"تونس..الدولة المدنية في خطر" هذه فحوى خطاب الرئيس التونسي منصف المرزوقي في مناسبة عيد الاستقلال الـ56 بعد احتلال فرنسي دام أكثر من 70 عاما .
الرئيس التونسي حذّر من "مخاطر التطرف في بلاده"، ودعا إلى اليقظة والصلابة والتصدي للمتطرفين.
وقال في كلمته: إن الشعب التونسي "مطالب أكثر من أي وقت مضى باليقظة والصلابة في إطار القانون، خاصة في هذه الفترة الإنتقالية الحرجة".
ولفت الرئيس التونسي إلى أن "المتطرفين من كل حدب وصوب يرفضون إما تجذّرنا في هويتنا العربية الإسلامية، وإما حقّنا في حداثة ليست تبعية وإنما استملاكاً لقيم حقوق الإنسان وعلى رأسها حقوق المرأة وتوطين الآليات الديمقراطية في دولتنا والقيم الديمقراطية في مجتمعنا".
وشدد في هذا السياق على أن الوطن "لا يُبنى من لون واحد ومادة واحدة، ومجتمعنا تعدّدي بطبعه، وعلينا الإعتراف بهذه التعددية وتثمينها لأنها دليل على الثراء لا على التفرقة، وأننا ندفع وسندفع دوماً ثمناً باهظاً من الدم والدموع عندما نرفض هذه الحقيقة ونحاول التصدّي لها بالقوة".
واعتبر في المقابل أن ذكرى الاستقلال تعد "فرصة لنا جميعا لكي نراجع علاقاتنا ببعضنا لنتعايش باختلافاتنا ورغم اختلافاتنا، ذلك أن وحدة وطنية حقيقية لا تكون قابلة للإستمرار إذا ما بُنيت على سوء الفهم وعلى إقصاء بعضنا البعض وعلى توارث الأحقاد والضغائن".
يأتي هذا الخطاب بعد علو النبرة التي تنادي بتطبيق الشريعة وتضمينها في الدستور الجديد وخروج بعض الحركات السلفية في مظاهرات تدعو لذلك منها على سبيل المثال حركة "الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية" حيث قال سلمان البريكي الناطق الرسمي باسم الحركة أن الهدف من المظاهرة هو التأكيد على أن"تكون الشريعة المصدر الأساسي والوحيد للتشريع ضمن الدستور الجديد، والتنصيص صراحة على أن تونس دولة إسلامية مع تفعيل ذلك على أرض الواقع".
وقالت هاجر بودالي احدى منظمات التحرك "ليس الهدف دعم (حزب) النهضة (الاسلامي الذي يهيمن على الجمعية التأسيسية) ولا حزب التحرير (الذي يطالب بتطبيق الخلافة) ولا السلفيين، نحن هنا لتوحيد جميع التونسيين بفضل الشريعة".
وقال مروان (24 عاما) "نحن هنا لنطالب سلميا بتطبيق الشريعة في الدستور الجديد. لا نفرض شيئا بالقوة، نريد ان يقتنع الشعب بنفسه بهذه المبادىء".
كما طالب السلفيون بـ"التزام الدولة بحماية الإسلام ومنع نشر وإشاعة" ما سمته "كل العقائد الضالة والممارسات المنافية لعقيدة التونسيين السنية" وعلى "عدم الالتزام والرضوخ لأي قوانين أو معاهدات أو اتفاقيات إقليمية أو دولية فيها أدنى مخالفة للشريعة والثوابت الإسلامية".
تأتي هذه المظاهرة تتابعا لسلسلة من المظاهرات خرجت لنفس الغرض ولو اختلفت نوعية المطالب كان اولها في يناير الماضي حيث تظاهر واعتصم العديد من الطلاب السلفيين امام كلية الآداب بمنوبة منددين بالسماح باختلاط الشباب والفتيات داخل الجامعة ومعترضين على تدريس بعض المناهج في الكلية ومطالبين بفرض النقاب على الفتيات.
كان لابد لهذه التظاهرات وهذه الدعوات ان تستفز القوى اليسارية والعلمانية.حيث اعتبروا أن هذه الدعوات غريبة على المجتمع التونسي الذي يشهد تحررا بل ومناهضة أحيانا لمظاهر التدين دام اكثر من 100عام.
فجاءالرد بنفس الطريقة التي عرض بها السلفيون مطالبهم حيث احتشد أكثر من 5 ألاف تونسي وسط العاصمة في وقت سابق في مظاهرة عارمة نددوا فيها بحركة النهضة الإسلامية وبمشروعها السلفي وتمسكوا بحقهم في الدفاع عن حرية الإعلام والتعبير والحريات العامة، وحقوق الإنسان.
ورفع المتظاهرون وسط إجراءات أمنية مشددة شعارات تستنكر ممارسات حركة النهضة و"تهديدها" للحريات كما نددوا بصمت الحكومة تجاه الانتهاكات المتعددة للحريات من قبل مجموعات سلفية.
وشارك في المظاهرة عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات، منها الحزب الديمقراطي التقدمي، وحركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا)، وحزب أفاق تونس، وحزب العمال التونسي، والحزب الجمهوري، والقطب الديمقراطي الحداثي.
وهتف المتظاهرون رافعين شعارات منها "خبز وماء والنهضة لا" و"تونس دولة مدنية وليست سلفية"، و"تونس حرية وأمان ولن تكون تونستان"، و "لا لحية لا نقاب، تونس حرة يا شباب" و"تونس دولة حرة والنهضة على بره" و"تونس دولة مدنية لا عنف ولا رجعية".
ومازالت المظاهرات والدعوات تتوالى من الجانبين بين الحين والآخر، فهل تكون ذكرى عيد الاستقلال وخطاب الرئيس ودعوته "للتتعايش باختلافاتنا والقبول بها" مدخلا لفتح حوار مجتمعي حقيقي ينهي حالة الانقسام الأيدولوجي بين أبناء الشعب الواحد والتوافق حول مواد دستورية تحفظ للدولة هويتها دون تعصب ومزايدة من النخب لدى الطرفين؟
.