجماعة الحوثي، التي يصفها الكاتب بأنها “واحدة من عملائها” واجتاحت صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014.
مبرر إيراني
وقال غوزانسكي، الذي كان مكلفًا بالملف الإيراني في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن الحصار الذي فرضه التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن حال دون وصول إيران إلى شواطئ اليمن. فقد أُرغمت سفن إيرانية كانت تحمل شحنات أسلحة إلى الحوثيين في أكتوبر الماضي على العودة إلى حيث أتت بعد أن اعترضتها سفن حربية أميركية.
وأضاف أن هذه الحوادث دفعت إيران إلى إقامة قاعدة بحرية في اليمن لتفادي مثل هذه المشكلة.
ومن شأن قاعدة في سوريا، إذا رأت النور، أن تطيل ذراع البحرية الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط وتعزيز الوجود العسكري الإيراني على مقربة من السواحل الأوروبية. كما أنها ستكون عونًا لحلفاء إيران في لبنان (حزب الله) وفلسطين (حركة حماس) وسوريا (نظام بشار الأسد).
ولعل قاعدة من هذا النوع ستتيح لإيران نقل إمداداتها ومساعداتها المنتظمة الأخرى إلى حزب الله دون الحاجة إلى توصيلها عن طريق البر أو الجو عبر العراق وتركيا. هذا إلى جانب أن هذه القاعدة ستجعل إيران تستغني عن السودان، الذي ظل لأمد طويل يمثل ميناء لدخول الأسلحة الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا قبل أن يدير هذا البلد الإفريقي ظهره لطهران مؤخرًا ويتقارب أكثر مع السعودية.
ترامب والقلق الإيراني
ومضى الكاتب إلى ما سماه الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، أتاح لهاتين الدولتين العربيتين ميزة تمثلت في تحكمها في منطقة البحر الأحمر بإقامتهما قواعد بحرية في جيبوتي وإريتريا.
واستطرد قائلًا إن بناء قاعدة إيرانية في سوريا قد يساعد طهران على إصلاح هذا “الخلل في ميزان القوة”.
وتنسجم القاعدتان في سوريا واليمن مع خطة إيران الكبرى لبسط سلطانها في المنطقة وما وراءها. وتعكف طهران على تعزيز حضورها على طول سواحل الخليج العربي وخليج عمان.
اعتراف إيراني
ونقل غوزانسكي في مقاله بمجلة فورين أفيرز عن قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سياري قوله في مؤتمر صحفي سابق: “نحن نبني منطقتين بحريتين وثلاث قواعد بحرية على سواحل مكران، المطلة على بحر عمان جنوب إيران”.
وأشار “سياري” إلى أن هذه المنشآت “تتفق مع خطتنا بالعودة إلى البحر”، مؤكدًا على طموحات إيران خارج مياهها الإقليمية، وقال في هذا الصدد: “مما لا شك فيه أن أساطيلنا البحرية ستدور في المستقبل القريب حول إفريقيا وعبر المحيط الأطلسي”.
ولعل توقيت إعلان طهران في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قد يوحي كذلك بأن انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة جعل القلق ينتاب الإيرانيين. ورغم كل ما قيل، فإن طهران لا تملك حاليًا من القدرات العسكرية والموارد المالية ما يجعلها قادرة على التوسع؛ فسلاح بحريتها لا يزال يستخدم معدات منذ عهد الشاه عفا عليها الزمن، وتنظر بحذر إلى ترامب الذي وصف الاتفاق النووي الإيراني بالمقيت.
ومع ذلك، فإن توسع البحرية الإيرانية يكتسب زخمًا يؤرق مضاجع جيرانها، على حد تعبير المقال. وإذا تُركت إيران دون كبح جماحها فإنها قد تتمكن من تطوير القدرة على تهديد خطوط الملاحة الحيوية في بحر قزوين والمحيط الهندي.
وحث الكاتب إدارة ترامب المقبلة على بذل مزيد من الجهد للتصدي للخطر الذي تشكله إيران، لا سيما في المجال البحري؛ حيث تتمتع الولايات المتحدة بتفوق واضح.
مناورة بالإنكار
واستطرد الكاتب أن إيران تناور بإنكارها نيتها إقامة قواعد عسكرية، سواء في سوريا أو اليمن، لعدة اعتبارات؛ منها تأهب ترامب وتحفزه تجاه إيران على الأقل في هذه المرحلة، ولا تريد إيران في هذا الاتجاه مزيدًا من صب الزيت على النار، على حد قوله؛ إلا أن ذلك لا ينفي نيتها الإقبال على هذه الخطوة.