صرح وزير الدفاع الصهيونى أفيغدور ليبرمان ان (اسرائيل) قد قامت بقصف داعش فى سيناء، فانطلق البعض يتباكى على سيادة مصر الوطنية التى أهدرتها ودنستها الطائرة الاسرائيلية، وانطلق البعض الآخر لينكر الخبر ويتفاخر بوطنية السيسى ومؤسساته ونظامه الذين لا يمكن ان يسمحوا باى انتهاك للسيادة الوطنية.
***
منذ سنوات عديدة ونحن نلعب معاً لعبة الوطنية الزائفة في كل ما يتعلق بـ (اسرائيل)، رغم ما نعلمه جميعا من عمق الهيمنة والتحكم الاسرائيلى في كل ما يدور فى سيناء، وكثير مما يدور فى مصر، منذ عام 1979، بموجب الاتفاقيات المصرية الاسرائيلية المشهورة باسم كامب ديفيد.
ولكننا كثيرا ما نتجاهل أو نتجنب الاقتراب من المشكلة الرئيسية، ونتمسك بالصغائر من باب المكايدة السياسية.
ولمن نسى أو تناسى حقيقة القيود المفروضة علينا فى سيناء، نذكره بها فيما يلى:
- قيود على اعداد القوات وتسليحها وتوزيعها، بما يجرد مصر من المقدرة على الدفاع عن سيناء فى مواجهة أى عدوان صهيونى جديد مماثل لعدوانى 1956 و 1967.
- ضرورة استئذان (اسرائيل) وموافقتها على اى زيادة فى القوات من حيث اعدادها وتسليحها ومناطق تمركزها وطبيعة مهماتها ومواعيد انسحابها.
- يبلغ العدد المسموح به لمصر بموجب الاتفاقية 26000 فى منطقتى (أ) و (ب) بالاضافة الى شرطة فقط و 750 جندى حرس حدود وفقا لاتفاقية فيلادلفيا 2005 المنطقة (ج). فى حين ان تأمين سيناء يحتاج لما يزيد عن عشرة أضعاف هذه القوات.
- صرح السيسى مؤخرا فى اتصال هاتفى مع برنامج عمرو اديب ان اعداد القوات المصرية فى سيناء يتراوح بين 20 و 25 ألف. وهو ما يعنى انه لا زيادة فى الاعداد التى أذنت بها (اسرائيل) لمصر! وانما اقتصر إذنها فقط على اعادة توزيع القوات بين المناطق الثلاث.
- وجود قوات أجنبية فى سيناء لمراقبة القوات المصرية، لا تخضع للامم المتحدة، وانما تتبع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، وليس من حق مصر المطالبة بانسحابها الا بعد موافقة (اسرائيل).
- بالإضافة الى اكراه الدولة المصرية على الاعتراف بشرعية دولة (اسرائيل)، والتطبيع معها والحفاظ على امنها، ومحاكمة كل من يهدد امنها او يحرض ضدها من الاراضى المصرية.( المواد الثانية والثالثة من المعاهدة.)
- مصادرة وتأميم السياسة الخارجية المصرية لصالح اسرائيل، فللمعاهدة المصرية الاسرائيلية أولوية عن اتفاقيات الدفاع العربى المشترك وكل ما يماثلها، كما انه ليس من حق الدولة المصرية الدخول فى اتفاقيات لاحقة، تناقض الالتزامات الواردة فى كامب ديفيد (المادة السادسة من الاتفاقية.)
***
والقيود الأمريكية:
هذا بالإضافة الى القيد الأساسى الحاضر دائما رغم انه لم يرد نصا فى المعاهدة، وهو الخضوع الكامل للارادة الامريكية منذ 1974 حتى يومنا هذا بما يضمن الحفاظ على امن (اسرائيل) و مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، هذا الخضوع الذى يتضمن، بالإضافة الى امن (اسرائيل)، الشروط التالية:
- احتكار الولايات المتحدة للتسليح المصرى، بما يضمن تفوق (اسرائيل) على مصر والدول العربية مجتمعة.
- سيطرة نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية على الاقتصاد المصرى.
- سيطرة رأس المال الاجنبى والمحلى على الثروات المصرية.
- الالتزام بالترتيبات الامنية الاقليمية فى المنطقة وفقا للاستراتيجيات والتحالفات والاحلاف الامريكية.
- اعطاء تسهيلات لوجستية للقوات الامريكية فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى.
- حتمية التزام مجمل النظام السياسى المصرى بكافة مؤسساته بما فيها رئيس الجمهورية بهذا “الكتالوج الأمريكى.”
- والباقى تفاصيل.
***
صحيح ان السيد عبد الفتاح السيسى، فى كل مواقفه وسياساته وانحيازاته، يثبت كل يوم انه مؤمن بهذا الكتالوج ومخلص له الى حد التطرف، خاصة فى علاقته مع (اسرائيل) التى يصفها نيتنياهو انها اصبحت بمثابة التحالف الاستراتيجى، الا أن الحكاية أقدم وأعمق وأخطر من السيسى ولقاءاته السرية ومن تصريحات ليبرمان.
***
بعد هذه التذكرة السريعة والضرورية بحقيقة التبعية المزدوجة لمصر؛ التبعية العامة للولايات المتحدة، والتبعية الامنية لاسرائيل فى سيناء، لا أتصور انه من المقبول أن نركز أو نكتفى بالتفاصيل والصغائر والاعراض، ونتجاهل الاساسيات والكبائر والأمراض المزمنة.
انها كامب ديفيد يا سادة بتبعيتها وقيودها ونظامها وحكامها، فمن يرفضها عليه أن يبحث كيف يسقطها، أما ما دون ذلك، ففيه شبهة المكايدة السياسية بالإضافة الى ما فيه من تضليل للرأى العام.