نشر موقع “الخليج الجديد” مستندًا رسميًا يؤكد شراكة اللواء عباس كامل، مدير مكتب عبدالفتاح السيسي وحامل خزانة أسراره، ضمن مؤسسي مجموعة قنوات “DMC” المصرية وعضوية مجلس إدارتها.
ويُظهر المستند مستخرجًا رسميًا من السجل التجاري رقم 74227، الصادر عن الإدارة العامة للسجل التجاري في القاهرة، متضمنًا أسماء المساهمين في شركة “دي ميديا” الإعلامية، والتي تصدر عنها مجموعة قنوات “DMC” الممولة من قبل الجيش المصري، بحسب المتداول في أوساط إعلامية مصرية على نطاق واسع.
وتضم قائمة أسماء مجلس الإدارة المشرف على المجموعة: طارق عبد ربه إسماعيل، رئيس مجلس الإدارة والممثل القانوني للشركة، ويملك حق التعامل باسم الشركة أمام جميع الجهات والهيئات الحكومية والخاصة، ومحمد عبدالواحد موافي (نائبًا لرئيس مجلس الإدارة).
واللافت أن قائمة الأعضاء أدرجت اللواء عباس مصطفى كامل محمد، مدير مكتب “السيسي”، عضوًا بمجلس الإدارة، إضافة إلى “هاني لبيب مرجان تادرس”، وفق المستند.
ولا يُعرف عن “عباس كامل” سوى كونه مدير مكتب “السيسي” في المخابرات الحربية المصرية، ثم في وزارة الدفاع، ثم في رئاسة الجمهورية، وتصفه دوائر إعلامية قريبة من النظام بـ”الرجل الثاني في الدولة وحامل أسرار السيسي وناصحه الأمين”.
وظهر اسم “كامل” بقوة في أقدم تسريبات “السيسي” أثناء حديثه مع الكاتب الصحفي “ياسر رزق” في أكتوبر 2013، وهي التسريبات التي أبرزت الدور المحوري لـ”كامل” في كل ملفات إدارة الدولة المصرية بعد الانقلاب العسكري على “محمد مرسي” في الثالث من يوليو 2013.
ووفق التسريبات التي بُثّت من مكتب “كامل”، فإن الرجل كان ضالعًا في إدارة كل تفاصيل الدولة بعد الانقلاب العسكري، وترتيب مواعيد “السيسي”، والتواصل مع دوائر خارجية وأمنية والاتصال بالإعلاميين والقضاء لنقل إملاءات القيادة العليا.
ويكشف المستند عن تاريخ تأسيس الشركة ومنحها التراخيص اللازمة لمزاولة عملها، ويعود إلى 1 يونيو 2014؛ أي بالتزامن مع تولي “السيسي” سدة الحكم في البلاد بعد الإطاحة بالدكتور محمد مرسي.
دور الشبكة
تضم الشبكة عشر قنوات تقريبًا؛ أبرزها قناة إخبارية على مدار الساعة وقناة رياضية، إضافة إلى قنوات منوعات، أطفال، دراما، سينما، عامة؛ بتكلفة إجمالية تتجاوز مليار جنيه مصري، ما يعادل نحو 60 مليون دولار، دون أن تعلن الشركة إلى الآن مصادر تمويلها.
ويخطط القائمون على المجموعة لسحب البساط إعلاميًا من القنوات المصرية المنافسة، عبر دفع رجال أعمال قريبين من أجهزة سيادية إلى شرائها أو عقد صفقات للاندماج معها، على غرار صفقة رجل الأعمال المصري “أحمد أبو هشيمة”، الذراع الجديدة المتحالفة مع الدولة، والذي بات يسيطر على وسائل إعلام كبيرة؛ في مقدمتها صحيفة “اليوم السابع” وقناتا “ON TV” و”القاهرة والناس”، إضافة إلى موقع “دوت مصر”.
ويملك “أبو هشيمة” 51% من أسهم قنوات “دي إم سي” الجديدة، دون أن يعلن عن ذلك رسميًا، فضلًا عن التمدد إعلاميًا عبر شركة “إعلام المصريين” المملوكة له، والتي اشترت نحو 50% من أسهم شركة “مصر للسينما” و51% من مجموعة “برزنتيشن” التي تولت شراء حقوق بث الدوري المصري منذ عامين، كما أعلن أبو هشيمة في سبتمبر/ أيلول الماضي عن توقيع عقد دمج بين شركته وشركة “دي إم سي” المملوكة لطارق إسماعيل؛ لكن لم تعلن حتى الآن أية أخبار رسمية عن إتمام عملية الدمج.
وتدفع أجهزة الاستخبارات المصرية “على الورق” برجل الأعمال غير المعروف وتاجر السيارات “طارق إسماعيل” إلى الواجهة كرئيس لمجلس إدارة المجموعة الإعلامية الجديدة، التي تخطط القاهرة أن تكون منافسة لقناة “الجزيرة” القطرية.
ويدير إمبراطور الإعلام الجديد “طارق إسماعيل” شركة “دي ميديا”، التي تمتلك حصة كبيرة من موقع “دوت مصر” الذي يديره ضابط المخابرات المصري ياسر سليم بالشراكة مع “أبو هشيمة”، إضافة إلى ملكيتها لراديو “9090” وقناة “الناس” الفضائية.
وتعد “دي ميديا” واحدة من أبرز المؤسسات الإعلامية التابعة للاستخبارات المصرية، أسست راديو “9090” وموقع “مبتدأ”، وتعد الشركة الخاصة الوحيدة التي حصلت على موجة بث إخبارية خاصة؛ علمًا بأن موجات البث تسيطر عليها في مصر الأجهزة السيادية فقط.
وتكشف مصادر داخل مدينة الإنتاج الإعلامي عن شراء شركة “دي ميديا” لاستوديوهات كبيرة داخل المدينة، أحدها كان ملكًا لشركة “المستقبل للقنوات الفضائية والإذاعة”، مالكة قنوات “سي بي سي” التابعة لرجل الأعمال الموالي للانقلاب العسكري محمد الأمين.
ويتم العمل في “DMC” وفق منظومة إدارية أمنية معقدة، وتختار القناة من يعملون بها وتخطرهم بصورة رسمية بعد خضوعهم لفحص أمني دقيق، يتم بموجبه استبعاد المؤيدين لثورة يناير أو المتعاطفين مع جماعة الإخوان وشباب الثورة أو المنتقدين لأداء الأجهزة الأمنية والسياسية.
وترفض إدارة القناة الاستعانة بالوجوه المحروقة إعلاميًا؛ أمثال لميس الحديدي وعمرو أديب ووائل الإبراشي وإبراهيم عيسى، في الوقت الذي اتجهت فيه إلى التعاقد مع أسماء أخرى؛ منها أسامة كمال، إيمان الحصري عمرو خليل، دعاء جاد الحق، رامي رضوان، سالي شاهين، هالة صدقي، شيرين عبدالوهاب، أشرف عبدالباقي، خالد الجندي.
يترأس القناة الكاتب الصحفي “محمود مسلم”، رئيس تحرير صحيفة “الوطن”، وواحد من أبرز المقربين من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، إضافة إلى “محمود التميمي” مدير عام البرامج بشبكة “DMC” و”عماد ربيع” الرئيس التنفيذي لقطاع الإنتاج في قنوات “سي بي سي” سابقًا، تساعده في ذلك مسؤولة الإنتاج السابقة بالقناة نفسها “مروى طنطاوي”، المشرفة على اختيار المذيعين والمذيعات، إضافة إلى الاستعانة بمديرة الأخبار المركزية لقنوات “سي بي سي” سابقًا والمقربة من النظام “منال الدفتار”.
دعم رسمي
تضع المؤسسة العسكرية في البلاد إمكانيات اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري (حكومي) تحت تصرف القناة الجديدة؛ حيث تم تأجير ثلاثة استوديوهات رئيسة داخل مبنى ماسبيرو (هي 1 و2 و10)، كما تم التعاقد مع القائمين على الاتحاد بخصوص بنود التأجير ضمن بروتوكول تعاون بين الاتحاد و”دي ميديا” القائمة على شبكة قنوات “DMC” و”راديو 9090″.
ويلزم البروتوكول التلفزيون المصري ببث إعلانات لقناة منافسة -DMC- لأول مرة في تاريخه، بالإضافة إلى حصول القنوات الجديدة على حق بث متبادل للمسلسلات والأفلام والأعمال الفنية والتاريخية والوثائقية؛ ما يعني قدرة القنوات الجديدة على بث ما تشاء من أرشيف ماسبيرو التاريخي الذي لا يقدر بثمن.
وتؤكد مصادر أن الفضائية الجديدة تقدمت بطلب رسمي لشراء عدد من الأعمال الدرامية المختلفة المملوكة حقوقها للاتحاد، وأن الطلب قد أخذ مساره الرسمي وعرض على مجلس الأعضاء المنتدبين الذي يضم جميع قيادات ماسبيرو، وقد تمت الموافقة على البيع؛ وذلك في إطار القواعد المالية ولوائح الأسعار المعمول بها والمحددة سابقًا من الاتحاد.
وقالت رئيسة القطاع الاقتصادي باتحاد الإذاعة والتلفزيون في مصر، شوقية عباس، إن “DMC” دفعت كامل المبلغ الذي طلبه الاتحاد بحسب القيمة المحددة لكل مسلسل، والمتنوع بين أعمال درامية قديمة وحديثة، وهي نفسها الأسعار التي تطبق عند بيع حقوق العرض لأي قنوات فضائية داخل مصر أو خارجها من دون أي استثناءات خاصة؛ لكن مصادر مطلعة داخل “ماسبيرو” أفادت بأن “DMC” حصلت على نحو 70 مسلسلًا دراميًا مختلفًا بين حديث وقديم مقابل عشرة ملايين جنيه فقط (نحو نصف مليون دولار)، بحسب صحيفة “الرأي” الكويتية.
عسكرة إعلامية
وتتسارع خطى تمدد الجيش المصري إعلاميًا في محاولة لخلق أذرع إعلامية قوية تبسط هيمنتها على الساحة المصرية وتوجه بوصلة الرأي العام وفق أجندة المؤسسة العسكرية.
في ذلك السياق، جاءت الخطوة اللافتة والمثيرة للجدل بالإعلان صراحة عن تولي العميد محمد سمير، المتحدث السابق باسم الجيش المصري، منصب نائب رئيس مجلس إدارة فضائية مصرية، بعد أيام من تركه لمنصبه في الجيش؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون قرارًا سياديًا يفيد باتجاه المؤسسة العسكرية في البلاد للسيطرة على وسائل الإعلام بشكل صريح وتعيين جنرالات تابعين لها على رأس مجالس إدارات قنوات وصحف مصرية.
وتسلمت شركة “شيرى ميديا” رسميًا إدارة شبكة قنوات “العاصمة” في يناير الماضي، وتم إسناد إدارة القناة التي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي إلى العميد “سمير”.
وأعلنت قناة “العاصمة” في نهاية ديسمبر الماضي عن عقد اتفاق بين مالكها سعيد حساسين وإيهاب طلعت رئيس مجلس إدارة شركة “شيري ميديا”، بموجبه تنتقل إدارة الشبكة بالكامل إلى “طلعت”.
وقال بيان صادر عن “شيرى ميديا” إن الإدارة الجديدة ستسعى إلى تقديم محتوى إعلامي هادف يتسم بالمهنية والحرفية، ويساهم في رفع الوعي المجتمعي تجاه مختلف القضايا.
وأضاف البيان أن “العاصمة في ثوبها الجديد ستضم العديد من الكوادر الإعلامية المتميزة في مصر، كما سيحتل الشباب النصيب الأكبر في القناة”. (وظهر في الصورة المتحدثين الإعلاميين للقوات المسلحة السابق والحالي يتوسطهما رئيس تحرير صحيفة اليوم السابع أثناء زيارتهما لمقر الصحيفة).
خطوة الدفع بـ”سمير” للعمل الإعلامي ليست الأولى من نوعها؛ ففي وقت سابق دفع “السيسي” بشكل مباشر بأحد الضباط المقربين منه للعمل الإعلامي، وهو “أحمد شعبان”.
ويتردد أن “شعبان” صاحب المقالات اليومية في صحيفة “اليوم السابع” تحت اسم “ابن الدولة”، والتي غالبًا ما تحمل الانتقادات للإعلاميين والنشطاء ومعارضي الرئيس.
والرائد “أحمد شعبان” هو مدير مكتب “عباس كامل”، وهو الضابط الذي تردد اسمه في تسريبات “عباس” حول الإعلاميين، في الجملة الشهيرة: “بتكتب ورايا يا أحمد”. وتقول مصادر إن “شعبان يجري اتصالات مباشرة ببعض الإعلاميين لتوجيههم حول ما يرغب السيسي في بثه بوسائل الإعلام”.
هذا التحول اللافت اعتبره الأكاديمي المصري البارز حسن نافعة تغيرًا كبيرًا، قائلًا: “رأينا قنوات تباع لرجال أعمال ذوي خلفية عسكرية، وبعضهم ضباط سابقون في المخابرات وأجهزة أمنية أخرى، فضلًا عن قنوات (دي إم سي) التابعة للمخابرات وعدد من رجال الجيش بشكل غير رسمي”.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: “لكنني دهشت لتولي المتحدث العسكري السابق مسؤولية قنوات مثل العاصمة بعد استقالته من الجيش بأيام؛ فهذا الأمر يدعونا للتساؤل عن الدور الذي سيقدمه الجيش وأجهزته الأمنية في الفترة القادمة”.
هذه الخطوة تعد تطورًا خطيرًا لعسكرة كل شيء في الدولة؛ لأن الجيش بهذه الطريقة يريد أن يتحكم في وعي الناس أكثر من المرحلة السابقة، وفق “نافعة”، متحدثا لـ”عربي 21”.
ووفق مراقبين، فإن “طارق إسماعيل” من خلال شركة “دي ميديا”، و”أحمد أبوهشيمة” من خلال شركة “إعلام المصريين”، في طريقهما إلى صناعة “أذرع إعلامية” جديدة لصالح أجهزة الأمن والاستخبارات المصرية؛ لترميم ما فقدته هذه الأجهزة من هيبة ونفوذ جراء ثورة يناير، فضلًا عن كونهما “كومبارسين” لجهة استخباراتية تستخدمهما كواجهة لاستثماراتها الإعلامية.