شهدت العلاقات بين مصر وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” العديد من التقلبات منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١؛ حيث تبادل الطرفان الاتهامات في العديد من المناسبات، فكانت السلطات المصرية تتهم حماس بتصدير التنظيمات وجماعات العنف إلى سيناء لإحداث الفوضى هناك، فيما اتهمت حماس السلطات المصرية مرارًا ببيع القضية الفلسطينية والتعاون مع الاحتلال لإطباق الحصار على قطاع غزة.
ما بين مرسي والانقلاب
ومع تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي للسلطة في مصر تحسنت العلاقات بين مصر وحماس بشكل ملحوظ، ظهر هذا التحسن في فتح دائم لمعبر رفح ودعم مصري لحماس على المستويين السياسي والمادي.
ولكن، مع عزل مرسي دخلت العلاقات بين مصر وحماس مرحلة من التراجع غير مسبوقة؛ تمثلت فيما يشبه قطع العلاقات بين الطرفين.
نقلة جديدة
وقبل أيام قليلة، خرجت العديد من التقارير التي أكدت وجود بوادر تقارب بين الطرفين ودخول العلاقات المصرية الحمساوية مرحلة جديدة، قد يكون فيها الطرفان أكثر تفاهمًا مما سبق؛ حيث حرصت حركة حماس قبل أقل من شهر على تقديم بادرة حسن نية تجاه مصر، والإيحاء بأنها ستعمل خلال الفترة المقبلة على حماية الأمن القومي المصري؛ بإعلانها القبض على خلية إرهابية كانت تخطط لاستهداف الجيش المصري، كمحاولة لتبرئة ساحتها من العميات الإرهابية التي تحدث في سيناء؛ حيث كشف عضو المكتب السياسي لحركة حماس، محمود الزهار، في 16 أكتوبر الماضي أن حماس أحبطت هجومًا مسلحًا خططت له خلية إرهابية بغزة ضد الجيش المصري، وأن جماعات متشددة في غزة لها علاقة بالاحتلال الإسرائيلي حاولت تنفيذ هجمات ضد الجيش وأخرى وهمية ضد إسرائيل للزج باسم حماس في أي عملية تخريبية في المنطقة، وأوضح أن الحركة اعتقلت بالفعل بعض العناصر المتشددة التي لا تنتمي إلى أي حركة معروفة كانوا يخططون لتهديد أمن مصر.
وأعاد الزهار حينها التأكيد بأن حماس ليست معادية لمصر؛ وإنما لإسرائيل، ولكن هناك عناصر متشددة في غزة لها فكر معاد للقاهرة يتم التعامل معها بالحوار، وإن لم يُبدُوا حسن نية سيتم التعامل معهم بالرصاص، وأشار إلى أن هناك أشخاصًا في القطاع يُشكلون خلايا وهمية لتهديد الجيش المصري من داخل غزة، وتدعمهم السلطة الفلسطينية حتى يحدثوا بلبلة بين الحركة ومصر؛ مثل خلية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح “توفيق الطيراوي”، التي اعتقلت منذ أشهر بعد تهديدهم الجيش المصري، وهو ما اعترفت به العناصر خلال التحقيقات، وجدد القول بأن أمن مصر من أمن غزة، وأن الحركة تريد لمصر الاستقرار الاجتماعي والأمني والسياسي.
على الجانب المصري، اتخذت السلطات خطوات مماثلة في إشارة إلى الاستعداد لعلاقات من نوع جديد مع حماس؛ فمنذ 16 أكتوبر الماضي سهلت السلطات المصرية عبور الفلسطينيين عبر معبر رفح بأعداد كبيرة، وشملت عمليات العبور سفر الطلاب والمرضى وأصحاب الإقامات خارج غزة، وأكدت مصادر أنه في الفترة بين 16 و23 أكتوبر سافر ما يقرب من 4 آلاف مسافر من غزة.
وجاء الإفراج عن 7 حجاج فلسطينيين من غزة أوقفتهم السلطات المصرية في 24 سبتمبر الماضي بعد عودتهم من السعودية عقب أدائهم فريضة الحج، لاتهامهم بحيازة مواد ممنوعة، داعمًا لموقف القاهرة الجديد من حماس. وقالت تقارير إن عملية الإفراج جاءت بعد أن أجريت اتصالات بين أعضاء من حركة حماس والجانب المصري. وفي 30 أكتوبر نظمت مصر مؤتمرًا اقتصاديًا بمحافظة السويس، استمر يومين كاملين، شارك فيه ما يقرب من مائة رجل أعمال من قطاع غزة، إضافة إلى زوجة المسؤول السابق في حركة فتح محمد دحلان، وتناول الوفد سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين القاهرة والقطاع، كما وردت أنباء أن القاهرة تنظر في إقامة منطقة تجارة حرة في مدينة رفح، القائمة على طرفي الحدود؛ ما يُمكّن التجار في غزة من شراء المنتجات مباشرة من الطرف المصري من المدينة، وهذه الخطوة بمثابة رفع جزئي للحصار المفروض على القطاع.
خلاف القاهرة وعباس
يرى خبراء أن سر اتجاه العلاقات بين مصر وحماس اتجاهًا إيجابيًا في الآونة الأخيرة هو الخلاف الذي وقع بين القاهرة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على إثر رفض الأخير محاولات مصر للتقريب والتصالح بينه وبين محمد دحلان؛ وهو ما جعل القاهرة ترى في حماس ورقة رابحة لعدم رفضها التقارب مع دحلان في طل بوادر انسداد الطرق بين الحركة ومحمود عباس الذي تراه حماس معرقلًا لجهود المصالحة بينها وبين السلطة الفلسطينية.
دوافع حماس لدعم دحلان
ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية إنه رغم الاختلاف الأيديولوجي والسياسي بين دحلان وحركة حماس، على اعتبار أن الأول لا يمانع في التطبيع مع الاحتلال والثانية تعتبر حركة مقاومة تقود عمليات مسلحة ضد الكيان المحتل؛ فإن حماس وجدت أنه من مصلحتها دعم دحلان خلفا لأبي مازن؛ لعدة أسباب، أولها أن حماس تسعى إلى استفزاز عباس نحو المصالحة الشاملة من خلال الضغط عليه بورقة دعم دحلان.
والمصلحة الثانية التي قد تعود على حماس من دعمها لدحلان تحسين العلاقات مع القاهرة والإمارات الداعمين الأساسيين لدحلان، وهو ما يعود على حماس بالنفع الذي يتمثل في فتح معبر رفح أمام أهالي قطاع غزة، كما أنها قد تحصل على مساعدات مالية ضخمة من السعودية والأردن والإمارات تسد بها العجز المالي المتفاقم والأزمة الاقتصادية في القطاع.
اتجاهان متباينان
من زاويته، يرى محلل الشؤون الدولية والاستراتيجية أنس القصاص أن التقارب مع حماس ظل خيارًا داخليًا لدى النظام المصري ولم يغب عن دوائر صناعة القرار فيه، ويفسر ذلك استضافة قيادات من الحركة بمصر منذ فترة، وفتح المعابر أمام هنية ومرافقيه للحج، وعدم الربط في الخطاب الرسمي بين حماس والإخوان.
وقال في تصريحات صحافية له إن هناك مدرستين داخل السلطة بشأن العلاقة مع حماس: الأولى تتبنى رؤية الاستخبارات الاستراتيجية التي تزاوج في فهم الوضع الإقليمي وتفككه بين الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذه المدرسة تطرح إجابة التقارب مع غزة كلما تعقدت الأوضاع في الإقليم.
أما المدرسة الأخرى -وفق القصاص- فتتبنى رؤية الاستخبارات التشغيلية؛ ما يطرح سؤال الأمن دون غيره في التعاطي مع الأزمات الإقليمية والدولية، ذاهبًا إلى أن “ما يحدث حاليًا هو انتصار للأولى؛ لعدم جدوى الأخرى طيلة السنوات الماضية، ولأسباب أخرى تتعلق بأزمة السلطة السياسية في إسرائيل وعدمية التعويل على بنية منظمة التحرير”.
مصلحة مشتركة
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة ذهب إلى أن تحسن العلاقة بين النظام المصري وحركة حماس سيصب في مصلحة كليهما؛ إذ لا يستطيع أي منهما الاستغناء عن الآخر، مشيرًا إلى أن الهواجس الأمنية المصرية تجاه حماس بدأت تتراجع في الآونة الأخيرة.
وأضاف أن أساس تأزم العلاقة بين الجانبين هو نظرة النظام المصري لحماس باعتبارها امتدادًا لجماعة الإخوان التي تعمقت خصومته معها بعد إزاحتها من الحكم؛ إلا أن البعد الخاص بالقضية الفلسطينية ومسؤولية مصر عنها ودورها فيها لم يسمح للنظام الحالي أن تستمر هذه العلاقة المتأزمة.
ورأى أنه ربما تكون الحركة قد قدمت من الأدلة ما ينفي عنها كل الاتهامات المتعلقة بالأوضاع الداخلية بمصر، مضيفًا أنه طالما أن الهواجس الأمنية تجاه حماس بدأت تزول، فعلى النظام المصري أن يراجع موقفه تجاه الحركة باعتبارها حركة وطنية فلسطينية ولا يلتفت إلى علاقتها الأيديولوجية بالإخوان.