العلاقات السعودية مع الدول الآسيوية، خاصة دول شرق آسيا، شهدت خلال الفترة الأخيرة تنسيقًا وزيارات متبادلة، حيث زار الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في شهر أغسطس الماضي، عددًا من الدول الآسيوية، عندما ترأّس وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة الـ 20 في بكين، قبل التوجه لليابان.
العاهل السعودي بدأ الأسبوع الفائت جولة تشمل ماليزيا، وإندونيسيا، وسلطنة بروناي، واليابان، والصين، والمالديف، بالإضافة إلى حضور الدورة الثامنة والعشرين لجامعة الدول العربية، التي ستقام في الأردن؛ بحثاً عن “تعزيز وتطوير علاقات المملكة في المجالات كافة مع الدول الشقيقة”، بحسب بيان للديوان الملكي.
وأشار مراقبون، أنه على ما يبدو أن العاهل السعودي عازم على توسيع نفوذ بلاده وتوطيد علاقاتها بالعالم الإسلامي ومحيطها الآسيوي، بعدما تمكّن من ترتيب علاقات متميزة عربيًا وخليجيًا، حتى باتت المملكة عاصمة للقرار العربي في عدد من القضايا الاستراتيجية، فضلاً عن كونها تقود تحالفاً إسلامياً لمواجهة الإرهاب.
إدارة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، تبدو عازمة هي الأخرى على إعادة النظر في العلاقات مع طهران، الخصم الإقليمي للمملكة، تزامناً مع ترتيب علاقاتها مع الرياض لمواجهة التمدّد الإيراني، الذي يعتبره الطرفان (أمريكا والسعودية) سبباً في كثير من النزاعات الدائرة بالمنطقة، وخاصة في سوريا واليمن والعراق.
إيران.. 4 أسباب وراء جولة “سلمان” لدول شرق آسيا
(1) أهداف اقتصادية
تضم الزيارة الملكية 10 وزراء؛ على رأسهم خالد الفالح، وزير الطاقة، ومسؤولين من أرامكو، الذين سيركزون على استقطاب استثمارات آسيوية في 2018، عندما تطرح أكبر عملية طرح اكتتاب عام شهدها العالم، كما أن بنوكًا وشركات آسيوية ستؤدي دورًا في خطة المملكة لتطوير الصناعات غير النفطية، وتوسيع مساحة الاستثمارات في مجالات أخرى، وضمن الخطة الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لإيرادات الدولة.
ووقّعت المملكة اتفاقات مبدئية مع الصين في أغسطس الماضي، تغطّي قطاعات تشييد الوحدات السكنية، ومشاريع مياه وخزانات للبترول الخام، أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان للصين.
ورحبت جمهورية الصين الشعبية بزيارة العاهل السعودي، ووصف سفير بكين لدى الرياض، لي تشنجون، الزيارة بـ “التاريخية”، كما وصف العلاقات بين البلدين بـ “المتينة”.
ومن المتوقّع أن تشهد زيارة الملك سلمان إلى الصين توقيع اتفاقات في 5 مجالات؛ (سياسية، واقتصادية، وتعليمية، وإنسانية، وثقافية)، وفق ما ذكره سفير بكين في مؤتمر صحفي في الرياض، في حين تتطلع المملكة لأن تشهد الزيارة التوقيع على كل الاتفاقات المتوافقة مع رؤية 2030، ومبادرة الحزام والطريق الواحد التي تم الترويج لها من قبل الوفد الصيني في مؤتمر الطاقة العالمي، الذي عقد في أبو ظبي في يناير الماضي.
زيارة الملك سلمان لجاكرتا شهدت أيضاً توقيع عدد من الاتفاقيات بين الغرفة الإندونيسية للتجارة والصناعة وشركات إندونيسية وسعودية بقيمة 2.4 مليار دولار في مجالات العقار والإسكان، وتوليد الطاقة الكهربائية والصحة والسياحة، كما ستقوم شركة “ويجايا كريا” الإندونيسية بالشراكة في بناء 8 آلاف وحدة سكنية بالسعودية، في مشروع قيمته مليارا دولار، في مقابل استثمار سعودي بمجال توليد الطاقة بإندونيسيا بقيمة 100 مليون دولار.
زيارة العاهل السعودي لليابان، التي تبدأ في 12 من الشهر الجاري، ستكون الأولى لعاهل سعودي إلى هذا البلد منذ 46 عاماً، وإحدى المحطات الأبرز في هذه الجولة؛ حيث تسعى الرياض إلى جذب استثمارات اليابان صاحبة الاقتصاد الثالث عالميًا، خصوصًا في قطاعات الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والترفيه.
(2) شراكة إستراتيجية
ومثّلت زيارة العاهل السعودي لإندونيسيا واحدة من أهم المحطات؛ فقد لوحظ في تصريحات النخب الإندونيسية المختلفة أن هناك تطلعاً لأن تكون الزيارة بداية لمرحلة علاقات ترتفع إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، لا سيما أنها أول زيارة لملك سعودي منذ 47 عاماً، عندما زار الملك الراحل، فيصل بن عبد العزيز، إندونيسيا عام 1970.
وكان البيان السعودي – الماليزي، شدد على ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين “في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والأمنية”، وخاصة بالنسبة للتعاون العسكري في مجالات التدريب والتمارين المشتركة وتبادل الخبرات العسكرية، كما اتفق البلدان على “ضرورة تكثيف وتضافر جهود العالم الإسلامي لمواجهة التطرف ونبذ الطائفية، وتكثيف الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره أياً كان مصدره”.
(3) تطويق إيران
أهمية هذه الزيارة تجلّت في كونها جاءت في وقت تشهد فيه العلاقات العربية الإندونيسية ضعفًا كبيرًا على الصعيد التجاري، في حين شهدت العلاقات السياسية والتجارية بين جاكرتا وطهران تواصلًا محمومًا خلال العامين الماضيين، فالوفود الإيرانية كرّرت زياراتها لجاكرتا، كما زار الرئيس الإندونيسي إيران في ديسمبر الماضي، وزار وفد وزاري إندونيسي طهران قبل يومين فقط من زيارة الملك سلمان؛ لبحث فرص استثمارات إندونيسية في حقول نفط بإيران، واستيراد المزيد من الغاز الإيراني، الذي وصلت أولى شحناته إلى السوق الإندونيسية العام الماضي وبأسعار تنافسية، بحسب “الجزيرة” الإخبارية.
وفي ماليزيا، أبدت السلطات قلقها البالغ من ممارسات إيران بالمنطقة، وأكدت عملها مع المملكة على مواجهة التحديات التي تجابه العالم الإسلامي، وهو ما ردت عليه طهران باختلاق أزمة مع كوالالمبور، واتهمتها بتبني مواقف “غير عاقلة”، الأمر الذي يعكس قلق الإيرانيين من تبعات جولة العاهل السعودي.
وعقِب زيارة الملك سلمان شنت إيران هجوماً على الحكومة الماليزية بسبب اتهام الأخيرة لطهران بالتدخل في شؤون المنطقة وبث روح الطائفية، وانتقد الناطق باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، الخميس، البيان الختامي لزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى ماليزيا، والذي تضمن اتهامات لإيران بزعزعة الأوضاع في المنطقة، بحسب وكالة “مهر” الإيرانية.
وكانت كوالالمبور أعربت، خلال البيان، عن قلقها البالغ من التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وأكدت الحاجة إلى التزام إيران بمبدأ حسن الجوار واحترام سيادة الدول، وفي حين بدا أنه محاولة إيرانية لخلق أزمة سياسية مع ماليزيا التي احتفت بالعاهل السعودي، أدان قاسمي بـ”شدة” البند الـ15 من البيان والذي تضمن توجيه اتهامات لإيران، ورفض هذه الاتهامات بشدة.