قال الكاتب الصحفي وائل قنديل، إنه لو كان غابرييل غارسيا ماركيز لا يزال يعيش بيننا، وأتعسه زمانه بالمرور على مصر السيسية المعسكرة، فأغلب الظن أنه كان سيتحفنا برواية موجعة عنوانها “الحب في زمن السيسي” على غرار روايته ذائعة الصيت التي صدرت في ثمانينيات القرن الماضي “الحب في زمن الكوليرا”، مضيفا أن ماركيز كان سيجد مادة خام تصلح لتأليف رواية، تنتمي إلى” الواقعية السحرية” أكثر جلداً للذات الإنسانية.
وأشار “قنديل” -خلال مقاله في صحيفة “العربي الجديد” اليوم الأربعاء- إلى مأساة “أحمد وهبة” في زمن الانقلاب، فيقول إن السلطة، العسكرية الرومانسية للغاية، اختطفت أحمد وحبسته احتياطيا 3 سنوات، ثم أنعمت عليه بحكم بالإعدام، ولم تسمح لأحد بزيارته، لتحاول هبة على مدار 4 سنوات أن ترى خطيبها، من دون جدوى، حتى جاءتها فكرة أن تتخفى بين أهالي مسجون زميل له، في أثناء ذهابهما إلى أداء امتحان في الجامعة، يدين في قيد واحد.
وأضاف: “كان منتهى أحلام هبة أن يراها أحمد من خلف أسلاك شباك سيارة الترحيلات، وهي تشقّ طريقها عائدة بالمساجين إلى السجن، حتى توجهت صحبة فتاة أخرى، يتقاسم والدها “كلبش السجن” مع أحمد خطيبها، وتحققت المعجزة، بموافقة اللواء المسؤول عن الترحيلة، أن يرى المسجون أحمد خطيبته، دقيقة واحدة”.
وتابع: “يمكن لماركيز، لو عاد وزارنا، أن يكتب عن الفتيان الصغار الذين اختطفهم السيسي من حضن حكايات الحلم الأول، وعن الفتيات اللاتي ترملن قبل الزفاف، وعن الأطفال الذين جاءوا إلى هذا العالم، فلم يجدوا آباءهم، إذ كان طائر الحب، على الطريقة السيسية المبتذلة، قد اختطفهم من “رابعة العدوية” وأخواتها من المذابح”.
واستطرد قائلا: “نظام السيسي يحيا على مخزون هائل من الكراهية المجتمعية، يزرعها ويرويها بالدم ويحصدها ويغلفها، ويصدّرها إلى المواطنين والخارج. يطلق هجانة القبح والبذاءة كل ساعة، لكي يضمن وصول كميات الكراهية إلى المنازل، فيتحول المجتمع إلى غاباتٍ مفتوحة للقتل وللانتقام وللتشفي. وكلما قل المخزون، سارع إلى إعادة تعبئة مستودعات الكراهية، في الداخل، واللجوء إلى تسخين العلاقة الحميمية مع الكيان الصهيوني، وكل بارونات العنصرية والحقد في الخارج.
وسخر “قنديل” من مؤيدي السيسي قائلا: “السيسي القاتل أصبح فتى الأحلام في عيون الذين تعلموا الحب الشرير على يديه، وتربحوا به، لتصبح عبارة “اغمز بعينك نحن ملك يمينك” هي قصيدة العشق الاستثنائية، وتصير أمنية الشحط ذي الشارب أن يكون امرأة، تُقٓطِّع أصابعها وشعرها، اشتعالاً بعشق الزعيم، عنواناً لحب الوطن”.
واختتم الكاتب الصحفي مقاله بقوله: “يقول لنا التاريخ إنه ليس أكثر بؤساً من أمةٍ منهارة أخلاقياً، ذلك أن الأمم تنهزم عسكريا، فتستطيع النهوض، بعد حين، من كبوتها، وتنهار اقتصاديا، فيمكن انتشالها، بمساعدات الخارج وجهد الداخل، لكن الأمم حين تنهزم أخلاقياً وإنسانياً، لا تقوم لها قائمةٌ بسهولة، خصوصاً إذا كان مثقفوها وعلماؤها تحت الردم..سيزول هذا الانقلاب، حتماً، لكن الأصعب إزالة آثاره على الشخصية المصرية، وأكرّر هنا أن المهمة الأصعب إيجاد طريقة لمعالجة الفوالق الرهيبة التي أصابت عمق المجتمع، والتفكير في ترميم ما تصدّع، وبناء ما تهدم نفسيا وسلوكيا، وتفكيك هذا الجحيم الذي زرعوه في قلب المستقبل”.