ارتفع المعدل السنوي العام لتضخم أسعار المستهلكين في مصر إلى 31.7% في فبراير الماضي، في حين بلغ معدل التضخم في المدن 30.2% في الشهر نفسه ليسجل أعلى مستوياته منذ نوفمبر 1986.
وسجّل التضخم السنوي في المدن المصرية 28.1% في يناير 2017، ويتواصل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في البلاد منذ بدء تنفيذ إجراءات اقتصادية صعبة العام الماضي من تخفيض الدعم الحكومي وفرض ضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف.
وبحسب بيانات التضخم التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء اليوم الخميس، بلغت نسبة ارتفاع الأسعار في مصر على أساس شهري 2.7% في فبراير الماضي.
قفزة الدولار
وقالت الخبيرة الاقتصادية ريهام الدسوقي، من شركة أرقام كابيتال، إن القفزة التي حدثت في سعر الدولار “هي السبب في ظهور التضخم عند هذه المستويات التي أعلنت اليوم، وأتوقع استمرار الارتفاع شهرًا آخر أو شهرين قبل أن يبدأ في التراجع”.
وتخلت مصر في نوفمبر 2016م عن ربط الجنيه المصري بالدولار الأميركي عند مستوى 8.88 جنيهات للدولار؛ ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه بنحو 50% وأحْدَثَ ارتفاعات هائلة في أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية.
وتوقع الاقتصادي هاني جنينة، من شركة بلتون المالية، حدوث “موجة ثانية من ارتفاع الأسعار بين 10% و15% في منتصف العام، وسط توقعات بزيادة أسعار الطاقة خلال يوليو المقبل”.
وتعمل الحكومة المصرية على تحرير أسعار الطاقة كليًا خلال 2018-2019 حسب اتفاقها مع صندوق النقد الدولي.
وأرجع الإحصاء في بيانه الشهري (اليوم الخميس) ارتفاع معدل التضخم إلى ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة (5.5%)، مجموعة الخضروات بنسبة (4.5%)، مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (6.3%)، مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (8.3%)، مجموعة الفاكهة بنسبة (6.6%)، مجموعة الزيوت والدهون بنسبة (1.1%)، مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة (1.4%)، قسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنسبة (1.9%)، قسم الرعاية الصحية بنسبة (1.9%)، قسم النقل والمواصلات بنسبة (3.3%)، قسم السلع والخدمات المتنوعة بنسبة (4.7%).
إحصائيات وأرقام
وأشار الإحصاء إلى ارتفاع قسـم الطعام والمشروبات بنحو 4.1% مقارنة بشهر يناير السابق عليه يساهم بمقدار (2.27)، وارتفاع مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة (5.5%) والخضروات بنسبة (4.5%) ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (6.3%)، بجانب ارتفاع الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (8.3%) والفاكهة بنسبة (6.6%) والحبوب والخبز بنسبة (0.5%).
ولفت إلى زيادة قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنحو (0.2%) وقسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنحو (1.9%) وقسم الرعاية الصحية ارتفاعًا قدره (1.9%) والنقل والمواصلات بنحو (3.3%)، فضلًا عن زيادة أسعار قسم المطاعم والفنادق (1.4%) وقسـم السلع والخدمات المتنوعـة بنحو (4.7%).
وعلى أساس سنوي، ارتفعت أسعار قسم الطعام والمشروبات بنحو (41.7%) مقارنة بشهر فبراير 2016 ؛بسبب ارتفاع مجموعة الحبوب والخبز بنسبة (58.7%) واللحوم والدواجن بنسبة (34.6%) والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (40.3%) والألبان والجبن والبيض بنسبة (38.7%)، بجانب ارتفاع أسعار زيوت الطعام بنسبة (76.6%)، والفاكهة بنسبة (36.1%) والخضروات بنسبة (34.1%) والسكر والأغذية السكرية ومنتجات غذائية أخرى بنسبة (44.7%).
وأشارت الإحصائية إلى زيادة أسعار قسم المشروبات الكحولية والدخان والمكيفات بنحو (25.6%) وقسم الملابس والأحذية بنحو (23.6%) وقسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنحو (7.4%)، فضلًا عن زيادة أسعار قسم قسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنحو (32.5%)، وقسم الرعاية الصحية بنحو (35.8%).
وأظهر الإحصاء ارتفاع أسعار قسم النقل والمواصلات (28.4%)، والثقافة والترفيه بنحو (17.2%)، وقسم المطاعم والفنادق بنحو (31.3%) وقسم السلع والخدمات المتنوعة بنحو (36.0%).
حكومة “الشو الإعلامي”
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور سرحان سليمان إن مصر تستورد 75% من احتياجاتها من السلع الغذائية؛ وبالتالي مع تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار اضطر المستثمرون إلى الاعتماد على المنتج المحلي، الذي لم يعد كافيًا لتغطية احتياجات السوق المحلية؛ وبالتالي ارتفع سعر المنتج المحلي، وهو أمر لم تقدم الحكومة له أي رؤية للحل منذ حررت سعر صرف العملة المحلية.
وأكد “سرحان” في تصريح خاص لـ”رصد” أن الحكومة كونها لم تقدم رؤية واضحة لعلاج هذه الأزمة منذ جاءت إلى السلطة فهذا يعني أن هذه المشكلة ستظل مستمرة وستتفاقم، على حد قوله، ويرى أن المشكلة الرئيسة لدى الحكومة أنها أصبحت رهنًا للتوجهات السياسية التي تسعى في المقام الأول إلى “الشو الإعلامي”، على حد قوله، وتتخذ من المشروعات الاقتصادية وسيلة لذلك.
وتوقع “سرحان” استمرار ارتفاع معدلات التضخم خلال الآونة المقبلة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج، وكذلك استمرار أزمة سعر الصرف، وقيام الحكومة بزيادة وتيرة الدين العام وطباعة النقود.
أعلى معدل منذ الثمانينيات!
وبحسب خبراء، فإن ارتفاع معدلات التضخم بهذه الطريقة يفاقم من سوء الأوضاع المعيشية للمواطن المصري أكثر مما هي عليه؛ خاصة وهو أعلى معدل ارتفاع في الرقم العام للأسعار منذ نوفمبر 1986، أي منذ أكثر من 30 عامًا، وفقا للتاريخ الإحصائي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
مزيد من التدهور
وقال المحلل الاقتصادي أشرف إبراهيم إن ارتفاع معدل التضخم لهذه النسبة لم يكن أمرًا مفاجئًا؛ لكنه جاء نتيجة للمعطيات الاقتصادية المصرية القائمة التي تشكلت على مدار الثلاثة أشهر الماضية ، مشيرًا إلى أن هذه الارتفاعات تعني مزيدًا من التدهور في مستويات معيشة الأفراد في مصر وتآكل مدخراتهم البنكية بعد أن تجاوزت معدلات التضخم أسعار الفائدة على الإيداعات والأوعية الادخارية بنسب كبيرة.
الضحية الطبقة الوسطى
وأضاف “إبراهيم” في تصريحات صحفية أن مسلسل سقوط شرائح عريضة من الطبقة الوسطى إلى الفئات محدودة الدخل لا زال مستمرًا؛ ما يؤثر على البنيان الاجتماعي لهذه الفئات، متوقعًا في الوقت ذاته استمرار ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة عن المستويات الحالية، ولكن بنسب أقل من السابق لحين استقرار الأوضاع.
انعكاسات
في السياق ذاته، أوضح الباحث الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي أن ارتفاع نسب التضخم يؤدي إلى مزيد من انخفاض القيمة الحقيقية للنقود؛ وبالتالي من الصعب أن يحقق المواطن مستوى مقبولًا من المعيشة ما لم تتحرك الأجور بنفس نسبة ارتفاع الأسعار.
زيادة الأجور
وقال “الصاوي” إن تحريك الأجور لتقليل الفجوة بين الدخل وارتفاع الأسعار المتزايد أصبح معادلة صعبة في مصر، سواء على مستوى العاملين بالحكومة أو القطاع الخاص، في ظل ما تعانيه الحكومة من أزمة مالية خانقة؛ وأقصى ما يمكن أن تقدمه من زيادة سنوية في الأجور 10% على الرواتب الأساسية وليس الرواتب الإجمالية، وهكذا القطاع الخاص الذي يعاني مشكلات تتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع فاتورة الواردات، فضلًا عن ارتفاع تكلفة التمويل بالبنوك؛ وهو ما يقلص أمامه مساحة زيادة دخول العاملين إلا بنسب ضئيلة، وقد لا يفعل.
وأضاف أنه في ظل انخفاض أسعار الغذاء والطاقة على مستوى العالم تحقق مصر معادلة غريبة، وهي ارتفاع أسعار جميع السلع، وذلك في ظل ضعف واضح للإنتاج أدى إلى حرمان شريحة كبيرة من المصريين من الحصول على جزء كبير من احتياجاتهم بأسعار ممكنة.
واعتبر “الصاوي” أن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تقول الحكومة إنها تعمل في إطارها أدت إلى مزيد من النتائج السلبية وليس المردود الإيجابي؛ وبالتالي فهي سياسات فاشلة، بحسب تعبيره.