بينما وصل عدد المتظاهرين الأمريكان ضد دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة إلى ما يزيد على المليوني متظاهر إلى الآن، وبينما وصل عدد الموقعين على عريضة “من العالَم إلى ترامب” التي أطلقتها منظمة آفاز العالمية مؤخرا نحو خمسة ملايين موقِّع، جلهم مواطنون في أوروبا وأمريكا، يخبرون ترامب من خلالها بأن “العالم بأسره يرفض خطابك الذي يروج للكراهية والخوف والتعصب”. وبينما وقّع مليونا مواطن بريطاني على عريضة تطالب بعدم السماح لترامب بزيارة بريطانيا باعتباره شخصا غير مرغوب فيه، وبينما وصف رئيس الاتحاد الأوروبي ترامب بأنه خطر إرهابي على أوروبا، ورئيس فرنسا فرانسوا هولاند الذي اتخذ موقفا متشددا تجاه ترامب أيضا، وأنجيلا ميركل المستشارة الألمانية التي عبرت عن استيائها الشديد من ترامب وأدانت سياساته العنصرية؛ حتى إن رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي أدانت مؤخرا مرسوم ترامب العنصري تجاه المهاجرين المسلمين، والذي امتنعت عن إدانته لمدة خمسة أيام منذ أصدره ترامب، حين قالت في خطابها الأخير أمام مجلس الشيوخ البريطاني بأنه “خطأ ويزرع الشقاق”.
رغم ذلك، ها نحن كعرب أولًا، وكمسلمين ثانيا، نستفيق اليوم على صدمة من العيار الثقيل، صدمة قاربت بشدتها شدة بعض النكبات الكثيرة التي أصابت العرب وبلادهم؛ لكنها ستبقى صدمة مؤقتة كالرصاصة -الفشينج- مجرد صوت لا أكثر، فتأثيرها لن يدوم طويلا؛ حين حظيت قرارات دونالد ترامب العنصرية بمنع مواطني سبع دول عربية إسلامية من دخول الولايات المتحدة الأمريكية بتأييد دولتين عربيتين إسلاميتين كبيرتين ومساندتهما، وهما المملكة العربية السعودية ودولة اﻹمارات العربية المتحدة! وسط تنامي ظاهرة الرفض العالمية -وخاصة الأوروبية- لهذه القرارات العنصرية، واستقالة 90 موظفا أمريكيا من وزرارة الخارجية الأمريكية احتجاجا لهذا القرار ورفضا له.
لكن، ربما أن قرارات ترامب العنصرية والمستفزة هذه لن تدوم ﻷكثر من ثلاثة أشهر على أقل توقع. فحسب محللين، يرمي ترامب من وراء قرارات مماثلة إلى إثبات أنه قادر على تنفيذ وعود قطعها على نفسه أمام مؤيديه ومناصريه إبان حملته الانتخابية ليس أكثر، وهو كرئيس دخل معترك السياسة لتوّه بات يدرك تماما بأن أمريكا بلد مؤسسات بامتياز، كما أنها تحوي مجتمعا مدنيا قويا ومتماسكا له ذلك الوقع القوي على الكونجرس واﻹدارة والبيت الأبيض، ولا يمكن إغفاله كمجتمع ذي سطوة؛ فهو كرئيس -وتاجر- جلب ﻷغنياء وول ستريت دون الفقراء لحد اللحظة أربعة ترليونات من الدولارات؛ إلا أن ذلك لن يغفر له شطب بعض من الخطوط العريضة التقليدية لسياسة اﻹدارات الأمريكية المتعاقبة والمختلفة والتي جعلت من أمريكا أمريكا التي يعرفها العالم بأسره ويقدرها ويخافها.
كما أن قرارات ترامب العنصرية تتعارض كليا مع الدستور الأمريكي الذي يرفض التمييز على أساس العرق والدين والموقف السياسي، فرفض الأمريكيين لهذه القرارات لا يعبر فقط عن دفاعهم عن حقوق المسلمين بقدر ما يعبر عن دفاعهم عن دستور بلادهم وقيم العدالة والمساواة التي يعج بها دستورها.
كما أن هناك حقائق ظهرت على شكل تقارير مثبتة وموثقة تستهوي الأمريكيين تقول بأنه بينما يموت أمريكيان اثنان في السنة جراء عمليات إرهابية لم يرتكبها أي من مواطني السبع دول العربية واﻹسلامية التي استهدفها قرار ترامب العنصري (سوريا والعراق والصومال والسودان واليمن وليبيا وإيران) يموت في المقابل عشرة أمريكيين في السنة جراء عمليات إطلاق نار عشوائي يرتكبها أمريكي يائس أو بائس.
لكن ما يزيد من احتمالية أن ترامب أحب من خلال هذه القرارات العنصرية إثبات حسن نيته تجاه مؤيديه لا أكثر هو إعلانه مؤخرًا أن “واشنطن ستعيد إصدار تأشيرات دخول الولايات المتحدة لمواطني جميع دول العالم بعد ثلاثة أشهر”، فيما تراجع عن قرار منع دخول حاملي الـ”Green card” البطاقة الخضراء من نفس دول الحظر السبع بعد انتقادات واسعة وشرسة تعرض لها من داخل إدارته.
فمن غير المنطقي أن يعتقد ترامب للحظة أن الدول التي حظر دخول مواطنيها للولايات المتحدة لاعتبارهم إرهابيين بأنه بعد ثلاثة أشهر لن يعود مواطنوها إرهابيين، أو أنها كبلدان إرهابية ستعتبر من قرار ترامب وتتراجع عن إرهابيتها؛ “ما هذا الهراء يا ترامب؟!”، سؤال وجهه سيناتور في الكونجرس الأمريكي لدونالد ترامب بالأمس.
رغم التأييد السعودي اﻹماراتي لقرارات ترامب العنصرية، والذي شكل صدمة كبيرة لنا وجعلنا نشعر بحزن شديد تجاهه، نعم نحن حزينون للغاية؛ إلا أننا حزينون أكثر ﻷمر دولتين عربيتين إسلاميتين لهما الحب الكبير في قلوب العرب، حين يتراجع ترامب في النهاية عن قرارات مماثلة استجابة لدستور بلاده، واستجابه لسطوة مجتمعه المدني، واستجابة لخطوط سياسات بلاده العريضة الثابتة.